الكويت.. وأمن الطاقة

 

عبدالله بشارة

نعترف بثقل المسؤولية التي قبل الوزراء الجدد تحملها، ولهم الشكر والتقدير، فهم الآن متواجدون في ميدان مختلف، وأبرز ما فيه من مخاطر اعتبارهم أهدافاً لانتقادات، أحياناً خفيفة، ومعظم الوقت غليظة تصدر من نواب خاب أملهم في خدمات غير قانونية، فوجهوا المدفعية على رؤوس الوزراء.
فلا توجد أسرار في هذا الواقع، فكل من أتى كان على علم بواقع التوزير في الكويت.
يشغلني كمواطن موضوعان من حزمة الهموم الواسعة، أولهما مع وزير النفط د. خالد الفاضل، وله معرفة بالعلوم والكيمياء، وحتماً يتابع تقلبات النفط العالمية، وينشغل بمحتويات دبلوماسية النفط التي لا بد أن يتواجد داخلها ويتعرف على مساراتها وعلى العناصر التي تؤثر في هذه المسارات.
جاء مقام الكويت المالي من النفط، وجاء صيت الكويت الحاتمي من النفط، واستقوت عضلات دبلوماسية الكويت من منابع النفط، وسطعت في المحافل المالية من مخزون النفط، فهو العنوان الكبير لدولة الكويت، وأعطى النفط دولة الكويت سطوة الندرة، لأن النفط سلعة نادرة لا تتواجد إلا في أماكن محدودة، ومن حسن الحظ أن الخليج هو مسكن النفط وموطنه، ومنه انطلقت دول الخليج في هذا الكون، بأحلامها كدول نامية تسعى إلى التطور وتعمل لتلتحق بالدول المتميزة في متانة الاقتصاد وفي غزارة العطاء. ولأن دول الخليج حديثة في مكونات الابتكار والتطور، فقد اعتبرتها الهيئات والمنظمات العالمية من شريحة المستورين الذين تحتوي خزينتهم على نقد «كاش» متوافر يصب من منبع واحد، ويقبع بمفرده في أحشاء الدولة ويمكنها من الحياة بسلام، لكن النفط يمثل الأشياء الأخرى في العصر الحديث، فقد دخل في حسابات العولمة، والواقع أنه أول أركانها، وهنا أسجل بعض الملاحظات من واقع متابعتي لهذا الموضوع المهم:
أولا – النفط سلعة كونية لا يعيش العالم من دونها، فهي أصل الطاقة والمحرك للحياة العصرية، يملكه القليلون ويعيش عليه الكثيرون، يكتشفه المبتكرون، وينعم به الموجودون على هذا الكوكب، ومن هذه الحقائق لا يتواجد في هذا العالم محتكرون في مسار النفط.
ثانياً – النفط سلعة الكون، لكل الناس، ولجميع البقاع، لا يستطيع إيقافه المنتجون، ولا يجرؤون على إدخاله في قوائم الممنوعات، يظل يسير وفق حاجة المجتمع العالمي، وليس وفق حاجيات المنتجين، الذين يعطون لاسترضاء الجميع في تلبية حاجياتهم.
ثالثاً- منذ 1974، خرج النفط من قاعات السياسة وانسحب من إدارة التسييس النفطي، الذي كان شاه إيران وزعماء الراديكالية العربية وثوار فنزويلا يتسابقون لفرضها، بأسلوب الضغط لأهداف سياسية أو لتحصيل المزيد من الأسعار، وكذلك لأجل المكسب على موقع مميز في الاستراتيجية العالمية، فالعولمة وشمولية الاحتياجات للطاقة، وترابط الأمن العالمي وتداخل الاستقرار الكوني، كل ذلك أدى إلى انحسار التفرد في مصير النفط، وصار النفط سلعة، نحن في الكويت نتمتع مثل الآخرين في الخليج بعوائدها، ولكننا لا نملك التحكم فيها ولا نتدخل في مساراتها.
رابعاً – ولأنه سلعة نادرة، حل الهوس العالمي في الانطلاق لتحقيق البدائل عن مناطق التوتر الساخنة بتطوير تكنولوجيا الاكتشاف والتركيز على النفط الصخري ليصبح بمردود اقتصادي ليغير الحسابات، ويؤثر على عناصر القوة التي كانت دول الخليج تملكها كمنابع وموطن للطاقة، فصارت الغابات بدلاً من الصحراء، وصارت أعماق المحيطات أهدافاً للمسح النفطي، هذه من حقائق اليوم التي لم تكن ندخلها في حساباتنا عندما كنا نتفاوض مع الدول المتقدمة عام 1974 حول النظام العالمي الجديد.
خامساً – هذا التطور الذي أصاب صناعة النفط أثر كثيراً على الأغراض التي سببت تشكيل أوبك كمنظمة عالمية تراقب الأسعار وتسعى لابقائها في مستوى لا يظلم الدول المنتجة، ويفي باحتياجات الدول المستهلكة.
لكن تأثير التطور التكنولوجي حول الطاقة ليس منحصراً في الأسعار، وإنما في النفوذ السياسي الذي كانت تملكه الدول المنتجة خاصة الخليجية، فتجربة عام 1973 بفرض مقاطعة نفطية على الولايات المتحدة أصابت كبرياء الدولة الاستثنائية، ودفعها إلى استحضار كل القوى التكنولوجية للافلات من النفوذ الخليجي، وإبطال عناصر القوة التي يملكونها.
سادساً – نحن الآن في فصل نسميه فصل التفاهم والتفهم، Gentleman’sagreement، فيه اعتراف من المنتجين بحق المستهلكين بحجم من الطاقة يستجيب لطلباتهم، ويفي بحقوقهم، بأسعار تتناسب مع قدرة المجتمع العالمي على الاستيعاب. فلا تهديد بالقطع عن المستهلك، ولا التلويح باجراءات تؤذي المنتجين، هذا التفاهم جاء من تحولات عالمية في العلاقات بين أعضاء الأسرة العالمية، فأخذت الدول النامية الحق في المشاركة في قرارات المؤسسات المالية والنقدية العالمية، مثل صندوق النقد والبنك الدولي، مع تأمين دائم بانتاج نفطي من دول الخليج أكثر مما تريد لارضاء الكبار من المستهلكين.
سابعاً- دور أوبك الآن هو صون هذا الاتفاق مع السعي للمشاركة في التكنولوجيا النفطية المتطورة عن طريق مشاريع مشتركة، وتواجد تكنولوجي يوسع قدرة دول الخليج على تواجد مصادر حديثة للدخل القومي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد.
ثامناً – النفط سلعة دولية ليست لها وثيقة تملك، وإنما لها ثوابت تعطي المنتج حقه، كما تعطي المستهلك، وتربط الطرفين في بحث دائم عن مخترعات جديدة تؤمن منابع لا تجف لتأمين استقرار الحياة.
ومن هنا نأمل من وزير النفط الكويتي الجديد أن ينظر جدياً في الخطوات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية والامارات في تنويع مصادر الدخل ويدرسها، لأن الكويت آخر دول الخليج في هذا الموكب الذي سار فيه الشركاء الخليجيون وتخلفت عنه الكويت.

***
توفي في الأسبوع الماضي قريبي المرحوم عيسى عبدالوهاب العيسى، تأثرت لفقدانه لأنه من الأخيار النادرين الذين أنعم الله عليهم، فيعطي بهدوء، ويتصدق بإيمان، ويخفف عن المحتاجين بصمت، عفيف في مجالسه وإنساني في أهدافه اختار طريق الدعوة ناصحاً بمسارات الأخلاق والتآخي مع تواضع وبساطة وزهد، كان رجل أخلاق وإغداق..
العزاء لأهله ولنا جميعاً أقرباء وأصدقاء وأحباء.. فلا راد لقضاء الله وحكمه..

 

قد يعجبك ايضا