الآثار القانونية المترتبة على إلغاء قانون الأسرى والشهداء
بقلم: المحامي. د. تيسير فتوح حجه …..
الأمين العام
لحركة عداله.
يُشكّل قانون الأسرى والشهداء أحد الأعمدة القانونية والأخلاقية التي قامت عليها المنظومة الوطنية الفلسطينية، بوصفه تعبيرًا عن التزام الدولة والمجتمع تجاه من قدّموا حريتهم أو أرواحهم دفاعًا عن الحرية والكرامة الوطنية. وعليه، فإن أي توجه لإلغاء هذا القانون أو تفريغه من مضمونه لا يُعد مسألة إجرائية أو مالية فحسب، بل قرارًا ذا آثار قانونية ودستورية واجتماعية عميقة تمس جوهر العقد الاجتماعي الفلسطيني.
أولًا: المساس بمبدأ المشروعية الدستورية
إن إلغاء قانون الأسرى والشهداء يصطدم مباشرة بمبادئ دستورية راسخة، في مقدمتها مبدأ حماية الحقوق المكتسبة وعدم جواز الرجعية في القوانين التي تمس الحقوق الاجتماعية. فالأسرى وذوو الشهداء اكتسبوا حقوقهم بموجب نصوص قانونية نافذة، وأي إلغاء دون بدائل قانونية مكافئة يُعد إخلالًا بمبدأ الأمن القانوني، ويفتح الباب للطعن بعدم الدستورية.
ثانيًا: الإخلال بالالتزامات القانونية للدولة
الدولة، بمؤسساتها المختلفة، تتحمل التزامات قانونية تجاه فئات محددة نتيجة أفعال ترتبت عليها أضرار جسيمة. والأسرى والشهداء هم نتاج مباشر لحالة صراع واحتلال معترف بها دوليًا. إلغاء القانون يُعرّض الدولة لمسؤولية قانونية داخلية، ويقوّض مبدأ الرعاية الاجتماعية كواجب سيادي لا كمنّة سياسية.
ثالثًا: تعارض الإلغاء مع قواعد القانون الدولي
يقرّ القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف، بحقوق الأسرى والمعتقلين وضحايا النزاعات المسلحة. إن إلغاء الإطار القانوني الوطني الذي يحمي هذه الفئات يُضعف الموقف القانوني الفلسطيني أمام المحافل الدولية، ويُقدّم ذريعة للطرف المعتدي للتنصل من مسؤولياته، بدل تعزيز آليات المساءلة الدولية.
رابعًا: الآثار الاجتماعية والقضائية
قانون الأسرى والشهداء ليس نصًا قانونيًا مجردًا، بل شبكة أمان اجتماعي. إلغاؤه سيُنتج موجة واسعة من النزاعات القضائية، ويُثقل كاهل المحاكم بدعاوى التعويض والحقوق، فضلًا عن آثاره الاجتماعية الخطيرة على الاستقرار الأسري والسلم الأهلي، وما قد ينجم عن ذلك من احتقان وفقدان الثقة بالمؤسسات.
خامسًا: موقف حركة عداله
تؤكد حركة عداله، انطلاقًا من مرجعيتها القانونية والوطنية، رفضها القاطع لأي مساس بقانون الأسرى والشهداء، وتعتبر أن الإصلاح – إن كان مطلوبًا – يجب أن يكون عبر تطوير آليات التنفيذ والحوكمة والعدالة الاجتماعية، لا عبر الإلغاء أو التفريغ. وتدعو الحركة إلى حوار وطني قانوني شامل، يوازن بين الالتزامات الوطنية والضغوط السياسية، دون التفريط بالحقوق أو التنازل عن الثوابت.
إن إلغاء قانون الأسرى والشهداء ليس حلًا لأزمة مالية أو سياسية عابرة، بل مدخل لأزمة قانونية وأخلاقية ممتدة. المطلوب اليوم هو تحصين هذا القانون، وتطويره بما ينسجم مع مبادئ العدالة والشفافية، مع الحفاظ على جوهره كالتزام وطني وقانوني تجاه من دفعوا أثمان الحرية. فالدول تُقاس بوفائها لضحاياها، لا بتخلّيها عنهم.
الكاتب من فلسطين