السودان: حظر تجوال في مدينة شمال دارفور بعد مهاجمة مخازن برنامج الغذاء العالمي
الشرق الأوسط نيوز : في وقت دعت لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين للمرة الثانية هذا الأسبوع لتظاهرات» مليونية» اليوم الخميس، تتجه نحو القصر الرئاسي وسط العاصمة الخرطوم لإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين، اعتدت مجموعات مسلحة أمس الأربعاء، على مخازن برنامج الغذاء العالمي في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، غربي السودان.
وأعلنت لجنة أمن ولاية شمال دارفور، الأربعاء حظر التجوال داخل مدينة الفاشر، من الساعة السادسة مساء وحتى الخامسة صباحا، ابتداء من الأربعاء وحتى إشعار آخر.
ويأتي حظر التجوال في الفاشر على خلفية اعتداء مجموعات، قالت حكومة الولاية إنها تابعة لميليشيات «عيسى المسيح» غير الموقعة على اتفاق السلام.
وحسب تصريحات صحافية لوالي ولاية شمال دارفور نمر محمد عبد الرحمن، هاجم مسلحون يستغلون 6 سيارات دفع رباعي مساء الثلاثاء، مخازن برنامج الغذاء العالمي، وقاموا بنهب مواد غذائية بعد اشتباكهم مع قوات تأمين المخازن.
وبيّن أن عشرات المواطنين تدافعوا بعد ذلك إلى مقر منظمة الغذاء العالمي عقب سماع أصوات الاشتباكات بين الطرفين، مشيرا إلى أن المواطنين قاموا بدخول المخازن عقب وقف الاشتباكات وانسحاب القوات، ونهبوا كميات كبيرة من الغذاء لم يتم حصرها حتى الآن.
وكانت مخازن برنامج الغذاء العالمي تحتوي على الحصص التموينية الشهرية لـ50 ألف نازح، حسب الصحافي المقيم في الفاشر، عبد الرحمن أدم، لافتا إلى أن اعتداءات المجموعات المسلحة المتفلتة في المنطقة ظلت مستمرة لأسبوع، وسط تخوف المواطنين من احتمال مهاجمة المسلحين سوق المدينة ونهب المحال التجارية وممتلكات المواطنين.
وأرجع تفلتات المسلحين الذين ينتمي معظمهم لحركات موقعة وغير موقعة على اتفاق السلام، إلى عدم وجود أي جهة توفر لهم التمويل أو الحصص التموينية، فضلا عن كونهم قوات غير منظمة بشكل كامل، محذرا من احتمال زيادة التفلتات في المدينة وما حولها وتمرد المسلحين بشكل كامل على قادتهم، الذي قد يقود إلى كارثة، على حد قوله.
وبيّن أن مقر برنامج الغذاء العالمي تم نهبه وحرقه وتفكيك المخازن نفسها وسرقة سقوفها.
وكانت مجموعات مسلحة اعتدت على مقر بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة المشتركة «يوناميد» في الفاشر، الجمعة الماضية، وحسب تعميم صحافي لحكومة الولاية آنذاك، تعرض المقر لعمليات نهب واعتداء وإطلاق الأعيرة النارية، مما أدى إلى مقتل مواطن.
وناشد حاكم اقليم دارفور، مني أركو مناوي الجمعة الماضية، الحركات المسلحات والقوات النظامية والمواطنين الذين قاموا بنهب المقر، إعادة ممتلكات البعثة الأممية.
كما أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان، ما تعرض له مقر البعثة من عنف ونهب، معربا عن قلقه على موظفي الأمم المتحدة الذين ما زالوا هناك، واصفا الأحداث بالمأساة.
وأنهى مجلس الأمن، في كانون الأول / ديسمبر الماضي، مهام يوناميد التي ظلت تعمل في إقليم دارفور لحوالى 13 عاما لأغراض حماية المدنيين في الاقليم، وقام بتكليف بعثة جديدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان «يونتاميس» بدأت مهامها في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وشهد اقليم دارفور نزاعا مسلحا استمر منذ عام 2003 حتى توقيع اتفاق سلام بين الحكومة وعدد من التنظيمات المعارضة والحركات المسلحة هناك، أكتوبر/ تشرين الأول 2020 إلا أن التوترات عادت للإقليم مرة أخرى، بسبب تأخر تنفيذ اتفاق السلام خاصة بند الترتيبات الأمنية الخاص بدمج وتسريح قوات الحركات في الجيش.
وزادت السيولة الأمنية في الإقليم، بعد انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من اكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي دعمته حركات ورفضته أخرى، إلا أنها لاحقا قررت المحافظة على حصصها في الحكومة، وعادت للشراكة مع قائد الجيش، باعتبارها أمرا واقعا.
وغادر آخر الموظفين في بعثة «يوناميد» الفاشر أمس إلى الخرطوم، في إطار انهاء مهام البعثة الأممية وحماية الموظفين المتبقين لإكمال مهام التسليم والتسلم مع حكومة الولاية.
وحمل المتحدث الرسمي باسم التنسيقية العام للنازحين واللاجئين، آدم رجال، الحكومة السودانية والحركات والميليشيات في إقليم دارفور بمختلف مسمياتها مسؤولية الانفلات الأمني الذي يحدث في دارفور، خاصة ما حدث مؤخرا في مقر بعثة اليوناميد ومقر برنامج الغذاء العالمي في مدينة الفاشر.
وزاد لـ«القدس العربي» أن مقرات «يوناميد» التي انسحبت منها، تم نهبها بطريقة منظمة في الفاشر، وكتم، وشنقل طوباي، طويلة، شمال دارفور والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، ونيالا عاصمة ولاية جنوب دارافور، وأيضا عاصمة وسط دارفور زالنجي.
وحذرت التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين، في بيان، أمس، من الأوضاع الأمنية المتردية في إقليم دارفور وما وصفته بالانفلات الأمني، بإيعاز من الدولة.
واتهمت القوات الأمنية السودانية وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة، بالتورط في عمليات الاعتداء والنهب التي تمت في مقرات بعثة «اليوناميد» وبرنامج الغذاء العالمي، مشير، إلى أن الحكومة تعمل على إجبار النازحين على تفكيك معسكراتهم بالقوة.
وقالت إن الأمم المتحدة أخطأت مرتين، مرة حينما سحبت قوات اليوناميد من دارفور، ومرة أخرى حينما سلمت مقرات البعثة للحكومة، مشيرة إلى أن الأجدر بها كان تسليم هذه المقرات وكالاتها لأجل تقديم الخدمات للمواطنين.
الدعوة لتحقيق فوري
وطالبت الأمم المتحدة، بالتدخل وإجراء تحقيق فوري، لتحقيق العدالة، كما طالبت مجلس الأمن الدولي ودول الترويكا، باتخاذ قرارات جدية وحاسمة لحماية النازحين والمدنيين العزل في إقليم دارفور، وإرسال قوة أممية فوراً تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لصنع السلام، حسب البيان.
ودعت التنسيقية أيضا المحكمة الجنائية الدولية، والمنظمات الإقليمية والدولية الحقوقية والإنسانية لمتابعة الوضع الأمني في دارفور بصورة لصيقة، مشيرة إلى أن إقليم دارفور بعد انسحاب «يوناميد» أصبح تحت رحمة ميليشيات الجنجويد.
دعوات لتظاهرات «مليونية» اليوم رفضا للانقلاب واتفاق البرهان وحمدوك
وأكدت على عجز الحكومة السودانية بصورة كاملة عن حماية النازحين والمدنيين، متهمة القوات الحكومة والميليشيات بمختلف مسمياتهم، خاصة الدعم السريع والحركات المسلحة التي وقعت اتفاقية السلام بتهديد أمن المواطنين السودانيين في إقليم دارفور.
وحسب ما قال الخبير الأمني، أمين مجذوب لـ«القدس العربي» عمليات النهب التي تمت لمقار برنامج الغذاء العالمي واليوناميد في الفاشر، نتاج للسيولة الأمنية في المنطقة، مؤكدا على ضرورة اكمال تشكيل القوات المشتركة لضبط الأمن هناك.
وبين أن تنفيذ الترتيبات الأمنية وتكوين القوات المشتركة يصطدم مباشرة بوجود الحركات المسلحة في دارفور سواء كانت موقعة او غير موقعة على اتفاق السلام.
«يأتون من ليبيا»
وأشار إلى دخول بعض المجموعات المسلحة إلى دارفور من ليبيا ومن مناطق اخرى، لافتا إلى أن تسلسل الأحداث في دارفور يعطي انطباعا بأن هناك برمجة لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وأضاف: هناك مجموعات أيضا خرجت من ليبيا من غير السودانيين ـ من دول الجوار الليبي ـ يرجح أنها دخلت إلى السودان وترتدي زي الحركات المسلحة والقوات النظامية وتشارك في إشعال الأوضاع في الأقليم.
وأكد على ضرورة الاعتراف بوجود أزمة أمنية في دارفور واتخاذ الإجراءات لإغلاق الحدود ومعالجة الأزمة مع دول الجوار نفسها سواء كان في ليبيا أو غيرها.
وشدد على ضرورة التواصل مع الجهات المختصة في ليبيا لمعالجة قضية المجموعات المسلحة هناك حتى لا تخرج وتتجه إلى دارفور خاصة وأن الحدود مفتوحة.
ولفت إلى أهمية التواصل مع المجتمع الدولي لإدخال المجموعات التي لم تدخل في اتفاق السلام والمجموعات الموجودة في ليبيا، مؤكدا على ضرورة إنزال الترتيبات الأمنية على الأرض حتى يتم توحيد القيادة وتوحيد القوات الموجودة في دارفور وأيضا جمع الأسلحة.
وحذر من انتقال التفلت في الفاشر لولايات أخرى حال لم يتم حسمه والذي قد يؤدي إلى إغراق البلاد في مزيد من الأزمات التي ستؤثر بشكل مباشر على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.
«الخطأ الفادح»
أما الصحافي والمحلل السياسي، حافظ كبير، فقال لـ«القدس العربي» إن «مجموعة من العوامل خلقت السيولة الأمنية في الإقليم، أهمها الخلافات بين الحركات المسلحة وضعف توفير المعينات اللوجستية لقواتها، فضلا عن توتر العلاقة بين والي الولاية وعدد من الحركات المسلحة التي تتمركز في مدينة الفاشر بشكل أساسي».
ولفت إلى «انسحاب الحكومة من مناطق عديدة في دارفور وتركها للحركات» واصفا ذلك بـ«الخطأ الفادح».
وأشار إلى «نزاع بين الحركات المسلحة للاستحواذ على مقر اليوناميد وأدواتها وسياراتها، خاصة وأن آخر موظفيها غادروا الفاشر» لافتا إلى أن «الحركات الموجودة هناك ليست لديها تجربة سياسية فضلا عن أنها قوات غير منظمة».
واعتبر أن «الحل في إقامة المصالحات المجتمعية وتأسيس مفوضيات للعدالة الاجتماعية» مؤكدا على أن أي» تحالف سياسي لن يصمد وسيخترق من القواعد المحلية إذا لم تتم المصالحات بشكل كامل».
في سياق آخر، دعت قوى سياسية، بينها «لجان المقاومة» و«تجمع المهنيين» إلى مظاهرات حاشدة في الخرطوم وبقية مدن البلاد، اليوم الخميس، رفضا للانقلاب وللاتفاق السياسي الموقع بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وللمطالبة بحكم مدني كامل.
أمريكا تنصح رعاياها
ونصحت الولايات المتحدة الأمريكية رعاياها بتجنب أماكن مظاهرات متوقع خروجها في السودان الخميس للمطالبة بحكم مدني كامل.
وقالت السفارة الأمريكية لدى الخرطوم، في بيان، إنه «من المتوقع تنظيم مظاهرات يوم 30 ديسمبر/ كانون الأول الجاري (الخميس) في الخرطوم وربما في ولايات أخرى، وصدرت تعليمات لموظفي السفارة للعمل من المنزل حيثما أمكن ذلك».
ودعت السفارة رعاياها إلى «تجنب السفر غير الضروري، وتجنب الحشود والمظاهرات وتوخي الحذر».
ومنذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشهد السودان احتجاجات رفضا لإجراءات اتخذها البرهان وتتضمن: إعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وعزل حمدوك، واعتقال قيادات حزبية ومسؤولين، وهو ما اعتبرته قوى سياسية ومدنية «انقلابا عسكريا» مقابل نفي من الجيش.
ووقع البرهان وحمدوك، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اتفاقا سياسيا تضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية) وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفين بالعمل سويا لاستكمال المسار الديمقراطي. لكن قوى سياسية ومدنية سودانية تعتبر هذا الاتفاق «محاولة لشرعنة الانقلاب» متعهدة بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق الحكم المدني الكامل خلال الفترة الانتقالية.
المصدر : القدس العربي