لماذا يفشل الإصلاح في بلادنا؟

 العميد المتقاعد باسم الحموري …..

 

يتساءل الكثيرون عن الإصلاح، الإصلاح بكل أنواعه: السياسي والاقتصادي والإداري، وأين وصلنا في تحقيقه؟ ويأتي هذا التساؤل (الطبيعي) في وقت تفاقمت فيه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، ثم جاءت جائحة كورونا لتجذب الاهتمام إلى كيفية محاربتها وتحمل تبعاتها، وتلفت الأنظار بعيداً عن كل فشل مؤسسي حدث قبلها أو خلالها، وتسبب بحدوث زلزلة في قطاع من قطاعات الدولة، وانكشافٍ لسوء الإدارة أو التخطيط فيه.
الكل يتحدث عن الإصلاح ويتغنى ويطالب فيه، الحكومة، الأحزاب، مؤسسات المجتمع المدني والمواطنين، ولكن في النهاية… لا شيء يتغير، والأوضاع من سيئة إلى أسوأ!!
وبالنظر إلى الفئات التي ينتمي إليها المطالبون بالإصلاح، نجد أنه يمكن تقسميهم على النحو الآتي: مطالبٌ بالإصلاح يعرف ما هو تماماً ولديه القدرة والسلطة الكافيتين للسير قدماً فيه ولكنه لايفعل، بل على العكس، يقف في الخفاء ضده لأن ذلك يتعارض مع مصالحه وتمتعه بامتيازاته (وهؤلاء كُثرُ)، ومطالبٌ بالإصلاح يعرف ما هو الإصلاح تماماً ويرغب بتحقيقه ولكنه لايفعل، لأنه لايمتلك القدرة المهنية ولا البرامج المناسبة والمدروسة لذلك، ومطالبٌ آخر بالإصلاح يعرف ما هو تماماً ويرغب بتحقيقه ولكنه لايفعل، لأنه ليس صاحب قرارٍ فعلي، وأضعف من أن يُظهر موقفه أمام مواقف الآخرين رغم تمتعه بالصلاحيات (وهؤلاء أيضاً كُثرُ)، والفئة الأخيرة والتي تنتمي إليها شريحة واسعة من أفراد الشعب تتضمن المُطالبين بالإصلاح لأنهم كانوا الضحية الأولى للفساد، ولكن لا حول ولا قوة لهم، ولا سلطة لهم على من يمسكون بزمام التحكم بتحقق الإصلاح من عدمه!!
وللحديث بشكل عام عن الأسباب التي تؤدي إلى عدم تحقق الإصلاح في دولتنا، يمكن القول بأن أول الأسباب وأكثرها بديهية هو غياب الديمقراطية “الفعـليـة” والممارسة الحقّة لها، فالديمقراطية تعتبر ركيزة أساسية للإصلاح السياسي، والذي بدوره يُعتبر ركيزة أساسية لأنواع الإصلاح الأخرى. والديمقراطية ليست مصطلحاً مجرداً يمكن إضافته لأي محتوى نظري فتتحقق، بل هي توجُّه وقناعة متجذرة وَتبَنيِّ وممارسة تبدأ من النشأة الأولى في المنزل ووسط العائلة، ثم تستمر في المدرسة والجامعة مع زملاء الدراسة والمدرسين، وتتواصل بمكان العمل مع الزملاء والرؤساء، أو بالتواصل المجتمعي مع الأفراد والمؤسسات بشكل عام. لذلك لا يكفي القول بأننا نتبنى الديمقراطية في دولتنا طالما أننا لا نتبناها في قناعاتنا وممارساتنا، ولا نجد القدوة الصالحة لدفعنا وتحفيزنا لعمل ذلك. إن مفهوم الديمقراطية مفهوم قديم في إرثنا وثقافتنا، ولا يمكن القول عنه بأنه مفهوم مستورد، فديننا أساسه الشورى واحترام الرأي والرأي الآخر، وقيمنا الموروثة وعاداتنا وتقاليدنا لم تخلُ يوماً من الأخذ برأي الجماعة والاستئناس برأيهم في الريف والبادية على حد سواء، إلا أن المتغيرات والأحداث التاريخية العظيمة التي ألّمت بأمتنا العربية جعلتنا أكثر ضعفاً، ودفعتنا للتخلى عن الكثير من أساسيات قيمنا وممارسات ديننا الحنيف، ونبدو الأكثر جهلاً وتخلفاً أمام الأمم الأخرى التي ساهمت في إيصالنا لما نحن فيه، ثم عادت لتُملي علينا ما كان في الأصل ملكنا، فصرنا الأمة المستهلكة الأولى لما تُصدره لنا هذه الدول من مفاهيم، ومنها مفهوم الديمقراطية، نرددها وندّعي تبنيها، لكننا في الحقيقة لا نتمثلها لأننا اعتدنا – أو تم تعويدنا – على أن نعيش بدونها.
وبالعودة للاصلاح السياسي، يمكن القول بأن الدور غير الفاعل لمؤسسات المجتمع المدني والتي يُفترض أنها الداعم الأكبر لإرساء قواعد الديمقراطية، أسهم بشكل كبير في عدم تحقق الإصلاح، فهذه المؤسسات بإمكانها صياغة ميثاق يُسهم في تحقيقه، كما سبق وصاغت الميثاق الوطني الصادر عام 1991م، الذي قيل أنه “وثيقة يُشكل الالتزامُ بها والعمل على هديها القاعدةَ السلمية للتعددية السياسية التي بها تستكمل الديمقراطية شروطها”.
وبذكر مؤسسات المجتمع المدني، لا بدّ من التطرق إلى الأحزاب السياسية كواحدة من أهم مؤسسات المجتمع المدني التي يُفترض بها أن تُسهم في الإصلاح، إلا أن هذه الأحزاب في الأردن لم تنجح في لعب دورٍ بارز يلفت النظر إلى أهميتها وضرورة وجودها، فبالرغم من الدعوات الكثيرة من جلالة الملك عبدالله الثاني لتعزيز هذا الدور، نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة، والتحول بالبرلمان الأردني الذي يمثل إرادة الشعب إلى برلمان حزبي، إلا أن شيئاً لم يتحقق من ذلك، بل الأسوأ من ذلك هو أن التمثيل الحزبي في البرلمان الجديد للعام 2020 انخفض عن سابقه!!
إن عوامل مثل كثرة الاحزاب السياسية (49 حزباً مرخصاً)، عدم توفر برامج تنفيذية خاصة بهذه الأحزاب، الضعف العام في أداء أعضائها، وعدم توفر التنسيق اللازم بينها لأداءٍ أكثر فاعلية، حيث تعتمد هذه الأحزاب على سياسة الحزب الواحد وليس لديها خطاب سياسي موحد يتم توجيهه لكافة افراد المجتمع والدولة. هذا أيضاً إلى جانب كون بعض الأحزاب لا زال يتأثر بهيمنة العشائرية في إدارته، ويمنحها الولاء المطلق.
وبالعودة إلى الشريحة الأوسع من المؤثرين والمتأثرين بتحقق الإصلاح، وهم المواطنين، نجد أنه لا زال لدى كثير منهم الولاء لأنفسهم ومصلحتهم أولا ومن ثم لعشيرتهم وأخيراً لوطنهم وأمتهم، وهذا من أكبر معيقات تحقق الإصلاح والذي يستدعي التزام الأفراد بقيم الولاء والانتماء للوطن والأمة قبل النفس والعشيرة لإنجاحه.
ويعتبر كلٌ من الترهل والفساد الإداري والمالي أيضاً من أهم وأبرز معيقات الإصلاح، فبالرغم من ظهور بعض الجهود التي تهدف الى محاربة هاتين الآفتين بين الحين والآخر، إلاّ أنهما تستمران بالاستشراء والاستحواذ على مقدرات هذا الوطن في مختلف المؤسسات وعلى مختلف الأصعدة، ولا تستثنيان…إلا من رحم ربي.
ويُعرّف الإصلاح الإداري بأنه “جهدٌ سياسي وإداري واقتصادي وثقافي، يهدف لإحداث تغييرات أساسية إيجابية في السلوك والنظم والعلاقات والأساليب والأدوات، تحقيقاً لتنمية قدرة وامكانيات الجهاز الإداري، بما يؤمِّن له درجةً عاليةً من الكفاءة والفعالية في إنجاز أهدافه”، ولو نظرنا إلى التفاصيل الكثيرة الواردة في هذا التعريف وسألنا أنفسنا: “أين تقف الأجهزة الإدارية في مؤسساتنا من هذا التعريف؟! سنجد أن الإجابة هي: بعيداً جداً، بلا شك!!
إن تحقيق الإصلاح الإداري لا يتحقق بين يوم وليلة، بل يتطلب بذل الكثير من الجهود وعلى أكثر من صعيد، على سبيل المثال: تحسين مستوى أداء الأجهزة الإدارية في المؤسسات ورفع نسبة انتاجيتها من خلال تطوير الخطط الاستراتيجية والتنفيذية المنبثقة عنها، وإحداث التنمية المهنية اللازمة للعاملين فيها، وتحسين نوعيه الخدمة التي يتم تقديمها للمواطنين، ومحاربة البيروقراطية أو التقليل من تأثيرها، وترشيد الانفاق الحكومي، وتبسيط الاجراءات الإدارية، وإعداد خطط المتابعة والتقييم وتنفيذ بنودها بكل شفافية، مع تفعيل أنظمة المساءلة حول جودة التنفيذ، وكل ذلك إلى جانب دعم توجهات الحكومة نحو اللامركزية.
ومن معيقات الإصلاح أيضاً الإعلام، فالإعلام يُفترض به أن يلعب دوراً أساسياً في عملية الإصلاح، حيث من خلاله يمكن التأثير على مختلف فئات المجتمع من خلال رسم الواقع والترويج والمناصرة للأفضل، مع بث الرسائل والبرامج والمسلسلات الهادفة التي تؤثر في الفكر والنظرة السلبيين تجاه التغيير والسعي للأفضل في مجال الإصلاح وتبني مبدأ الديمقراطية.
وفي النهاية… وكما قال الله تعالى في محكم كتابه “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ “. صدق الله العظيم
العميد المتقاعد باسم الحموري.

 

قد يعجبك ايضا