روسـيا هل تنجح في فكـرة إقـامة نـظام عالمي جــديد ..؟
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات….
إن روسيا الموجودة دائما في الشرق الأوسط تريد عودة جديدة بناء على إرثها السوفياتي القوي في المنطقة ، لقد طرقت عدة دول أبواب موسكو في العقدين الماضيين لتشجيع روسيا على لعب دور في المشهد الدولي وملفاته الشرق أوسطية ، دور كان يلعبه الإتحاد السوفياتي لبضعة عقود ، ما خلق نوعا من التوازن في الشرق الأوسط وكابحا للإندفاع الأمريكي ومنعكساته الإنفرادية في المنطقة ، لقد كانت العاصمة الروسية موسكو في العقدين الماضيين منشغلة بهمومها ومشكالها الداخلية وإعادة ترتيب بيتها وأوراقها بعد غياب الشمس عن إمبراطوريتها السوفياتية ، ولم تنجح روسيا في السنوات الماضية في محاولتها ، كلما أعلنت نيتها في إستعراض عضلاتها إصطدمت بأحادية القطب الأمريكي الذي تشكل بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وتفكك ، فكان النفوذ الأمريكي يتقدم في الشرق الأوسط ومحيط روسيا الحيوي مقابل تراجع نفوذ روسيا في كل ملف بدأ من عملية السلام ، حيث تشارك مع واشنطن في رعايتها خلال عقد التسعينيات مرورا بالحرب الأمريكية على العراق في 2003 وأنتهاءا بعدم قدرة موسكو على تنظيم مؤتمر متابعة للإجتماع الدولي الذي عقد في أنابوليس في نهاية 2007 وهذا ما جعل روسيا تنظر إلى نفسها بطريقة مختلفة إنتهت من ترتيب الوضع الداخلي على صعيد إعادة بناء الدولة على أساس إقتصاد السوق بدلا من مركزي التخطيط ، ثم إنتقلت إلى ترتيب الحديقة الخلفية ومجال النفوذ الحيوي في القوقاز وآسيا الوسطى والدول المستقلة من الإتحاد السوفياتي ، ثم إنتقلت إلى الشرق الأوسط لتقديم التفكير الروسي الجديد والعمل على تفعيل الحوار الجديد المتمثل في الحوار السياسي متعدد الأبعاد والتفكير في إقامة نظام عالمي جديد وعادل يقوم على سيادة القانون الدولي ومساواة كل الدول الصغيرة والكبيرة والتعامل بينهما من أجل حل القضايا العالمية بما فيها التحديات والأخطار الجديدة التي يواجهها العالم حالياً في القرن الحادي والعشرين ، وترى روسيا أن ما يتصدر جدول أعمال المجتمع الدولي اليوم هو مهمة إقامة نظام عالمي جديد وعادل ومستقر تفرض فيه تعددية الأقطاب واقعها أكثر فأكثر على كل المستويات في السياسة والاقتصاد والشؤون المالية ، وتتقدم إلى مكان الصدارة ضرورة البحث الجماعي عن أساليب مواجهة التحديات والأخطار الشاملة ، فروسيا اليوم ومن خلال تحركها الأخير في أوكرانيا تسعى إلى نظام عالمي جديد تريده متعدد الأقطاب ولا شك في أنها تدرك أن تعددية القطب تفرض أن العلاقة قائمة على أساس المصالح وليس الإيديولوجيا والإقتصاد والصفقات والأتفاقيات والعقود ، وليست العقيدة والإيديولوجية ، إنها علاقة مهمة في حد ذاتها وليس لأنها ضد الآخر سواء كان إقليميا أو دوليا ، كما تعلم روسيا الأن أن أحد مفاتيح المساهمة في اللعبة الدولية موجود في الشرق الأوسط وأحد مفاتيح الشرق الأوسط موجود في دمشق الحليف السابق لروسيا ، فسوريا هي إحدى عواصم القرار لأنها تطل على الملفات الأساسية في المنطقة ، العراق وموضوع وجود قوات أجنبية وإنسحابها وعقود النفط الهائلة ومشاريع إعادة الإعمار جنوبا ، هناك جبهة الصراع العربي الإسرائيلي ، ملف إستقرار الشرق الأوسط جاذب النفوذ والصراعات الدولية ، غربا هناك لبنان التي حاولت إدارة بوش إستخدامه مخلب القط في الشرق الأوسط الجديد ، وفشلت في تحويله إلى شوكة في خاصرة سورية ومنصة لأستهدافها عادت العلاقة بين بيروت ودمشق إلى طبيعتها ، روسيا وحركة المقاومة الإسلامية حماس ، كما لا ننسى بأن روسيا عضو في اللجنة الرباعية الدولية كانت إنفردت بفتح حوار مع ( حماس ) بعد فوزها في إنتخابات عام 2006 خاصة وأن الدول الغربية تطلب من حماس إلتزام مبادئ الرباعية الإعتراف بإسرائيل والأتفاقيات الموقعة معها ونبذ العنف ، حركة المقاومة الإسلامية حماس لم تفعل لكن الحوار معها أستمر من قبل روسيا ، فالقيادي البارز ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في الخارج خالد مشعل زار روسيا مرتين بناء على طلب الرئيس الروسي بوتين والشيء الممكن هو أن روسيا رفعت مستوى الحوار مع حماس لأسباب داخلية وخارجية ، أولا ضمن سياق العودة الروسية لإستعادة الدور على الساحة الدولية ، إن موسكو المنزعجة من عدم حصول مؤتمرها للسلام بسبب التفرد الأمريكي وتهميش دورها في عملية السلام تريد أن تقول إنها الوحيدة القادرة على التحدث مع جميع الأطراف الفاعلين في المنطقة ، فعلاقتها مع حماس هي مكسب وليس عبئا تريد أن تقدم نفسها كحاجة مهمه في اللعبة الدولية وكلاعب ضروري وليس شاهدا ، وأن الحرب التي تشنها ضد المتطرفين الإسلاميين ليس حربا ضد الإسلام ، حيث أنها تقيم علاقة خاصة مع حركة مقاومة ذات بعد عالمي إسلامي ، كما أن روسيا من جهة ثانية تقوم بإقامة علاقات مع تركيا وتوقيع العديد من الإتفاقيات الإقتصادية معها يزيد من دورها الإقليمي وتجاور تركيا في العديد من الملفات السياسية الإقتصادية ، والنتيجة أن روسيا موجودة دائما وواقع الحال يقول إن العالم يتغير بسرعه ، فهناك نظام الحرب الباردة الذي جمع واشنطن وموسكو في القرن الحالي ، وكانت الدول الإقليمية تحجز أدوارها تحت ظلاله ، ولا هو أحادي القطب الذي ظهر في العقدين الماضيين عندما كانت الدول الصغرى تميل أمام العواصف الأمريكية الهوجاء ، كما أن هناك دورا متزايدا لقوى كبرى مثل الصين والهند ، كما لا يمكن تجاهل تزايد دور إيران وتركيا وسرية الشراكة في هذا التعاون الإقليمي ، وروسيا اليوم تريد تعظيم شبكة علاقتها لتقوية موقفها الدولي .
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
الإثنين 28/2/2022