الأدب هو ذاكرتنا.. فلا تحرقوها
د. أنوار السعد
حين وصلتني دعوة لتقديم محاضرة عن الأدب الكويتي في جامعة جورج تاون الأميركية الصيف الماضي، كل ما شغل بالي آنذاك هو سؤال واحد: كيف سأتمكن من حمل الإرث والمخزون الثقافي معي لأقدمه إلى متلقٍ قد لا يكون قرأ أو سمع عن الأدب الكويتي بأي شكلٍ من الأشكال؟ وما هي الكتب التي سأختارها كشاشة يرى من خلالها الغرب مجتمعنا الكويتي بكل تفاصيله؟ فوجدت أن الرواية أو «ديوان العرب» الحديث، أو ما يمكن أن أسميه «بمكان تخزين وحفظ ذاكرة المجتمع الجماعية» هي الأنسب.
حين بدأت فعلاً بجمع مادة العرض للمحاضرة، حاولت أن أبحث عن الروايات التي يمكنها أن تكون هذا «الصندوق السحري» الذي أزيح عنه المنديل فتخرج منه أبراج الكويت، والبحر، والفن الكويتي، وقضايا الرأي، والتغييرات في تركيبة المجتمع، وبداية النهضة الفكرية والأدبية في الكويت، والغزو، إلى كل الأحداث السياسية والاقتصادية التي غيرت خريطة البلد… الخ من كل هذا الإرث الحضاري الذي لا أتخيل كم من الوقت والجهد قد كان سيلزمني ـ أنا وفريق كبير من الباحثين في كل المجالات ــ لنجمع مثل هذه المادة الشاملة عن المجتمع الكويتي.
وأعتقد سيوافقني كل من سافر أو درس بالخارج، أنه كان يواجه دائماً بسؤال: حدثني عن الكويت، أين تقع، أو كيف يعيش شعبها وهل فعلاً توجد آبار نفط في حدائق منازلهم، أو النقيض بسؤالنا هل تعيشون فعلاً في خيام وتركبون الخيل والإبل للتنقل؟ بالنسبة لي كنت إما أن أحتار من أين أبدأ، أو أقضي ساعات طوال في محاولة التحدث عن الكويت بكل تاريخها وتفاصيلها! إلى أن اهتديت لفكرة شراء نسخ من مختلف أنواع الأدب الكويتي، بغرض استخدامها كـflash memory قد قام الأدباء بحفظ ذاكرتنا الثقافية به، وصار كل ما علي فعله هو أن أهدي كتابا من الأدب الكويتي لكل من يسألني عن الكويت.
في كتابه «كتب تحترق… تاريخ تدمير المكتبات»، يقول الكاتب الفرنسي لوسيان بولاسترون: «هدم المكتبة فعل يعود إلى أقدم العصور، ظهر مدمرو المكتبات بالتزامن مع ظهور الكتب نفسها». فإذا ما تتبعنا ـــ منذ أقدم العصور ــ فعل تدمير المكتبات والكتب بكل ما تحمله من إرث حضاري وثقافي، فسنجد أنه أمر كان يقوم به الأعداء أو الجيوش الطاغية والمحتلة لأي بلد: كما فعل الرومان عندما أحرقوا مكتبة الإسكندرية الكبرى عام 48م، أو عندما قامت قوات المغول بحرق مكتبات بغداد ورمي كتبها ومخطوطاتها في نهر الفرات، حتى أصبحت مياه النهر سوداء بسبب حبر الكتب. أما هنا في الكويت… فالأديب والمثقف والحريص على إرث وطنه وذاكرة شعبه، إن لم يستطع الهرب من مقصلة الرقيب، واجهت كتبه مصيرها في محرقة الوزارة… فأصبح حرق ذاكرة الوطن وإرثها الثقافي، فعلا تم بأيدٍ كويتية!
د. أنوار السعد
@anwaralsaad