عودة خدمة العلم خطوة مكلفة لكنها في الاتجاه الصحيح
د. ماجد الخواجا …
عاصرنا كثيرا من مبادرات ومشاريع سعت فيها الحكومات إلى العمل على الحد من البطالة بين الشباب الخريجين والعاطلين عن العمل، وكان آخرها مشروع سمي بخدمة وطن.
منذ عام 2000 بدأت مشاريع للتدريب على المهن المطلوبة لسوق العمل المحلي والتي عليها عزوف وعدم إقبال من طرف الشباب الأردني، فجاء المشروع الريادي تليه مشروع التدريب الوطني، وبرزت الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب عام 2007 كإطار تنفيذي لاستقطاب الشباب للتدريب والتشغيل في المهن الإنشائية، وتجدد الحديث عام 2008 عن عودة خدمة العلم حيث تم التحاق دفعة وحيدة لمدة قصيرة في معسكرات التدريب في شويعر، ولكن توقف الأمر عند الدفعة الأولى لأسباب ومعطيات يأتي في المقدمة منها الكلف المالية المترتبة على تنفيذ برنامج خدمة العلم.
وصولا إلى أعوام ما بعد الربيع العربي عندما ضغط الشارع مطالبا بتوفير فرص العمل للعاطلين عن العمل، فجاءت عديد من المشاريع المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص ومنها على سبيل المثال مشروع التدريب مع شركة الفوسفات والبوتاس والكهرباء والإسمنت وغيرها من المبادرات التي فرغت من مضمونها عند التنفيذ، حيث باتت أي فكرة لمشروع لا تعني أكثر من قيمة المكافأة الشهرية للملتحق فيها، ولو أردنا تتبع مخرجات كافة المبادرات والمشاريع فلن أستغرب إذا تبين لنا عدم تحقيق أي مؤشر فيما يتعلق بتشغيل الشباب الأردني بالرغم من التحاقه بهذه المشاريع.
ومع وضع خطة تنمية الموارد البشرية ( 16-25 ) فقد خرج عنها مشروع خدمة وطن الذي بكل المقاييس أثبت عدم جدواه وفشله الواضح نتيجة معطيات أعرفها من خلال عملي المباشر واطلاعي على كيفية تنفيذ البرنامج الذي أخذ شكلا هزيلا مقزما وأصبح مجرد وسيط غير كفؤ عندما تم الاستحواذ باسم التدريب والتشغيل في برنامج خدمة وطن على برامج تدريب تقوم عليها مؤسسة التدريب المهني والشركة الوطنية للتشغيل منذ سنوات عديدة.
في كل تلك المشاريع كانت الفكرة الطيبة نظريا تتمثل في ربط التدريب بالتشغيل، وفي تلبية احتياجات سوق العمل الحقيقية من المهن ، وفي الشراكة المتبادلة للمنفعة مع القطاع الخاص. لكن عند التنفيذ فلم نلمس تحقيق لأي من تلك الغايات، لم يربط التدريب بالتشغيل، لا تتوفر معرفة حقيقية بمتطلبات سوق العمل، لم تتم شراكة فعلية بين القطاع العام والخاص.
لقد انتهت كل تلك المشاريع بتقارير وعروض تقديمية زاهية مليئة بالأرقام الوهمية الكاذبة، خاصة في مجال التشغيل للشباب، وأصبح هم الحكومة الحصول على أية أرقام يتم تجييرها ضمن منجزاتها ومؤشراتها التي ألزمت نفسها بتحقيقها ضمن مدد زمنية محددة.
تجارب بائسة متكررة تعيدنا في كل مرة إلى المربع الأول من المحاولة، إلى أن وصلنا لما يدعى بهيئة تنمية المهارات المهنية التي أسميها بمثابة طبيخ الشحادين، لأنها في الحقيقة ليست إلا اجتزاء وقضم لمهام وصلاحيات وغايات الجهات المعنية بالتعليم والتدريب ضمن مستوياته المعرفية المختلفة الممتدة ما بين مؤسسة التدريب المهني ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ممثلة بصورة أدق بجامعة البلقاء التطبيقية والطفيلة التقنية. هذا الخليط العبيط غير المستند لأية ضوابط علمية واجتماعية وتعليمية المسمى بهيئة تنمية المهارات المهنية، والذي تبوأ وزير العمل سدة اتخاذ القرار فيها. بحيث تتداخل الصلاحيات بين الجهات المعنية، ودون تحقيق أي أثر إيجابي لمثل هذه التداخلات والتدخلات.
لقد تم قضم 70% من مهام مؤسسة التدريب المهني، وتم تهميش دورها والتنازل عن ممتلكاتها بذرائع واهية لا تستقيم عند قراءة الواقع.
كما تم الحد كثيرا من مهام الشركة الوطنية للتشغيل، حتى أنه لم يعد لأي من الجهتين صفة تمثيلية في مختلف المجالس القطاعية التي انبثقت عن قانون تنمية المهارات المهنية. فيما أصبح عضوا فاعلا في تلك المجالس أشخاص لا علاقة لهم بالتدريب أو التشغيل إلا في حال استمرار التمويل والمنح الأجنبية لهم. إضافة إلى محاولة التدخل في مهام وشؤون التعليم المهني في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، مع ملاحظة عدم وجود كفاءات تربوية وفنية وتدريبية يمكن لهيئة تنمية المهارات أن تقوم بكل تلك المهام الخليطة.
إن الحديث يطول عن الخليط العبيط والأرقام الوهمية والإنجازات غير المتحققة إلا في مخيلة القائمين والحالمين على التعليم والتدريب والتشغيل.
من هنا فإنني أقف مع عودة خدمة العلم لكافة الشباب ضمن فئات عمرية محددة، على أن تناط المهمة بالكامل بالقوات المسلحة من حيث التدريب والتنفيذ، وأن لا يكون أي دور للجهات التي تم تجربتها في العقدين الماضيين وخاصة وزارة العمل. فلا يوجد مشروع واحد تستطيع الوزارة الدفاع عنه والزعم بأنه حقق الغايات المرجوة منه.
وللحديث تتمة