هل حقا يحب نتنياهو بلاده؟

 

في منتصف الثمانينيات، وفي نهاية الحرب الباردة، نشر المغني ستينغ أغنية «روس» التي كانت في أحد ألبوماته المعروفة، هذه الأغنية انتقدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على العداء المتبادل بينهما. لكن يتم تذكرها بالأساس بسبب السطر الهجومي الذي جاء فيه «آمل أن الروس أيضاً يحبون أولادهم». إذا كان الروس يحبون أولادهم فربما سيتم منع حرب نووية.
المقارنة مع بنيامين نتنياهو محددة بالسطر الهجومي المذكور: إذا كان نتنياهو يحب إسرائيل ويهتم بمستقبل أولادها أكثر من مستقبله، لكان أعلن الآن عدم التنافس في هذه المرة على رئاسة الحكومة. ليس كدليل على الضعف، وليس كخطوة استسلام لمؤامرة اليسار التي يحذر منها، وربما يؤمن بوجودها أيضاً، بل كمحب حقيقي ووطني نموذجي، وضع مصالح دولته فوق مصالحه.
من يحب دولته لا يفرض عليها انتخابات هزلية، وفي مركزها قضاياه الجنائية، ولا يرسل مبعوثيه من أجل إطلاق الشتائم لمؤسساتها، ولا يفرض على مؤيديه إنقاذه من أنياب القانون، ولا يجر الجمهور الإسرائيلي للقيام بالحسم بين سلطة القانون وعبادة الشخصية، وبين الديمقراطية وفساد الحكومة المستشري. المحب الحقيقي كان سيطأطئ رأسه ويوافق على الحكم ويكرس نفسه لإثبات براءته ويعفي الدولة من عقابه، على الأقل حتى مرور العاصفة. يبدو أن نتنياهو يحب دولته ومناظرها، ولغتها، حتى لو كان ذلك بدرجة ثانية، وثلث سكانها بدرجة أولى، إذا خصمنا الفلسطينيين والعرب واليساريين والمراسلين والمدعين العامين وكل من يرفض تأدية التحية لفخامته. نتنياهو بالتأكيد يؤمن بأنه يحب دولة إسرائيل، لكن هذا نظرياً فقط. ولايته الأخيرة والمسمومة أظهرت كراهيته الأساسية لجذور الدولة ونظام حكمها، رغم أنها هي التي أوصلته إلى ما وصل إليه. إذاً ما هي أسس الديمقراطية الإسرائيلية وتعبيراتها الواضحة على استقلالية إسرائيل وممثلوها الموالون للدولة الرسمية التي صمم دافيد بن غوريون على غرسها فيها؟ ذلك الرئيس الذي يمقته نتنياهو ومحكمة العدل العليا التي يشل نتنياهو عملها، ورئيس الأركان الذي تخلى عن نتنياهو لصالح اليئور ازاريا، والثقافة الإسرائيلية التي تخلى عنها ووضعها في أيدي ميري ريغف، وحرية التعبير التي يعمل على تقليصها، والتعايش الذي سحقه من خلال قانون القومية، والتعليم العالي الذي أصبح طابوراً خامساً، والإعلام الحر الذي تحول إلى عدو الشعب، وفوق كل ذلك، سلطة القانون التي هي أساس وجود الجمهورية الإسرائيلية الجديدة التي قام نتنياهو بتفكيكها من أجل التخلص من عقوبته.
رئيس حكومة يقول إن الشرطة والنيابة العامة والمستشار القانوني للحكومة يقومون بحياكة قضية ضده، ويخترعون الأدلة ويديرون ضده مطاردة ساحرات، ما يضعضع ثقة الجمهور بجهاز تطبيق القانون، ويخرب إمكانية العيش معاً. رئيس حكومة مستعد لتلويث العملية الديمقراطية بشؤونه الشخصية والجنائية، ويدفع جمهوره لحل نير الملكية، ويضر أسس النظام ويخرق قسم «الدفاع عن دولة إسرائيل ودستورها».
رئيس حكومة يتصرف بهذا الشكل تجاوز منذ زمن مرحلة «الدولة هي أنا». الخيار الشديد المتوحش والمجزأ الذي يطرحه على الناخب الآن هو «إما الدولة وإما أنا». افتراض البراءة الجنائية لنتنياهو موجود، لكن في سابقة تقررت في محكمة سليمان، فإن إدانته موجودة بالفعل: الأم التي تنازلت عن أمومتها من أجل أن يعيش طفلها، أظهرت أنها تحبه. والأم التي كانت مستعدة لقطعه إلى قسمين فقط من أجل أن تبقى صفة الأمومة لها، كشفت أن حبها هو لنفسها فقط.

حيمي شليف
هآرتس 23/1/2019

قد يعجبك ايضا