رسالة إلى السيدخالد مشعل:. كيف تطلب من أمريكا، التي فتك سلاحها بأهل وأرض غزة، أن تعاملك كما عاملت الرئيس السوري أحمد الشرع؟ ماذا تقصد؟

د تيسير فتوح حجه  …..

الأمين العام لحركة عداله

في لحظة سياسية بالغة الحساسية، يخرج علينا خطاب يدعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى لعب دور “الراعي” أو “الضامن” أو حتى “الوسيط العادل”، وكأن التجربة الفلسطينية مع هذه الدولة لم تكن كافية، وكأن دماء أطفال غزة ونسائها لم تُسفك بسلاح أمريكي مباشر أو بغطاء سياسي أمريكي مطلق.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا: ماذا تقصد حين تطلب من أمريكا أن تعاملك كما عاملت الرئيس السوري أحمد الشرع؟
وهل المقارنة في محلّها؟ أم أن في الأمر التباسًا خطيرًا في قراءة الدور الأمريكي ووظيفته في منطقتنا؟
إن الولايات المتحدة، التي لم تتردد يومًا في منح الاحتلال الإسرائيلي أحدث منظومات القتل والتدمير، والتي استخدمت حق النقض (الفيتو) عشرات المرات لحماية جرائم الاحتلال، لا يمكن النظر إليها كطرف محايد أو كدولة يمكن الرهان على “عدالتها السياسية”. فكيف يُعقل أن يُطلب منها إنصاف غزة، وهي شريكة كاملة في حصارها وتجويعها وإبادتها؟
أما الحديث عن النموذج السوري، وتحديدًا عن طريقة تعامل واشنطن مع القيادة الجديدة هناك، فهو حديث يتجاهل الفارق الجوهري بين الحالتين. فسوريا، شئنا أم أبينا، دخلت في مسار إعادة تموضع إقليمي ودولي يخدم في جانب كبير منه المصالح الأمريكية والغربية، بينما القضية الفلسطينية، وغزة تحديدًا، ما زالت تمثل جوهر الصراع مع المشروع الصهيوني، العدو الاستراتيجي الذي تعتبره أمريكا جزءًا من أمنها القومي.
الولايات المتحدة لا تكافئ من يقاوم الاحتلال، بل تحاصره.
ولا تحتضن من يرفع شعار التحرر الوطني، بل تعمل على تدجينه أو عزله أو تصفيته.
ومن يظن أن أمريكا ستتعامل مع قيادة فلسطينية مقاومة كما تعاملت مع قيادة أعادت صياغة علاقتها مع الغرب، فهو إما واهم أو يقرأ السياسة بمنطق الرغبات لا الوقائع.
إن الرهان على واشنطن لم يجلب للفلسطينيين سوى المزيد من الخذلان، منذ أوسلو وحتى اليوم. وكل محاولات “استرضاء” الإدارة الأمريكية لم تُنتج دولة، ولا سيادة، ولا كرامة، بل أنتجت سلطة بلا سلطة، ووعودًا بلا تنفيذ، وشعبًا يدفع الثمن وحده.
المطلوب اليوم ليس تحسين صورة المقاومة في نظر أمريكا، ولا البحث عن معاملة خاصة من دولة تقود مشروع الهيمنة في المنطقة، بل إعادة الاعتبار للبوصلة الوطنية، وبناء موقف فلسطيني مستقل، يستند إلى وحدة الداخل، وعمق الأمة، وعدالة القضية، لا إلى مزاج الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
غزة لا تحتاج شهادة حسن سلوك من واشنطن،
بل تحتاج موقفًا صلبًا يحترم تضحياتها، ويصون دماء شهدائها، ولا يساوم على حقها في المقاومة والحرية.
فماذا تقصد؟
هل تقصد حماية شعبك؟
أم البحث عن اعتراف دولي بأي ثمن؟
أم إعادة إنتاج وهم قديم ثبت فشله مرارًا؟
التاريخ لا يرحم،
والشعوب لا تنسى،
وغزة اليوم أوضح من أي وقت مضى:
أمريكا ليست وسيطًا… بل طرفًا في الجريمة..

الكاتب من فلسطين

قد يعجبك ايضا