هل يحتفل ريال مدريد بالليغا أم يثأر برشلونة لكرامته في كلاسيكو اليوم؟

الشرق الأوسط نيوز : للمرة الأولى في العقد الجديد، يحظى كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة، بتغطية إعلامية تلامس هوس سنوات الخوالي، أو ما تُعرف بـ«الحقبة الذهبية» في ذروة الصراع التاريخي بين الثنائي الفضائي كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي في الفترة ما بين عامي 2009 و2018. ويأتي الاهتمام الإعلامي الملموس بكلاسيكو الأرض هذه المرة، مقارنة بالمواجهات المباشرة السابقة، وكانت آخرها نصف نهائي الكأس السوبر الإسباني قبل شهرين، انعكاسا للمتغيرات الإيجابية الأخيرة، التي ساهمت بشكل أو بآخر في تحسين صورة وسمعة العملاقين عالميا، قبل أن يُطلق الحكم خوان مارتينز مونييرا، صافرة بداية القمة الأكثر مشاهدة على هذا الكوكب مساء اليوم الأحد على ملعب «سانتياغو بيرنابيو» في ختام مواجهات الأسبوع الـ29 للدوري الإسباني.

فلاش باك

بالعودة شهرين إلى الوراء، سنتذكر كيف مر كلاسيكو الـ12 من يناير / كانون الثاني الماضي مرور الكرام، على الأقل في البقعة الناطقة بحرف الضاد، رغم أنه أقيم على ملعب «الملك فهد الدولي» بالعاصمة السعودية الرياض، وكان ذلك لأكثر من سبب، منها انشغال واهتمام الأغلبية الكاسحة في شمال أفريقيا بمشاركة المنتخبات العربية في بطولة أمم أفريقيا، بجانب التأثر السلبي البشري من رحيل البرغوث ميسي عن الليغا، باعتباره آخر العظماء، بل كبيرهم الذي علمهم السحر، وكان جلوسه في مقاعد المدرجات في الظروف الخارجة عن الإرادة، يضمن حضور مئات الملايين من محبيه أمام الشاشات وقت الكلاسيكو، وسبقه غريمه الأزلي صاروخ ماديرا رونالدو، بخطوة مماثلة بذهابه إلى يوفنتوس في العام 2018، تأذى منها الدوري الإسباني في ما يخص التسويق ونسبة مشاهدة الكلاسيكو خارج إسبانيا، تأثرا بفقدان شريحة لا يستهان بها من «شعب رونالدو»، وكان ذلك في خضم الفترة التي اعتاد خلالها جمهور الريال والبارسا على اعتزال أو رحيل أسطورة، من عينة تشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا وتشابي ألونسو ومسعود أوزيل وأسماء أخرى كانت تُفرد لها صفحات المجلات والصحف المطبوعة، وتحاصرها عدسات الباباراتزي في أي مكان خارج المستطيل الأخضر، بحثا عن «الترافيك» من وراء شعبية هؤلاء النجوم، الذين جعلوا الكلاسيكو لسنوات طويلة، خارج مستوى المنافسة والتقييم مع أي كلاسيكو أو دربي آخر على سطح الأرض.
وجار الزمن في السنوات الماضية على المباراة التي كانت تعني الكثير بالنسبة للمؤسسات الإعلامية الرياضية، قبل البسطاء الذين ينفقون من أجل الاستمتاع بالمحتوى الكروي المختلف من صفوة نجوم اللعبة، آنذاك، شخصيا كنت في موقع «Goal» أصارع الوقت مع «الديد لاين»، لصياغة 7 أو 8 أفكار خارج الصندوق عن الكلاسيكو بعد تنازلي يبدأ قبل الحدث بأسبوع، ولا ينتهي الزخم إلا بعد يوم أو اثنين من نهاية المباراة، بيد أنه في السنوات القليلة الماضية، تبدل الوضع 180 درجة، والأمر لا يتعلق بالفوارق الشاسعة بين شعبية وجودة نجوم الريال والبارسا خلال العقد الماضي وبين خلفائهم الحاليين فحسب، بل أيضا لاهتزاز صورة الكبيرين عالميا، خاصة الفريق الكتالوني، الذي كان في طريقه لتجاوز مرحلة «الحضيض الكروي» في نهاية حقبة المدرب الهولندي المنبوذ رونالد كومان، وبداية المدرب الحالي تشافي هيرناندز، عندما تعرض لحملة تشكيك على مستوى واسع، تارة لسوء النتائج كما كان الوضع مع أسلافه، وتارة أخرى لعدم وضوح بصمته بشكل حقيقي. وبالمثل، لم يكن الريال في أفضل أحواله في أواخر العام المنقضي وبداية 2022. صحيح كان يتصدر الليغا بفارق 6 نقاط عن أقرب مطارديه، وعرف كيف يتخطى فضيحة السقوط في قلعة «البيرنابيو» أمام شيريف تيراسبول المقدوني في ثاني مباريات دوري الأبطال، لكن علامات الاستفهام كانت تحاصر كارلو أنشيلوتي في ما يخص الأداء وتفاوت المستوى من مباراة لأخرى، إلى أن تغيرت النظرة والانطباع العام عن الريال والبارسا، من سخرية وتنمر على الأداء الفردي والجماعي لكلا الفريقين، إلى أخذ وضعية الاستعداد، لرؤية بدايات ثورة الغضب التي يقوم بها ميستر كارليتو في «الفالديبيباس» والمايسترو في «كامب نو».

صحوة ملكية

بالنظر إلى وضع ريال مدريد في الوقت الراهن، فلا شك أبدا أنه فاق توقعات أكثر المتفائلين، لا سيما بعد حملات التشكيك التي طالت المدرب الإيطالي، قبل حتى أن يتولى المهمة بشكل رسمي، لأسباب تتعلق بتقدم عمر الركائز الأساسية للفريق، بجانب الاستمرار في سياسة الإنفاق في أضيق الحدود، بالاكتفاء بضم المدافع المخضرم ديفيد آلابا في صفقة انتقال حر، بعد انتهاء عقده مع بايرن ميونيخ، في الوقت الذي غادر فيه القائد التاريخي سيرخيو راموس وشريكه المفضل رافاييل فاران، بذهاب الأول إلى باريس سان جيرمان والثاني إلى مانشستر يونايتد، وفي الوسط جاء المراهق الفرنسي كامافينغا في صفقة في المتناول، لم تتخط سقف الـ30 مليون يورو، حتى جماهير النادي ما زالت تتذكر بيان وداع العراب زين الدين زيدان، الذي اعترف خلاله بأن اللوس بلانكوس بحاجة لثورة تغيير شاملة، حتى يعود أشهر ناد في العالم الى وضعه ومكانته الطبيعيتين في طليعة عمالقة القارة العجوز، لكن على أرض الواقع، كان أنشيلوتي يمضي قدما في مشروعه الطموح، ليجني الثمار سريعا، بإعادة النادي إلى مناص التتويج، بالظفر بالكأس السوبر الإسبانية، بعد تجاوز البلو غرانا ثم بلباو في نصف النهائي والمباراة النهائية للنسخة السعودية الرباعية، كأول بطولة يحققها الميرينغي منذ معانقة لقب الليغا رقم 34 في الموسم قبل الماضي، وهي كانت سببا في حصول غرفة خلع الملابس على دفعة معنوية لا تقدر بثمن، مع بدء العد التنازلي للحظات الفارقة في الموسم، وتجلى ذلك في عدم تأثر الفريق بالهزة المفاجئة، بالخروج من البطولة المستعصية على النادي بطريقة غريبة «كأس ملك إسبانيا» على يد العريق الباسكي، والأهم من ذلك، رد الفعل المذهلة بعد العرض المحبط والمخيب لآمال المشجعين أمام باريس سان جيرمان في ذهاب دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا، بتلك الريمونتادا التي ستبقى عالقة في الأذهان لسنوات، في ليلة توهج الحكومة كريم بنزيما بأهدافه الثلاثة الهاتريك في الشوط الثاني. وبين هذا وذاك، حافظ نادي القرن الماضي، على المسافة الآمنة مع أقرب مطارديه على لقب الليغا رقم 35، مستغلا عثرات حامل اللقب أتلتيكو مدريد، وتخبط عملاق الأندلس إشبيلية من حين الى آخر، ليقبض على صدارة الدوري بفارق 10 نقاط كاملة قبل الكلاسيكو، وقبل 10 جولات من نهاية الموسم، ما ساهم في عودة جزء كبير من شخصية وكبرياء أصحاب القميص الأبيض، أو على الأقل فريق منظم لا يتمنى أحد مقارعته في الوقت الراهن.

عودة الجمال

كما أشرنا أعلاه، واجه الفريق الكتالوني مشاكل بالجملة في بداية فترة ما بعد الأسطورة ليونيل ميسي، وظهرت المؤشرات في نزيف النقاط المستمر على مستوى حملة الليغا، بجانب النتائج الكارثية على مستوى دور مجموعات دوري أبطال أوروبا، والتي وصلت الى حد استقبال 6 أهداف كاملة في أول مباراتين على يد بايرن ميونيخ وبنفيكا، بواقع 3 أهداف في كل مباراة، ما عجل بخروج الفريق من مرحلة المجموعات، بعد فشل المدرب الجديد في ترميم وإصلاح ما أفسده المدرب الهولندي السابق، على خلفية التعادل السلبي مع الفريق البرتغالي قبل مواجهة المجهول مع العملاق البافاري في رحلة «آليانز آرينا» في ختام الدور الأول، لكن منذ تلك اللحظة، وتحديدا منذ عودة اللاعبين من عطلة عيد الميلاد، وأوضاع الفريق في تحسن مستمر، سواء على مستوى الأفراد أو المنظومة الجماعية، وأهم من ذلك بالنسبة للجماهير، الطفرة الواضحة على مستوى النتائج، بفضل سلسلة الانتصارات والنتائج الإيجابية الأخيرة، والتي وصلت الى حد تفادي الهزيمة منذ الخروج من كأس ملك إسبانيا على يد قاهر الريال في دور الثمانية، في المقابل حقق 8 انتصارات وسقط في فخ التعادل 3 مرات، مرة أمام إسبانيول في دربي الإقليم، ومرتين أمام نابولي وغالطة سراي في ذهاب مراحل خروج المغلوب في بطولة اليوروبا ليغ، علما أنه رد في المرتين بالفوز خارج قواعده، باكتساح ممثل الكالتشيو في عقر داره «دييغو مارادونا» برباعية مقابل اثنين، وتخطى بطل تركيا بهدفين مقابل هدف في سهرة الخميس الماضي، بعد التعادل بدون أهداف في ذهاب «كامب نو».
وهكذا أمور تعطي دلالات أو مؤشرات لاقتراب تشافي من إعادة ناديه إلى وضعه الطبيعي، وفي عبارة أخرى «انتشال برشلونة من براثن الضياع»، بعد صبر الجماهير والإدارة عليه، إلى أن بدأت أفكاره وبصمته تظهر بوضوح على الأداء الجماعي للفريق، كما يتجلى في ترابط الخطوط الثلاثة من بعضها بعضا، وتنوع الحيل في الهجوم، بنفس الانطباع أو الأسلوب المعروف عن كرة برشلونة الجميلة، التي كان يُضرب بها المثل في الأناقة والإبداع، أو ما تُعرف بـ«تيكي تاكا»، حيث تنقل الكرة من قدم الى قدم بشكل عمودي، مع كثافة في الانتشار في وسط الملعب والثلث الأخير، تصل أحيانا لمصطلح «تطرف هجومي»، بحصار المنافسين في مربع العمليات، وبدون توقف عن شن الغارات على الدفاع وحارس المرمى، معتمدا على الجواهر الخام أمثال غافي وبيدري في السيطرة على الكرة والتحكم في إيقاع ونسق اللعب، رغم صغر سن اللاعبين، بجانب الاستفادة القصوى من النافذة الشتوية، بتدعيم الصفوف بصفقات طوارئ بامتياز، كما يظهر في تأثير الغابوني بيير إيميريك أوباميانغ وفيران توريس، وبالمثل العائد بعد سنوات من الغياب داني ألفيش، الذي يثبت من مباراة الى أخرى، أن تشافي كان محقا في الاستعانة بخبراته ولو بعقد قصير الأجل، لمساعدة المدرب في غرس عقلية الفوز والقتال داخل الأسماء المختارة، التي سيبنى عليها مشروع العقد. ولعل من يشاهد مباريات البارسا الأخيرة، لاحظ تأثير القيدوم البرازيلي في التحسن الكبير في تمركز المدافعين، مقارنة بالعشوائية التي كبدت الفريق خسائر فادحة حتى الأمس القريب، وأمور أخرى ساهمت في النهاية في عودة البسمة إلى الوجوه في كتالونيا، وبالتبعية تضاعفت الآمال والطموحات لرؤية برشلونة بنفس الصورة المرعبة التي كان عليها في جيل ليونيل ميسي الذهبي.

توابع الكلاسيكو

صحيح من ناحية المنطق والعقل، تبدو نتيجة الكلاسيكو غير مؤثرة في الصراع على لقب الليغا، لكن واقعيا، هناك مكاسب وأشياء أخرى ستحددها نتيجة سهرة اليوم، بالنسبة للفريق المدريدي، فهدفه الرئيسي إطلاق صيحة النصر والاقتراب من معانقة اللقب، بالفوز على العدو الأزلي، أشبه بإصابة عصفورين بحجر واحد، منها سيلامس البطولة، بتعزيز مكانه في الصدارة بفارق مريح حتى إشعار آخر، ومنها سيحطم معنويات المنافس الكتالوني، بعد ارتفاع مستوى طموحات جماهيره بعد سلسلة الانتصارات والنتائج العريضة الغائبة منذ فترة ليست بالقصيرة، وقبل هذا وذاك، سيحصل المدرب على رفاهية «مداورة اللاعبين» قبل بدء شهر أبريل / نيسان الحاسم، حيث ستتضاعف قيمة وأهمية كل هدف سواء في حملة البحث عن استعادة لقب الدوري، أو ضمان مكان نهائي في دوري الأبطال في باريس 2022. ولا ننسى أن ازدحام روزنامة المباريات الشهر المقبل، سيأتي بعد عودة اللاعبين من عطلة مارس / آذار الدولية. ونفس الأمر ينطبق على الفريق الضيف، هو الآخر يبحث عما وراء الثلاث نقاط، لعل أبرزها، وقف إهانة السقوط المتكرر أمام الغريم المدريدي، بعد التجرع من مرارة الهزيمة في آخر 5 مباريات كلاسيكو في كل البطولات، وآخر 4 مواجهات على مستوى الليغا، بواقع 3 هزائم في ولاية زين الدين زيدان الثانية، وهزيمة «كامب نو» بنتيجة 2-1 في الدور الأول تحت قيادة أنشيلوتي، إذ يرجع آخر انتصار لبرشلونة على الريال، الى مارس / آذار 2019، وكان بهدف إيفان راكيتيتش، وعلى إثرها اضطر النادي لفسخ عقد المدرب سانتياغو سولاري، بعد خروجه من كل البطولات في ظرف 7 أيام. ويُضاف الى الثأر والبحث عن الكرامة، حاجة البارسا للثلاث نقاط، لكي يستمر في ملاحقة إشبيلية على المركز الثاني، بل سيتحكم في مصيره، بالإبقاء على فارق النقطتين مع الفريق الأندلسي، ولدى البارسا مباراة أخرى مؤجلة، في ذلك الوقت، سيتقلص الفارق مع الريال إلى تسع نقاط في الربع الأخير من الموسم، وبالتبعية ربما تنقلب الأمور رأسا على عقب في إحدى زيارات الملكي المعقدة في الأسابيع الأخيرة، كزيارة «واندا متروبوليتانو» لمواجهة غريم المدينة أتلتيكو مدريد في الجولة الـ35، وقبلها بجولتين سيحل ضيفا على ملعب «سانشيز بيثخوان» الصعب لمقارعة منافسه المباشر في الوقت الراهن اشبيلية، ما سيعيد إلى الأذهان ما حدث في نسخة 2015-2016، عندما عاد الريال من بعيد بعد تولي زيدان المهمة خلفا لرافا بنيتيز في يناير / كانون الثاني 2016، وآنذاك افتك البارسا اللقب بـ91 نقطة، بفارق نقطة واحدة عن الريال، بعدما وصل الفارق بينهما لأكثر من 10 نقاط في بعض الأوقات في منتصف الموسم، والسؤال هنا: هل سينجح تشافي في محاكاة تجربة زيزو مع الريال؟ بمواصلة الضغط على المنافس حتى  إطلاق صافرة نهاية الموسم، وفي نفس الوقت يواصل مشواره في اليوربا ليغ كما فعلها الجزائري الأصل بالفوز على أتلتيكو مدريد في نهائي ذات الأذنين 2016؟ أم سيعلن أنشيلوتي ورجاله تتويجهم باللقب بشكل عملي مساء اليوم؟ دعونا ننتظر. مشاهدة ممتعة للجميع.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا