“الكلاب الضالة” هي الحل!
سليم عزوز
يا إلهي، فما زال موضوع الكلاب الضالة في شوارع القاهرة، صالح للنشر وقضية للهروب الآمن، لأي صحافي يخشى بطش السلطة.
وقد عاصرت هذا في بداية حياتي الصحافية، وها أنا ذا على أبواب التقاعد الوظيفي وهو يُطرح للنقاش، ولا أعرف بداية التطرق إعلاميا له قبل مرحلة عملي بالصحافة!
فقبل ثلاثين سنة، كانت الصحف تهرب من التضييق على الصحافة، بهذا الموضوع: “الكلاب الضالة في شوارع القاهرة”، وقد نشرته جريدة “الأحرار” مثلاً، عندما جاءها رئيس تحرير، أراد التخفيف من حدة المعارضة، التي اشتهر بها رئيس التحرير “المعزول”، وها هي “لميس الحديدي” تهرب إلى الموضوع ذاته: “الكلاب الضالة”، في اطلالتها الجديدة عبر قناة “العربية الحدث”، وهي عودة إلى التقديم التلفزيوني، لم يهتم بها أحد، فقد انتهت لميس، كما انتهت منى الشاذلي، تماما، كما انتهى توفيق عكاشة، رغم أنه يقدم برنامجاً على قناة “الحياة” – لا أعرف إن كان يومياً أو أسبوعياً – فأشاهد بعض المقاطع له عبر “الفيسبوك” فقط، وقد فقد روحه، وصار يحاول تقليد نفسه، فاته أن البيئة نفسها تغيرت، ولم تعد كما كانت قبل ست سنوات!
لقد روجت لميس الحديدي لعودتها للشاشة، عبر القناة السعودية “العربية الحدث”، لكن الدنيا تغيرت، وكان من الأفضل لها أن تعتزل، فربما تغيرت الأجواء في المستقبل، فسيكون مفيداً لها أن تظهر على أنها من ضحايا العهد البائد، ولديها دليل في حال استمرار الغياب، لم يكن في يد بعلها عندما أراد أن يقوم بدور الضحية لنظام مبارك، الأمر الذي تحول إلى مادة للسخرية والتهكم!
لكنه سحر الكاميرا، والعائد المادي الكبير الذي حُرمت منه بعد إنهاء تعاقدها مع قناة “سي بي سي”، فقبلت عرض “الحدث”، والقناة ميتة، وربما رأت في الاستعانة باسم “لميس الحديدي”، ما يجذب الناس لها، وربما لأن أهل الحكم في السعودية والإمارات، رأوا مواجهة التضييق على حضورهم الإعلامي في مصر، فكان قرارهم الاهتمام بقنواتهم، التي يملكونها ملكية مباشرة، وإعادة تدوير من يخصهم من الإعلاميين المصريين، كما فعل السعوديون بالتعاقد مع عمرو أديب في “أم بي سي مصر”.
فلم تكن عملية نزول الأجهزة الأمنية بكل ثقلها لسوق الاعلام للاستحواذ على القنوات التلفزيونية مقصورا على تلك المملوكة لأفراد وتجريدهم منها، كما في حالة نجيب ساويرس وقناة “أون تي في”، لكنهم أغاروا على وسائل إعلام مملوكة في الواقع للإمارات، وإن كانت الملكية على الورق لمصريين، وتعد قناة “الحياة” هي النموذج الصارخ على ذلك!
فالسيسي، الذي يشك في أصابع يده – سنة الله في الذين خانوا من قبل – لا يثق في أحد، ولو كان ممن ناصروا انقلابه، ودعموه بالأموال والمساعدات، ولأنه يدرك أنه ليس خيارهم الاستراتيجي، فلم يستثنهم من عمليات التجريد والاستحواذ، وإن بقيت لهم بعض “الجيوب الإعلامية”، التي تلعب بعيداً عن العين!
ينسف حمامه القديم
لقد أحيلت لميس الحديدي للتقاعد، ضمن سياسة توقعتها مبكراً، وكتبت عنها كثيراً، وهي أن السيسي “سينسف حمامه القديم”، لا سيما وأن بعض الإعلاميين يتعاملون على أنهم شركاء في الحكم؛ فقد حملوا قلوبهم على أيديهم وهم يخوضون حربا معلنة ضد الإخوان والرئيس محمد مرسي، وكانوا أكثر وضوحا منه في المهمة، وبعضهم ألمح لهذا، ومنهم من يقوله في جلساته الخاصة، وكان عكاشة هو الأكثر وضوحاً، فلأنه من جاء بالسيسي فقد رأى أن يقاسمه الحكم، فإذا أصبح هو الرئيس فيجب أن تكون رئاسة البرلمان له، فدفع الثمن، لكنه على الأقل هو أحسن حالاً من وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند، الذي تم عزله وصدر الأمر له بأن يلزم بيته، ويختفي عن أي حضور إعلامي، فمات بالحياة، وقد يستدعيه السيسي الآن بعد أن تعلم الدرس وأيقن أن العين لا تعلو على الحاجب. تماماً كما جرى تغييب وزير الدفاع السابق (الشريك متضامن في الانقلاب العسكري)، واستدعاه بعد تغييب في لقاءين، أحدهما كان قبل أيام، وعامة فهذا الاستدعاء، بعد الشائعات التي تحدثت عن أنه قد يقود انقلاباً، وقلت إنه أضعف من أن يفعل، فموضوع الانقلاب على الرئيس محمد مرسي استثناء يُحفظ ولا يقاس عليه!
لقد نُقل عن المستشار الزند، كلاما في الجلسات الخاصة، كالذي قاله عكاشة على الهواء مباشرة، فكان لا بد وأن يرى برهان ربه، فالسيسي ليس هو محمد مرسي، الذي كان يتحرش الزند به، وهو آمن من العقوبة!
ليست لميس وحدها، من أحيلت للتقاعد، فكل الطاقم القديم، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ومن ينتظر هما أحمد موسى وتامر أمين، أما عودة عمرو أديب فكانت عبر “الأبواب الخلفية”، بعد اقالته من “أون تي في”، أما توفيق عكاشة فموت في الحياة، وماذا بقي منه بعد فقده للقب “الدكتور”، وثبت أن الجامعة التي حصل منها على درجة الدكتوراه، “مقلاة لب”، وفوق هذا أنها لم تمنحه الشهادة، أو حتى “قرطاس حمص”. وماذا بقي منه، وقد فقد جارته بالجنب خالدة الذكر الإعلامية الكبيرة الأستاذة حياة الدرديري؟
لقد خسر الجلد والسقط بخسارة اللقب العلمي والجارة بالجنب، وأيضاً بإغلاق قناته “الفراعين”.
وكما عاد عمرو أديب من الأبواب الخلفية بعد تعاقده مع رجل المملكة العربية السعودية الأول تركي آل الشيخ، فقد عادت لميس الحديدي إلى الشاشة عبر قناة “الحدث”، لكن لا لميس ما زالت لميس، ولا القناة الخليجية هي “سي بي سي”، ولا الزمن هو الزمن، فكانت عودة باهتة، لتحدي الملل، ولمحاولة البقاء على قيد الحياة مع موتها إكلينيكيا.
الصوت الحر
لقد عادت لتناقش ظاهرة “الكلاب الضالة” في شوارع القاهرة، وهو نقد في حدود رؤساء الأحياء، ولا يتجاوزهم إلى سيادة الوزير المحافظ، وإن حاولت التخفيف من حدة النقد، باستحضار روح الدعابة، عندما قالت إنها تخشى من السير في الشارع خوفا من أن يعضها كلب!
والسؤال هنا، ماذا لو أن قناة الجزيرة ناقشت ظاهرة الكلاب الضالة، بالشكل الذي فعلته “لميس”؟ فمن المؤكد أنها كانت ستتعرض لهجوم حاد، واتهام قطر بمحاولة ضرب السياحة في مصر، وضرب الاستثمار الأجنبي، عندما تقول إن الكلاب الضالة صارت ظاهرة في شوارع القاهرة، وأن هناك من يخشون السير في الشوارع، خوفاً من اعتداء الكلاب عليهم؟!
تجاهل ما قالته لميس، ليس فقط لأن حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط، ولكن لأنه لا أحد في المحروسة يتربص بـ “الحدث”، أو يستطيع، أو مشغول بعودة لميس الحديدي للشاشة من جديد!
وعلى العموم، لقد استلهمت لميس تجربة منى الشاذلي، التي كانت الأذكى، فقد أيقنت مبكراً أن مهمتها كصاحبة برنامج سياسي انتهت، لأن أيام الثورة كانت كاشفة لحقيقتها، وهناك من روجوا لها باعتبارها الصوت الحر في الإعلام المصري، فإذا بها تبكي على مبارك، فخسرت الثوار وخسرت دولة مبارك، فعادت للشاشة ببرنامج منوعات للتسلية، منزوع الروح، ولم تستطع حتى منافسة برنامج “صاحبة السعادة” لإسعاد يونس!
وقد جربت لميس في السابق هذا النوعية من البرامج، وكانت تخصص بعض الحلقات للهروب من السياسية، لكن دور الزعيمة السياسية كان يجذبها لحتفها، وتصورت في وقت من الأوقات أنها تستطيع أن تقوم بنقد النظام أو أحد أطرافه وهي في مأمن، تماما كما اعتقد إبراهيم عيسى أنه يمكن أن يمارس النقد الآمن بالهجوم على رئيس البرلمان، باعتباره أضعف حلقة في الحكم، وكان القرار هو العزل، ليعود إبراهيم من الباب الخلفي أيضاً عبر قناة “الحرة”، لكنه في هذه المرة، أكثر إيمانا من أن الهجوم على الإمام البخاري أسلم من الهجوم على زعيم الأمة علي عبد العال، رئيس مجلس النواب!
وسبقهما لذلك باسم يوسف، الذي صور له شيطانه، أنه يستطيع أن يتكلم بنصف لسان، فتم حمله على الهروب للخارج، فلم يستطع العودة للمشاركة في تشييع جثمان والده، ولم يكن وحده، الذي هرب للخارج، فالمذيع المنحاز للسيسي وانقلابه من أول يوم تامر عبد المنعم هرب إلى دبي، تماماً كما هرب المخرج المعتمد لدى الانقلاب العسكري خالد يوسف إلى باريس، رغم أنه قال إنه سيعود للقاهرة بعد شهر، لكن طال الغياب، مع أنه نائب في البرلمان وله دائرة يمثلها وناخبون انتخبوه من حقهم عليه أن يكون بينهم، لكنه حكم العسكر، في أسوأ طبعة عرفتها الانقلابات العسكرية.
بعد موضوع “الكلاب الضالة”، في انتظار حلقة عن “التوك توك”، وأخرى عن الحمام الذي لا يحلو له التبول إلا أعلى برج القاهرة.
وعلى لميس، وكل لميس، الترحم على زمن الديمقراطية، الذي كانت فيه تهاجم رئيس الدولة رأسا برأس، فيكون قوله: أنا في سن والدك!
كأن عبد الفتاح السيسي جاء لينتقم من كل من أهانوا الرئيس محمد مرسي.
السيسي إخوان!!
أرض – جو
قامت ليليان داود، بفضح رجل الأعمال نجيب ساويرس، صاحب قناة “أون تي في” سابقاً، لأنه تخلى عنها ولم يقف بجانبها وأجهزة الأمن تفترسها.
حسناً، دعك من نجيب، وكلمينا عن أسباب التحول الأمني في الموقف منك!
صحافي من مصر