اللبنانيون يتهافتون لشراء الأغذية واللوازم المنزلية خشيةً انقطاعها مع استمرار تفاقم الأوضاع الاقتصادية

 

وهج 24 : في أحد المتاجر الكبرى في بيروت تضع سناء أكياساً من الفاصولياء فوق كومةٍ من المواد الغذائية الأخرى في عربتها، على غرار آخرين توافدوا لشراء الحاجيات الأساسية، خشيةً من انقطاعها أو استباقاً لارتفاع حاد في أسعارها، مع استمرار تفاقم الأوضاع الاقتصادية، في خضمّ موجة احتجاجات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية في لبنان.
وتقول سناء، المرأة الأربعينية التي فضلت إعطاء اسم مستعار لأنها موظّفة حكومية «لا أذكر أننا قمنا بالتمون بهذه الطريقة من قبل (…) نحن مخنوقون، نتموّن تحسباً للأيام المقبلة والمرحلة الضبابية التي تنتظرنا».
ويتهافت المستهلكون على برادات اللحوم والأجبان وقسم الخضار والفاكهة، ويملأون الممرات المخصصة للحبوب والمعلبات، فيما تخلو ممرات أخرى للكماليات مثل المشروبات الكحولية والحلويات من الزبائن.
وتضيف سناء، التي كان ولداها يلعبان حولها في ممرات المتجر ويناديانها بين الحين والآخر «في السابق كنت كل ما آتي إلى السوبرماركت، أقول لأولادي: اشتروا ما تريدون، أما الآن فممنوع عليهم سوى اختيار شيء واحد فقط لأنني أريد أن أشتري المواد الغذائية فقط».

البداية مطالب معيشية

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حراكاً شعبياً غير مسبوق مطالباً برحيل الطبقة السياسية، رغم أنه بدأ على خلفية مطالب معيشية. وقد تسبب ذلك بشلل في البلاد شمل إغلاق المصارف لأسبوعين. وبعد إعادة فتحها تبين أن أزمة السيولة، التي بدأت قبل التحرك الشعبي وكانت من الأسباب التي أغضبت اللبنانيين، باتت أكثر حدّة. وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين من الزمن ظهرت خلال الصيف سوق صرف موازية يُباع الدولار فيها أحيانا بقيمة تصل إلى 1800 ليرة، فيما لا يزال السعر الرسمي لليرة ثابتاً عند 1507.
واتخذت المصارف اللبنانية إجراءات للحدّ من بيع الدولار وفرضت خلال الأسبوع الماضي قيوداً إضافية بعد توقف دام أسبوعين جراء الاحتجاجات الشعبية. ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار، وهي عملة معتمدة في التداول في لبنان، من الصراف الآلي، بينما يطلب منهم تسديد بعض مدفوعاتهم من قروض وفواتير بالدولار.
وتسبب كل ذلك بموجة هلع. وتدفق عدد كبير من اللبنانيين على المتاجر الغذائية خلال اليومين الماضيين، في وقت حذّرت محطات الوقود من انتهاء مخزون البنزين لديها.
وأعلن نقيب المستشفيات أن مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية الحالي يكفي شهراً واحداً فقط، نتيجة الإجراءات المشددة التي اتخذتها المصارف اللبنانية للحدّ من بيع الدولار الضروري للشراء من المستوردين. على الرغم من أن بعض الزبائن قالوا أنهم لا يشعرون بأي خوف ويشترون حاجياتهم بشكل طبيعي، فقد أكَّدت غيرين سيف، مسؤولة صالة المواد الغذائية في مؤسسة تجارية في محلّة فرن الشباك شرق العاصمة، أن «الحركة أكثر من العادة وتشبه أيام الأعياد» من حيث الزحمة.
وتضيف «هذا كله بسبب الخوف من انقطاع المواد الأساسية. يشتري الناس الخبز والطحين والسكر والحبوب والمعلبات والمستلزمات المنزلية مثل المحارم، ويستغنون عن كل ما يعدّ كماليات».

محاولات طمأنة

وتسبب الحراك الشعبي باستقالة الحكومة، لكن لم يبدأ رئيس الجمهورية ميشال عون باستشارات جديدة لبدء تشكيل حكومة جديدة. ومن الواضح ان الطبقة الحاكمة تسعى إلى إنقاذ مكتسباتها والاحتفاظ بمواقعها، بينما يتمسك المحتجون بالمطالبة بحكومة مستقلة. وبالتالي لا مؤشرات بعد على خطوات تؤدي إلى حلول.
وحاول المسؤولون طمأنة مخاوف الناس. فقد عقد عون ومسؤولون ماليون ومصرفيون بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اجتماعاً أعلنوا على إثره أن «لا داعي للهلع» مؤكدين اتخاذهم تدابير لتيسير أمور المودعين المالية.
وإزاء البلبلة التي خلقتها السوق الموازية، يخشى اللبنانيون ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية. وتقول سناء إن «أسعار الفول والأرز والفاصولياء تضاعفت والزحمة عليها بشكل أساسي».
ويوضح زهير برو، رئيس جمعية المستهلك غير الحكومية، ان التجار الكبار غير القادرين على الحصول على الدولارات من المصارف يبيعون بضائعهم للتجار الصغار بسعر الصرف الذي يناسبهم. ويضيف «البلد في مرحلة فوضى بالأسعار»، مشيراً إلى أن الارتفاع طال «العديد من المواد من البيض إلى اللحوم والأجبان والألبان، والخضار» بنسب مختلفة.
وقد وثّقت الجمعية، وفق شكاوى المواطنين التي تصلها، ارتفاعاً بنسبة 7% في أسعار اللحوم وأكثر من 25% في أسعار الخضار على سبيل المثال.
ومن خلف براد اللحوم في أحد المتاجر يقول الموظف فادي صليبي (39 عاماً) أثناء تقطيعه اللحم «في الأيام الأخيرة، بتنا نعمل من الثامنة صباحاً حتى العاشرة مساءً» من دون توقف.
ويصطفّ زبائن كثيرون، غالبيتهم من النساء، في قسم الخضار والفاكهة. وتأتي إحداهنّ بأكياسٍ مليئة لتضعها في عربتها الممتلئة. ولا تتيح الزحمة للعامل على الميزان التوقّف لحظة عن العمل.
وأمام صناديق الدفع، يقف المواطنون في طوابير طويلة. وتخرج امرأة بعربتين مليئتين من المتجر وتُفرّغهما بمساعدة عامل أجنبي، واحدة منها في صندوق سيارتها الذي تحول بذلك إلى مخزنٍ لعبوات المياه البلاستيكية، قبل أن تنقل باقي الأغراض إلى المقاعد الخلفية للسيارة.
ويقول أنطوان ديراني (63 عاماً) الذي ملأ عربته بمواد غذائية «نحن نعيش في صلب الأزمة»، مضيفاً «نتموّن اليوم ليكون لدينا احتياطات في المنزل». ويعود الرجل الذي غزا الشيب شعره بالذاكرة إلى سنوات الحرب الأهلية (1975-1990) متمنياً ألا تعود تلك الأيام، ويقول «أذكر تماماً كيف كنا نقف في الصفّ ونترجى البائعين للحصول على ربطة خبز فقط».

الكهرباء والاتصالات والبنوك أبرز الأسباب الاقتصادية لمعاناة اللبنانيين

بيروت – رويترز: يحتج اللبنانيون خارج مؤسسات حكومية فاشلة يرونها جزءا من نظام فاسد بأيدي النخبة الحاكمة، ويتظاهرون أيضا خارج البنوك التي يعتبرونها جزءا من المشكلة. ويتهم المحتجون القادة السياسيين باستغلال موارد الدولة لتحقيق مكاسب شخصية من خلال شبكات محاباة ومحسوبية تتغلغل في السياسة والأعمال.
وفيما يلي أبرز الأسباب الاقتصادية لمعاناة اللبنانيين:

• مؤسسة كهرباء لبنان:
يقع قطاع الكهرباء في قلب أزمة لبنان المالية، إذ يستنزف نحو ملياري دولار من أموال الدولة كل عام، بينما يعجز عن توفير الطاقة على مدار الساعة. وقال ضياء هوشر الذي يشتغل في مجال التوصيلات الكهربائية خلال مشاركته في احتجاج خارج مقر المؤسسة في بيروت «هذه واحدة من أبرز رموز الفساد. نحن ندفع فاتورتين واحدة للحكومة والأخرى للمُوِلِّدات الكهربائية». وأضاف «المسألة كلها حول تقسيم الكعكة بصفقات عن شبكات طاقة وصيانة المحطات وصفقات مشبوهة في العلن والخفاء…كل وزير يأتي يقدم وعودا ثم يذهب». وقد يستمر انقطاع الكهرباء لساعات يوميا. لهذا يعتمد الأفراد والشركات على ما يسمى «بمافيا المُوَلِّدات» الخاصة الذين تربطهم في الغالب صلات بالسياسيين ويفرضون رسوما ضخمة للحفاظ على التيار دون انقطاع.
وقال جاد شعبان، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في بيروت ان المنزل المتوسط يدفع ما بين 300 و400 دولار للكهرباء شهريا. ويعادل الحد الأدنى للأجور في لبنان 450 دولارا في الشهر.
وأضاف أنها إهانة لكثير من الناس باستمرارهم في دفع رسوم خدمات تعاني من الأعطال وتمويلهم للأحزاب ولرحلات الزعماء الفاسدين.
وتتحدث الحكومة منذ سنوات عن خطط لإصلاح القطاع، من بينها إقامة محطات كهرباء جديدة، وإصلاح الشبكة ووقف سرقة التيار. لكن اللبنانيين لم يروا تقدما ملموسا. وقالت الطالبة الجامعية ميا كوزا «يضطر الناس لاستجداء المزيد من حقوقهم…ساعات قليلة من الكهرباء في منازلهم. ينبغي أن تكون أحد أبسط الأمور. كفى إهانة».

• شركتا اتصالات الهواتف المحمولة:
وعند مقر شركة لاتصالات الهواتف المحمولة، شكا محتجون من أنهم يدفعون بعضا من أعلى فواتير الهواتف المحمولة في المنطقة.
وتوجد في لبنان شركتان فقط لتقديم الخدمة هما «ألفا» و»تَتش».
وقال رودي الحداد وهو طالب «تجني هاتان الشركتان الكثير من الأموال ولدينا بعضا من أعلى أسعار الاتصالات. لا يمكننا تحمل ذلك مجددا».
ونزل عمال للانضمام إلى المحتجين تعبيرا عن غضبهم من اعتزام الشركة تخفيض رواتبهم ومزاياهم، واتهموا الوزارة بمحاولة تقليص النفقات على حسابهم.
وأظهر تقرير نشر مؤخرا ان اللبنانيين ينفقون خمسة في المئة في المتوسط من دخولهم على خدمات الاتصالات، وذلك مقابل 1.4 في المئة في مصر و2.3 في المئة في الولايات المتحدة.
وقال شعبان ان الحكومة اللبنانية تعتمد على نموذج يصعب تحمله بفرض تعريفات مرتفعة لتمويل الإنفاق.
وكانت خطة جديدة لزيادة الإيرادات بفرض رسوم على المكالمات عبر تطبيق «واتساب» من أسباب اندلاع الاحتجاجات قبل أسابيع.
وطالبت لجنة برلمانية بفتح تحقيق في احتكار الشركتين لخدمات الاتصالات، مما أثار تساؤلات بشأن مناقصات زائفة وتبديد للمال العام. وقالت اللجنة إان تكاليف التشغيل قفزت 29 في المئة بين عامي 2017 و2018.
واستدعت النيابة آخر وزيرين للاتصالات لتقديم تفسيرات عن الانفاق داخل الوزارة.

• قطاع المصارف:
وخارج البنوك، شارك الناس في احتجاج ضد سياسات يقولون أنها تسببت في حرمان الأفراد العاديين من القروض مع ارتفاع معدلات الفائدة.
وقالت الطالبة فاطمة جابر (22 عاما) خلال مشاركتها في احتجاج أمام مصرف لبنان المركزي في بيروت «معدلات الفائدة مرتفعة للغاية ولا نقدر عليها».
وزادت الأمور سوءا بعدما نشرت صحيفة محلية مقتطفات من تقرير رسمي الشهر الماضي أشارت إلى أن لبنانيين بارزين استفادوا من قروض إسكان مدعومة.
وقال مسؤول لبناني طلب عدم ذكر اسمه ان كثيرا من مسؤولي الدولة استفادوا من مثل هذه القروض التي كانت مخصصة لمساعدة غير القادرين على شراء منازل.
وقالت فاطمة إن ذلك أحد أسباب نزولها إلى الشارع.
ويقول منتقدو المصارف أنها جنت أرباحا طائلة على الرغم من الركود، بينما يقول مصرفيون ان القطاع أكبر مصدر لإيرادات الضرائب بالقطاع الخاص.
وكانت الحكومة قد خططت لفرض ضريبة استثنائية على أرباح البنوك في إطار مجموعة من الإجراءات العاجلة.
ويرى المدافعون عن القطاع أنه أحد دعائم الاستقرار، ويقولون ان رفع أسعار الفائدة ناجم عن مساعي البنك المركزي لتعزيز الاستقرار المالي.
وخلال احتجاجه خارج المصرف المركزي في مدينة صيدا في الجنوب قال محمد يونس أنه يتخذ موقفا «ضد نهج مالي جعل الناس أكثر فقرا وجوعا».

المصدر : أ ف ب

قد يعجبك ايضا