مقبرة الحياة
بقلم سوزان منصور ….
استيقظت ذات يوم لأجدها تقف على شرفة الغرفة غارقة بأفكارها التي كنت أجهلها فهي كانت متقلبة في ملامحها تارة تكون طفلة وتارة تكون رجل محارب أو أمرأة قوية تحمل داخلها مشاعر أم وأب لكن اليوم كانت مختلفة تماماً عما سبق لأول مرة أراها بهذا الوجه الذي عجزت عن تفسيره كانت تحمل بعينيها شفقة وحزن وألم وجوع ومشاعر مبعثرة تمتصها من تقاطع الشارع أمام منزلنا الجديد..
وقفت بجانبها أسرق نظراتها ولكنها كانت غارقة بين عيون المارة في الشارع فلم تنتبه لوجودي بجانبها..
حاولت كسر حاجز الصمت بيننا وقلت لها
صباح الخير
لم ترد علي هل كان صوتي غير مسموع ربما أصوات المارة والسيارات أحجبت صوتي عنها اقتربت منها ووضعت يدي حول خصرها وقبلتها على كتفها فابتعدت عني وكأنني كنت شرارة كهرباء ولمستها نظرت الي ورأيت بعينيها الدهشة وقالت آسفة لم انتبه أنه أنت..
وقفت لحظات أنظر بعينيها لعلي أرى ماكانت تراه لكنني عجزت عن تفسير نظراتها..
وبمحاولة ناجحة منها كسرت تلك اللحظة الصامتة وكأنها كانت تقرأ أفكاري فقالت هذا المكان يشبه المقبرة كثيراً فهو مليء بالجثث..
كلماتها أثارت دهشتي كثيراً وفضولي دفعني لاقترب أكثر من الدرابزين واسترق النظر إلى الشارع واتفحصه شبرا شبرا وبنبرة مازحة قلت لها إن المكان جديد عليك لابد أن كوابيسك أثرت عليكي اطمئني لايوجد لاجثث ولاشيء هنا المكان آمن والآن هيا تعالي سأعد لك افطار شهيا أم نسيتي أنني أجيد الطبخ
لكنني لم انجح بتغيير نظراتها الخانقة فاستدارت وقالت لي أنا لا أقصد بالجثث تلك التي في المقابر تحت التراب فهذه الحياة مقبرة أعظم بكثير من تلك..
كيف ذلك..؟
انظر إلى الناس كل منهم يمشي ولكن كل منهم هو جثة..جثة تسعى لتنال قسطاً من الحياة في هذا المكان لايوجد انسان فالحرب قضت عليه حتى كاد ينقرض ..وراء كل جثة تمشي في هذا الشارع هناك عالم كامل من الحزن والألم والتعب انظر إلى تلك الفتاة وإلى ذاك الرجل كل منهم يمشي ولكن لو أمعنت النظر في عيونهم سترى أنهم جثة على قيد الحياة ففي كل لحظة بهذا المكان فقدوا جزءا من هذه الحياة..