اهمية القطاع العام للسينما العربية فيلم مطر حمص مثالا

المحامي / سامر أبو شندي

 

اهمية القطاع العام للسينما العربية فيلم مطر حمص مثالا

لا يخفى على أحد الدور الذي يلعبه القطاع العام في خدمة الانشطة الثقافية للدولة و لا سيما السينما و بخاصة عندما تكون الدولة راعية للفكر ز الثقافة، و ترعى في سبيل ذلك الادباء و المفكرين و مثالا على ذلك تاسس قطاع الإنتاج في مصر الناصرية في العام 1963 وكذلك تاسست المؤسسة العامة للسينما في الجمهورية العربية السورية في نفس العام، و التي تولت الانتاج على مستوى القطر السوري و كذلك المساهمة في نشر الثقافة السينمائية و الكتابة من اجل السينما من خلال الدورات المستمرة التي تنعقد في مقرها، بل و شجعت البنوك على اقراض العاملين في المجال السينمائي، و نشرت صالات السينما على امتداد الارض السورية، و ذلك ضمن رسالة المؤسسة في جعل السينما فكر و ثقافة قبل ان تكون صناعة و تجارة.
و من الإنتاجات الحديثة للمؤسسة العامة للسينما السورية فيلم مطر حمص الصادر في العام 2017 و الذي يتحدث في الأزمة السورية من خلال تكثيف اللحظة الزمانية و المكانية في ميدان مدينة حمص المدمر بالكامل، حيث تدور كافة أحداث هذا الفيلم في ذلك الميدان و الأزقة و البيوت المدمرة كليا أو جزئيا و المحيطة به، فيحكي موقع التصوير او مايسمى Location بالإنجليزية قصة ازمة سوريا اليوم، و ما كان لهذا العمل أن يرى النور لولا وقوف قطاع عام قوي و مؤدلج خلفه.
إذ أن الانتاج السينمائي و الدرامي اليوم في الوطن العربي يعاني من أزمة الإنتاج عندما رفعت الكثير من القطاعات العامة في أكثر من قطر عربي يدها عن دعم السينما و الدراما فتركتا لأحكام السوق فصار لا يحظى من الاعمال بالإنتاج سوى ما كان مبهرا في صورته او ممثليه او افكاره الغريبة المحدثة، فكان في ترك السينما لأحكام السوق او ما يسمى اختصارا بالعرض و الطلب أثرا سلبيا في تراجع السينما العربية فالعرض و الطلب ليس عادلا أو صحيحا في كل الأوقات، و المنتج الخاص يبتغي الربح العاجل و لا يهمه إذا كان ذلك العمل سيرتقي بالوجدان أو يوثف لحظة تاريخية هامة في مسيرة أمة.
و عودة لفيلم مطر حمص الذي اخذت كافة مشاهده ضمن ركامات الأنقاض و البيوت المهدمة و الشوارع المغلقة بالسواتر حيث تتصارع القوة الغازية الطارئة على الحي مع مكونات ذلك المجتمع المتنوع، فنجد اهالي المجتمع الأصليين في قمة التعايش و التعاضض لاجتياز هذه المحنة و ذلك الحصار المفروض عليهم.
فرجل الدين المسيحي و المسلم في تعاون و كافة افراد المجتمع في حالة من التعاون و الوئام رغم الحصار و الموت الذي يحيط بهم من كل جانب، فرمز الفيلم من خلال سكان هذا الحي الحمصي الى كافة الشعب السوري بكافة مكوناته، حيث صمد هذا الشعب حتى زالت الغمة.
في الفيلم و في غياب و سائل الإتصال و الرفاهية نجد بطلان يبتكران و سيلة للترفيه عن اهالي هذا الحي المحاصر فيأتي المشهد السينمائي الفريد من على شرفة بيت نصف مهدمة نجد فيها رجل الدين المسيحي و مطرب يعزف على العود يغنيان اغنية للمطربة ميادة الحناوي على مكبرات الصوت في تحد ثقافي و حضاري لزعيم المتشددين الذين يسيطرون على الحي، ليقوم زعيم المتشددين الغازين بدوره بعد أن ملأه ذلك الغناء غيظا بالرد عليهما من خلال مكبرات صوته بالوعيد و الثبور و عظائم الأمور و بقنبلة ألقاها رجاله على الساتر الذي يحتمي به أهل الحي.
كان الفيلم تجسيدا للصراع بين طاقة الحياة و الحب و الفن و بين طاقة السخط و التدمير، و كل ذلك في ميدان حمص المدمرة حيث اةحد ساعتها الأثرية التي تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي و تشبه الساعات الموجودة في محطات القطارات القديمة في المانيا و فرنسا.
هناك تياران في السينما و الدراما السورية احدهما يفضل عدم أخذ مشاهد للدمار الذي حل بأكثر من من مدينة سورية على اعتبار أن التركيز على إرادة الحياة و النهوض أولى من توثيق الدمار، كما يوجد تيار آخر يرى ضرورة توثيق ما حل من دمار في سوريا لأن للسينما وظيفة ثوثيقية فكما يقال: إن الصورة لاتكذب كما انه يتوجب علينا و من خلال السينما تحديد سبيلنا للنهوض و البناء.
و من الأعمال الدرامية السورية التي وثقت للدمار الذي الذي حل بريف دمشق مسلسل الندم للكاتب المعروف حسن سامي يوسف المولود في العام 1945 في قرية طبريا الفلسطينية و الذي عاش في سوريا و تخرج في المعهد العالي للسينما في موسكو(كلية السيناريو) و الذي عمل رئيسا لدائرة النصوص في المؤسسة العامة للسينما، و من روايته المسماة عتبة الألم قام بكتابة ذلك السيناريو التلفزيوني الرائع الذي رأى النور في رمضان من العام 2016 حيث يحكي ذلك المسلسل قصة مجموعة من الإخوة بدأ الخلاف التناحر فيما بينهم غم كون والدهم على قيد الحياة، و من ثم و بعد وفاته تتأجج الخلافات فيما بينهم، فمنهم من فضل الهروب من المشهد بالسفر للخارج و آخر فضل الاستئثار بأملاك والده و حرمان بقية اخوته، بينما يفضل البطل عروة الذي يحترف الكتابة للتلفزيون الهروب من المشهد لكن داخل دمشق من خلال عيشه في عزلة في شقة يمارس بها الكتابة و العيش على هامش المجتمع، و النتيحة أن جميع الاخوة خسروا بيت العائلة الذي ولدوا و ترعرعوا فيه، و من كان في الخارج عاد ليقف أمام بيت العائلة المظلم و لا يقوى على دخوله في رمزية لها دلالاتها.
و في الختام نرى أن للسينما دورها في صياغة الوجدان و الرقي بالعقل الجمعي للأمة و أن للسنما السورية دورها في رفع الروح المعنوية التي صاغت النصر إلى جانب الجهد العسكري.
سامر ابو شندي
محام و روائي /الأردن

قد يعجبك ايضا