إسرائيل وغياب البوصلة الأخلاقية

 

يوم الجمعة، في أثناء بحث في موضوع حماة الحمى في ندوة «المجلس للمجتمع والقضاء» في حيفا، نزع شيخ القبيلة، رئيس المحكمة العليا المتقاعد أهرون باراك، القفاز. فقد حذر من أن الديمقراطية في إسرائيل هي في ساعة حرجة وذكر كيف أنه في سنة واحدة، في ضربتين، صفيت استقلالية المحاكم في بولندا وفي هنغاريا. ودعا باراك جهاز القضاء في إسرائيل للدفاع عن الديمقراطية وإلا لن يتمكن من الدفاع عن مواطني الدولة.
من المتوقع لحملة الانتخابات القريبة المقبلة أن تقرر من يشكل الحكومة وما هي قواعد اللعب الجديدة التي ستجري بموجبها الديمقراطية الإسرائيلية. يوم الأربعاء هدد رئيس الائتلاف دودي أمسلم، بوق نتنياهو، من أن الملايين سيخرجون إلى الشوارع في حالة إعلان المستشار القانوني للحكومة عن قراره في ملفات نتنياهو عشية الانتخابات. وبالمقابل، وصف ايهود باراك يوم الخميس المستشار بأنه «يقدم الاستشارة»، وقال الويل له إذا لم يقدم نتنياهو إلى المحاكمة. وفي المساء ذاته رفع رئيس الوزراء شريطاً مسجلاً تاريخياً آخر، ناشد فيه مندلبليت ألا يعلن عن قراره عشية الانتخابات، وأمس فعل هذا مرة أخرى حين شبه الإجراءات القانونية ضده بقطع يد شخص ما أدين بالسرقة. لقد قرر المعسكران الصقريان بأنهما سيستخدمان سلطة القانون كأداة لعب كل واحد وفقاً لاحتياجاته ـ وفي الطريق تتحطم الثقة به.
ستشكل الأسابيع القريبة القادمة اختباراً لسلطة القانون: يبدو أن نتنياهو ومؤيديه مصممون على نزع الشرعية عن المستشار القانوني كي يلونوها بلون سياسي. قرارات المستشار، مثل قرارات العليا، كانت دوماً في الإجماع الذي في ضوئه سار المجتمع حتى عندما كان منقسماً. فالمستشار القانوني يعتبر مفسر القانون، تبعاً لقرارات العليا، ولكن حكومة نتنياهو فعلت الكثير كي تشكك بهذا الالتزام: بخلاف موقف مندلبليت مثلاً، تم الدفع إلى الأمام بقانون المستشارين القانونيين، الذين بزعم منتقديه، من شأنه أن يغير وجه الخدمة العامة ويجعل إسرائيل دولة عالم ثالث.
واستهترت الحكومة بموقف المستشار الذي وصف العديد من القوانين كـ «غير دستورية»، لحقيقة أنه تخوف من أن تجر إسرائيل إلى المحكمة الدولية في لاهاي. وسواء خافوا من نتنياهو أم من الانتخابات التمهيدية، لا يوجد ولي واحد في الحكومة أيد موقف المستشار القانوني في هذه الحالات.
يدعي مقربو رئيس الوزراء بأن قرار المستشار في ملفات نتنياهو في أثناء الانتخابات مثلها كالانقلاب. ولكن تحذيراتهم من أن قراره لن يحترم هي خطر حقيقي بالانقلاب. بالإنجليزية، يبدو هذا أكثر وقعاً: «It is not done» غير أن التعبير في السياسة الإسرائيلية، والذي يتناول التنافس المحتمل على رئاسة الوزراء في حالة رفع لائحة الاتهام، لا يبدو موجوداً، وبالتالي فإن نتنياهو لا يعتزم إخلاء مكانه حتى لو تقررت لائحة اتهام تبعاً للاستماع.
إن مندلبليت على علم بأنه أصبح أداة لعب سياسية، ولهذا فإن رسائله حذرة. وهو لا يعتزم الوقوع في الفخ ويعد باسم الرسمية بأن «الأدلة وحدها هي التي ستنطق». وهكذا بقي بوصلة وحيدة في الظلام الأخلاقي، ولا يبدو أن هناك أحداً في محيط رئيس الوزراء مستعداً لأن يشعل النور.

توفا تسيموكي
يديعوت ـ 6/1/2019

قد يعجبك ايضا