كلمة في الذكرى الثانية عشر لوفاة الأستاذ المجاهد محمد عبدالرحمن خليفة رحمه الله

 

بقلم : الشيخ سالم الفلاحات

 

قيمة الحياة تكون بعمّارها وبُناتِها وهي بمقدار ما يخط المصلحون من حروف مضيئة على صفحاتها وما يتركونه من بصمات في واقعها وإلا فهي هزيلة .. هزيلة لتحولها وقصر عمرها والخلود فيها لا يكون بالمادة لأن المادة في تحول ونضوب ، إنما بالذكر الحسن والاثر الطيب على أرض الواقع وبالصدق والجد في العمل ، والحرص على القيام بالواجب .
وحديثي اليوم بصدد التوقف عند محطات مع واحد من هؤلاء الذين عاشوا لأمتهم ولأوطانهم ولقضايا شعوبهم وصدقوا ما عاهدوا الله عليه .
فعلى مستوى الأردن منذ نشأة الدولة الأردنية نجد في مقدمة أولئك المرحوم بإذن الله تعالى الأستاذ محمد خليفة النسور، ابن البلقاء الباقية ، والتي تشرفت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم حوضي ما بين حضرموت وعَمان البتراء . والذي ترجل بعدما يقرب من خمسين عاماً من العطاء المتواصل الذي لم يعرف الكسل ولا الكلل ولا اليأس .
فتح عينيه على صفحات كتاب الله تعالى على النور المبين يتلمس حروفه المضيئة ومعانيه الوضيئة ، وتعلم كيف يرسم الحروف في الكتاب لتثبيت معالم الكتاب ، وتمثلها في واقع الناس ثم تعلم علم الأرض الطيبة الطاهرة في مدينة طولكرم السليبة حيث الزراعة وفنونها والتي لا تبتعد كثيراً عن استنبات الانسان وتنميته ورعايته وتنشئته على مقدس التراب وطاهر الماء وكريم الآيات والقيم .
ومر في الشام على علم الحجة والمنطق والقانون علم الدفاع عن حقوق المظلومين والقاصرين عن متابعة حقوقهم فكان حقوقياً كذلك .
لقد خرج من قمم الاقليمية الى باحة الوطن الإسلامي ومن الأرض المباركة فلسطين التي كانت مهوى فؤاده حتى قبيل وفاته إضافة الى ما حباه الله به من طيب المعشر ولين الخطاب وقوة الشخصية .
اختاره الجيل المؤسس من الإخوان مراقباً عاماً للجماعة في هذا البلد المرابط والذي كان يضم الأردن وما تبقى من فلسطين بعد الاحتلال الأول ، وكان في العقد الرابع من عمره في نهاية عام 1953 ، فترك عمله قاضياً للصلح في مأدبا فاستجاب لطلبهم وترك الوظيفة التي يتمناها الكثيرون وعوضه الله خيراً وبدلاً من أن يقضي حياته قاضيا بين متخاصمين على فتات دنيا زهيدة ، وقف بين حضارتين إحداهما غابت منذ قرون لكنه أسهم في رفع لوائها من جديد ، وأخرى سادت وطغت وتجبرت وهي إلى زوال .
كان يتردد على فلسطين بعامة والقدس بخاصة كما يزور الكرك واربد بل ربما أكثر وزرع لكل مدينة وقرية في فلسطين والأردن حراساً للعقيدة والوطن والأمة .
كانت اهتماماته منصبة على الأهم ثم المهم وهو الوقوف أمام الهجمة الصهيونية الشاملة وعلى كيفية استنهاض الشعوب الإسلامية وفي مقدمتها العرب للقيام بدورهم تجاه القضية المركزية للأمة لكنه لم ينسَ الواجب المحلي فقد شكل جمعية خيرية مع نفر من أهل الخير والصلاح بعد 10 سنوات فقد من تولي مسؤوليته مراقبا عاماً للجماعة ، فأسس جمعية المركز الإسلامي الخيرية نبتة صغيرة طيبة وضع كل مقدرات الإخوان المالية وجاههم وعلاقاتهم الواسعة لخدمتها وسجل معظم ممتلكات الجماعة باسمها ، فهو لا يفرق بين رعاية المحتاجين والفقراء والأرامل في الجانب الإغاثي وإرضاعهم لبن المواطنة والحرية والتربية الإسلامية الشاملة .
كما لم يغفل عن الإسهام في المقاومة العسكرية المباشرة خلال الأعوام 1968 ، 1969 ، 1970 بتوجيه الإخوان للانخراط في المقاومة من على أرض الأردن ، وعندما تمازج العمل المقاوم بالفتنة ابتعد بالإخوان عن هذا المعترك ولم يسهموا في إراقة دم وطنية واحدة ، ووقف هو وإخوانه بحزم أمام فتنة أيلول التي عصفت بالمجتمع الأردني .
لقد كان حريصاً رحمه الله على المحافظة على خط الجماعة الوسطي الأصيل ولم تثنه الإساءات التي كانت توجه له وللجماعة عن خطه الذي رسمه ، مع أنه تعرض للسجن مراراً ، لقد اعتقل عدة مرات منها لرفض الإخوان مشروع حلف بغداد ، ولمعارضتهم الوجود البريطاني في الأردن حتى قال له أحد رؤساء الوزارات : أقسم بالله لن تخرج من السجن وأنا حي . فقال له : الأمر بيد الله لا بيدك . فمات الرئيس وخرج أبو ماجد من السجن بعد 6 أشهر .
استمعت إلى شهادة بعض من عاصرك وعاصر نشوء الدولة الأردنية فقال أحدهم في محاضرة عامة في مدينة مأدبا : لقد حفظ الأردن منذ نشأته رجلان : الملك حسين بن طلال ثم سكت وانتظر الحاضرون من الثاني ! حتى قال : الثاني محمد عبدالرحمن خليفة
رحمك الله أبا ماجد فقد كنت تحمل بين جوانحك صفاء الإخوة ومضاء القيادة ورؤية الحكيم ومنطق البلغاء ، ربان سفينة في بحر متلاطم الموج ، كنت تردد معنا حديث رسول الله صلى الله علية وسلم كما نقل عنك الشهيد عبدالله عزام رحمه الله ( لا تذكروا اخوان أمامي إلا بخير ، فإني أحب أن أخرج إليهم سليم الصدر ) .
رحم الله أبا ماجد ، تسلم الرسالة من الشيخ المجاهد عبداللطيف أبو قوره رحمه الله مؤسس الجماعة في الأردن وقائد كتائب المجاهدين مع أخيه ممدوح الصرايرة دفاعا عن القدس وفلسطين .
تسلمها في وقت صعب وفهم المصحف والسيفين ، مصحف مبارك رحمة للعالمين ، وسيفان أحدهم سيف على الطغيان والتجبر والعلو في الأرض ، واخر على كل مغتصب للأرض المباركة فلسطين .
فيه هيبة القائد التي تأخذك فور رؤيته وهو المتعلق بالغايات العظام والأهداف الكبار في ظل ظروف تكسوها غيوم التبعية والهزيمة والاستسلام .
رحمك الله وتقبلك في الصالحين وجعل في ذريتك وعقلك وتلاميذك من يحمل الراية عالية لتكون من عملك المتواصل ، وجمعنا الله بك في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

قد يعجبك ايضا