*قصة وعبرة..*

محمود الدباس….

 

يحكى ان الشاب البلجيكي “بيبر كوليفورد” طُلب لمقابلة توظيف لاحدى الوظائف..
وهي “مساعد طبيب أسنان” في مدينة بروكسل.. فامضى ليلته وهو يرتدي قميصه الازرق السماوي تارة.. ويخلعه عن بدنه تارة اخرى.. وكان قد اشتراه ليلبسه في هذه المقابلة.. وكانت فرحته ظاهرة وكأنه طفل صغير ينتظر يوم العيد لارتداء القميص الجديد..

إستيقظ باكراً وكان شبه جاهز للمقابلة.. وحين هَمَّ بالخروج.. بحث عن محفظته.. لكنه لم يجدها..
لم يترك مكانا الا وبحث فيه.. ولكن للاسف دون اية نتيجة..

في هذه الاثناء كان الوقت يمر على صديقنا سريعاً..
وحين التفت الى ساعته.. ادرك بانه لم يتبقى للموعد سوى ساعة من الزمن..
وكان يعلم انه يحتاج إلى اكثر من النصف ساعة ليصل الى اقرب نقطة..

فغلبت الحيرة تفكيره.. فهل يواصل البحث عن محفظته التي فيها بطاقته.. أم يذهب الى المقابلة دون اثبات؟!..

وقرر أن يذهب للمقابلة.. لكن لسوء الحظ.. تأخرت الحافلة حوالي نصف ساعة..
فوصل إلى الموعد متأخرا..
فقال له الموظف المسؤول معتذرا له عن الوظيفة.. من لا يحترم الوقت لن يكون له مكان بيننا..

فخرج وهو يعتصر ألما على الوظيفة المفقودة.. والتي انتظرها منذ زمن..

هذه الحادثة.. جعلته يقبل بوظيفة اخرى في مكان مخصص للرسم.. ولم تكن بمستوى الطموح.. ولكنه وافق ليستطيع الايفاء بالتزاماته..

بعد فترة وجيزة.. وجد بيبر نفسه وضالته في هذا العمل.. فقد عاد إلى هواية الرسم المفضلة عنده..
فقد عمل مع رسامين مهرة في مجلة مختصة في رسوم الأطفال.. وحقق نجاحات كبيرة..
وقد عُرف باسم “بيبو” في سلسة برامج “جون وبيوت” الكوميدية..

فظھرت على يديه الشخصية الكارتونية التي عرفت باسم “السنافر” وحققت هذه الشخصية المحببة للجميع نجاحات كبيرة جدا..

فقد انتقلت شخصية السنافر من عالم الورق.. إلى عالم التلفزيون.. ومن ثم إلى عالم السينما والعالمية..

دعونا نعود للوراء قليلا ونتساءل..
ماذا لو وجد “بيبو” محفظته في الوقت المناسب؟!..
فلسوف يذهب الى المقابلة.. وقد يجتاز الاختبار.. ويصبح مساعدا لطبيب الاسنان.. وقد يبقى مغمورا حتى يموت..

لقد مات صاحبنا سنة 1992م.. وخيم السواد على الجرائد البلجيكية.. ورفعت الرايات السود في اماكن كثيرة.. وكأن موته اشبه بموت زعيم الدولة..

إن ما حدث لذلك الشاب “بيبر” مع فقده لوظيفة مساعد طبيب الاسنان.. من الممكن حدوثه مع أي شخص. دون أن يدري ماذا يخبء القدر له..
ودون معرفة لطريق النجاح..

فمن الممكن ان نضيع فرصة ننتظرها ونخطط لها.. ولا نعلم أن الخير موجود في خسارتها..

نتألم ونحزن ونصاب بالاكتآب كثيرا لضياع اي فُرصة.. غير مقتنعين أن ما عليك سوى العمل بشرف ورقي واخلاص.. والتوفيق والنجاح من عند الله..

واعلم أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ.. وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ..

لذلك لو توددت وتملقت واهرقت ماء وجهك وازلت ثوب الحشمة والوقار لاي احد لم يكتب الله ان تسير امورك على يديه.. فلن تسير..

ولو انك تعاملت بكل شموخ وكبرياء واحترامٍ عالٍ لنفسك مع شخص لك عنده حاجة.. واراد الله ان تسير وتتحقق.. لتحققت رغم عدم التزلف والتملق والمجاملات التي تنزل من قدرك..
محمود الدباس – ابو الليث..

قد يعجبك ايضا