اليسار الفلسطيني بين حصار الفكرة وانحسار المنتمين

بقلم: د. تيسير فتوح حجه  … .

الأمين العام لحركة عداله.
لم يكن اليسار الفلسطيني يومًا تيارًا هامشيًا أو عابرًا في مسيرة النضال الوطني، بل شكّل في مراحل مفصلية رافعة فكرية وتنظيمية حملت همّ العدالة الاجتماعية والتحرر الوطني، وربطت بين مقاومة الاحتلال وبناء مجتمع قائم على المساواة والكرامة الإنسانية. إلا أن هذا اليسار يجد نفسه اليوم محاصرًا، لا فقط بتراجع الظروف الموضوعية، بل أيضًا بتراكم أخطاء ذاتية وانحسار في القاعدة الشعبية والمنتمين.
لقد تعرّضت فكرة اليسار لحصار مزدوج؛ حصار خارجي تمثّل في القمع والاحتلال، وفي منظومة إقليمية ودولية لا ترى في العدالة الاجتماعية أولوية، وحصار داخلي ناتج عن الجمود الفكري، وضعف التجديد، والانفصال التدريجي عن هموم الناس اليومية. فتحوّل الخطاب اليساري عند البعض إلى شعارات محفوظة، غير قادرة على مخاطبة جيل جديد يعيش القهر الاقتصادي والبطالة وغياب الأفق
السياسي.
أما انحسار المنتمين، فهو نتيجة طبيعية لفقدان الثقة، حين يرى المواطن أن القوى اليسارية لم تعد حاضرة في معاركه الحياتية، ولم تنجح في تقديم نموذج وحدوي ديمقراطي بديل عن الانقسام، ولا في خوض معركة حقيقية ضد الفساد والتغول على الحقوق والحريات. فاليسار الذي لا يدافع عن العامل والموظف والفقير، ولا يقف بوضوح مع كرامة الإنسان، يفقد مبرر وجوده.
إن أزمة اليسار الفلسطيني ليست قدرًا محتومًا، بل هي أزمة قابلة للمعالجة إذا توفرت إرادة المراجعة الجادة، والانحياز الصادق للناس، وتحرير الفكرة اليسارية من الأطر التنظيمية الجامدة، وإعادة ربطها بقضايا العدالة الاجتماعية، والديمقراطية، وسيادة القانون، ومقاومة الاحتلال بكل أشكاله.
ومن هنا تؤكد حركة عداله أن استعادة دور اليسار تبدأ من استعادة البوصلة الأخلاقية والوطنية، ومن خطاب صادق وجريء لا يساوم على حقوق الشعب، ولا يتكيّف مع الفشل، ولا يصمت أمام الظلم، سواء أتى من الاحتلال أو من الداخل. فالمعركة اليوم ليست معركة مواقع وتنظيمات، بل معركة وعي وعدالة وكرامة.
إن اليسار المطلوب هو يسار الناس، يسار الفعل لا البيانات، يسار يربط التحرر الوطني بالتحرر الاجتماعي، ويؤمن أن فلسطين الحرة لا تُبنى إلا على أسس العدالة والمساواة واحترام الإنسان.

الكاتب من فلسطين

قد يعجبك ايضا