نخبة الأردن: «مساواة» في «التنكر» ورسائل غضب ينتجها «الموت»

الشرق الأوسط نيوز : الغضب في موقعه، لكنه على شكل رسالة «لمن يهمه الأمر» عندما يتعلق الأمر نفسه بذكرى تأبين زعيم سياسي راحل من وزن عبد الهادي المجالي، حيث التعبير عن الانزعاج والغضب بأكثر من لهجة ولغة محلية هذه المرة.

«تأبين المجالي» وتجاهل الراحل أبو عودة!

والغضب نفسه يمكن تلمسه بعد التقصير الشديد في تكريم المفكر السياسي الراحل أيضاً عدنان أبو عودة، دون نعي رسمي ومؤسسي يليق به وبمسيرته وسيرته، فيما يستذكر الجميع كيف حرصت الأطر القيادية في أجهزة القرار على إظهار رسائل تكريم لراحلين آخرين من طبقة رجال الدولة.
في الكرك جنوبي البلاد، وفي عمان وسط نخبة تتقدم برسالة فيها غضب واحد، لكن بلغة مختلفة، والقصة التي تتداولها صالونات السياسة هي تلك التي تقول بتقصير رسمي وسياسي وبيروقراطي كبير عند التعامل مع راحلين كبيرين، كانا من اللاعبين الرئيسيين طوال نصف القرن الماضي، مثل المفكر أبو عودة، وعميد السياسة في عائلة المجالي المعروفة المهندس الراحل عبد الهادي المجالي.
كلاهما- ونقصد أبو عودة والمجالي – تقلدا أرفع وأكبر المناصب في الماضي، ولهما بصمات في أركان الدولة وتثبيتها حتى عند الاختلاف معهما أو التخاصم بسببهما، والعنصر المشترك مؤخراً بفاصل عدة أشهر بين القطبين الراحلين هو الإشارة بالترميز والتلغيز إلى أن الموت أيضاً يمكنه أن يتسبب بغضب نخبوي أو شعبوي.
في الكرك، نظم حفل مهيب لتأبين الراحل المجالي بحضور مئات من شخصيات المحافظة ووجهائها، وتقصّد المنظمون القول بوضوح إن أبناء مدينتهم وعشيرتهم قرروا تكريم الراحل المعروف دون انتظار أي خطوة تكريمية من الحكومة أو مؤسساتها.
وفي عمان، رحل عن الدنيا قبل فترة قصيرة عدنان أبو عودة، ولاحظ الجميع كيف رحل المفكر السياسي المهم والزاهد أبو عودة بصمت ودون ضجيج، فيما أقيمت مراسم تشييع رسمية رفيعة لآخرين توفاهم الله.
يخشى سياسيون كبار من التوصل إلى الاستنتاج القائل بأن للدولة غضبها أيضاً، ويتم تنفيسه بالامتناع عن خطوات اجتماعية وتقليدية عند رحيل من لديهم وجهة نظر أو من صنفوا في قائمة عدم الامتثال في السنوات الأخيرة الماضية، بصرف النظر عن الدور والمناصب الرفيعة لمثل أبو عودة والمجالي وغيرهما.
قد لا يكون الاستنتاج منصفاً هنا، لكن كثيرين لاحظوا مستوى التقصير في المشاركة بتشييع جثمان المجالي وأبو عودة، ومستوى التقصير في المقابل بعد رحيل من يمكن وصفه بأبرز مفكر سياسي أردني خلال النصف الثاني من المئوية الأولى، مع أن الرجلين من أبرز وأهم أركان الحكم والدولة من «الرعيل الأول» في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال.
طبعاً، قد ينطوي التحدث عن تقصير الدولة أو تنكرها في الرحيل والموت لبعض أركانها بسبب تجاذبات أو خلافات سياسية على شطط، وإفراط في التكهن؛ لأن المسألة برمتها قد تكون نتجت فقط ودون تدبير أو تخطيط عن عيوب بيروقراطية لها علاقة بطاقم شاب تنقصه الخبرة ويدير الأمور في المؤسسات الكبيرة ليس أكثر ولا أقل، لا بل في بعض المفاصل رموز في الطاقم الشاب والمستجد والليبرالي تؤسس مجدها الوظيفي ليس على فكرة الإنجاز والولاء، بل على فكرة التناقض مع الماضي. وبالتالي، التناقض مع قطبين من حجم الراحلين المجالي وأبو عودة.
رغم ذلك، فالأهم أن مثل هذا القصور والتقصير ينتج عنه رسالة سلبية، حيث اعتاد الشعب الأردني بمكوناته وعشائره على تقاليد مرسومة للدولة في تكريم الراحلين من طبقة رجال الدولة. والأهم أيضاً بالتوازي، أن شعور أقرباء المجالي الراحل ورفاق أبو عودة الراحل أيضاً بوجوب تكريم الرجلين بصورة مستقلة عن بنية الدولة ومؤسساتها، مسألة تتطلب وتحتاج للتأمل والتعمق خلافاً لأنها تزيد من منسوب الاحتقان.
تزيد أيضاً من عدد الغاضبين والمحتقنين، أو من يسميهم رئيس الوزراء الأسبق المخضرم طاهر المصري، بـ»كاظمي الغيظ» وهو ما سمعته «القدس العربي» منه مرات عدة. يسأل خبراء ومراقبون بخبث: هل ما حصل مع رحيل أبو عودة والمجالي رسالة يفترض أن يفهم منها أن مسؤولي الحكومة هذه الأيام يعاقبون من اختلفوا معهم في الرأي ورفضوا الامتثال بمنع التكريم الرسمي في الموت؟
سؤال محرج للغاية اجتماعياً ووطنياً، وليس سياسياً؛ لأن الإجابة عليه بـ»نعم» تعني أن طريقة التفكير في السلطة والدولة تتغير، وتعني المجازفة بتقاليد مستقرة، أما الجواب عليه بصيغة «لا» فتعني الأكثر من حيث تدشين مرحلة تقرأ فيها تصرفات المسؤولين بنكاية وخارج النص.
بصرف النظر عن الإجابتين، ما يمكن قوله إن المجتمع يمكنه أن يرد على رسالة التجاهل والنكران الحكومية برسالة ينصف فيها من يعتبرهم من خدام الدولة في التأسيس والتثبيت والتكوين، فقد درج أبو عودة والمجالي على القول أمام «القدس العربي» بأنهما «أبناء دولة ونظام».
تلك -في كل حال- مساحة من العبث، والرسائل المضادة كان يمكن الاستغناء عنها لو انتبهت وتصرفت فلاتر الحكم والقرار كما ينبغي وكما اعتاد الناس.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا