لن تطفئي مجدي للشاعر الكبير نزار قباني
مجدي الحوراني….
لن تطفئي مجدي
للشاعر الكبير نزار قباني
ثرثرت جداً فاتركيني
شيء يمزق لي جبيني
أنا في الجحيم وأنت لا
تدرين ماذا يعتريني
لن تفهمي معنى العذاب
بريشتي لن تفهميني
عمياء أنت ألم تري
قلبي تجمع في عيوني
لأخاف تأكلك الحروف
بجبهتي فتجنبيني
مات الحنين أتسمعين
ومت أنت مع الحنين
لا تسأليني كيف قصتنا
إنتهت لا تسأليني
هي قصة الأعصاب والأفيون
والدم والجنون
مرت فلا تتذكري
وجهي ولا تتذكريني
إن تنكريها فأقرأي
تاريخ سخفك في غضوني
أمريضة الأفكار يأبى
الليل أن تستضعفيني
لن تطفىء مجدي على
قدح وضمة ياسمين
إن كان حبك أن أعيش
على هرائك فأكرهيني
حاولت حرقي فإحترقت
بنار نفسك فأعذريني
لا تطلبي دمعي أنا
رجل يعيش بلا جفون
مزقت أجمل ماكتبت
وغرت حتى من ظنوني
وكسرت لوحاتي وأضرمت
الحرائق في سكوني
وكرهتني وكرهت فناً
كنت أطعمه عيوني
ورأيتني أهب النجوم
محبتي فوقفت دوني
حاولت أن أعطيك من
نفسي ومن نور اليقين
فسخرت من جهدي ومن
ضربات مطرقتي الحنون
وبقيت رغم أناملي
طيناً تراكم فوق طين
لا كنت شيئاً في حساب
الذكريات ولن تكوني
شفتي سأبترها ولن
أمشي إليك على جبيني ..
لا أعلم ما تعرض له الشاعر صاحب الإحساس العميق فأنا لا أعرف مناسبة هذه القصيدة ولمن قيلت من النساء، لكني أجزم تعرضه لصدمة شديدة في مشاعره حتى يقسو عليها لهذا الحد ..
لا أخفيكم أني حاولت ان أضع نفسي مكانه إلى حدٍّ ما وتخيلت أني تعرضت لحادث من هذا النوع، وما الأمر الجلل الذي يجعل الرجل يهدم جبالًا من هذيان الحب، فطبيعة الرجل قد لا تستهويه الإطالة بمشاعر ملتهبة مع أنثى متواجدة في يقينه ووجدانه، فقد يتكفل خياله الواسع المهمة بالانطلاق في فضاء واسع يرسم بريشته لوحة لعشيقته الوحيدة المتميزة بألوانها وتضاريسها، ويفضل غالبًا أن تكون له تلك العلاقة شقيقة الروح خاصة جدًا ومرتبطة به وحده تعيش في ذهنه وأركانه وإن غابت لفترات ! وحتى حال اختفائها فصورتها مرسومة ومعلقة في أعماقه، يخفيها في مكان لن يستطيع الوصول إليها أي كائن كان، فهي حبيسة جوفه لا تخرج أبداً، فالرجل يستطيع بكل ذكاء وحذر شديدين أن يمنع الإنس أو الجان استخراجها أو أن يجبره البوح بكلمة أو حتى التلميح عنها أو بوصفها، فقد يستخدم من المداخل والمخارج والمتاهات كي لا ينال أحد من أعماقه .. فهي محبَّة وهيام الرجل الصادق، قد يتكلم أي رجل عن إعجابه أو تقاربه أو وصف الجمال او ما تعجبه من صفات الأنوثة، أما صنف أنقياء المشاعر النقية كما اخبرتكم فإنه لا يزيل الحجاب أو اللثام عن خبيئته المكنونة وإن أرهقته درجات الهذيان، فما عليه إن أراد تخفيف نزعات الشوق والحنين سوى أن يستعيد الذكريات وأن يستعير ألحان أنفاسها وعذوبة صوتها الدفين من أعماقه إلى أن يهيم في أحضان الماضي في حاضره حتى تنعكس على ملامح وجهه وحركاته حتى يبدو بمنتهى السعادة والجمال، وإن استصعب استحضار تلك اللحظات استخرجها من أنفاق روحه على هيئة تنهيدة حارة، وان لم يتمكن من الكتمان صار يحدث الناس عنها على بصيغة الخواطر وقصائد وألغاز أقرب إلى الخيال ..
وعودة على بدء .. إن ما جعلني أقرأ القصيدة وأتأملها هو العنوان الذي يشكل إسمي جزءً منها، لكن ما استثارني حقاً هو حجم الألم والخذلان الذي تعرضت لهُ مشاعر العملاق نزار قباني، وإني أكاد أجزم بأن لها جذور ممتدة في واقعه .. فلها وقع الجريح الذي استعطفني بكلامه ولها صدى في أذني كلحن حزين، وأشبه الصورة وكأنه قام بتحطيم حواجز الزجاج بمطرقة حديدية من شدة ما عاش معها من وهم وخيبة أمل بعدما إستقرت في نفسه، فوجد فيها الكاذبة فقد أوهمته بإنها تبادله مقدارًا كبيرا من إحساسه المرهف احتيالًا .. وأنتهى به الأمر الى ان شعر في حالة اللاوعي العميق بانفجار عاطفي أحرق كـلّ تقاليده وخالف أعراف الرجال الذي مس صدقه وبِسِّره من أجل تلك المحتالة.
وفي تلك الساعة اكتشف بشاعة أنوثتها بعد أن خلعت القناع الملائكي الذي كانت تضعه على وجهها الحقيقي حين ظهرت ثرثارة جوفاء خالية الإحساس تجاهه، حينها ضربت شعوره وقطعت بتلات قلبه خلافًا لما نحته في صدره واللوحة التي رسمها لها في قلبه، كان متأكدًا في تلك اللحظة أنها كانت تخفي حقيقة أفكارها الدميمة ومشاعرها العليلة، لقد تألم شاعرنا بعد تيقُنهِ بأن مشاعره فاقت بكثير إحساسها المزيف، فشعر حينها أنه وقع بمأزق وطامة كبرى بطعنها لكبريائه المليء صدقًا وعاطفة، عندها أدرك جزءً من عقله المسلوب وكأنه وضع كـلّ ذلك الحب في حقيبة من حقائب يدها تستبدلها متى شاءت، فكم تمنى ان يصل مقام عِشقه لأطراف جيدها أو أن يكون كعقد من عقود نحرها، هو الخذلان وإحساس استخفافها بعواطفه النبيلة، أم أنه تمنى أن يضع نفسه موضع طفل يرضيه حنين عِناقها أو كأحد الفتيان ينتظر أن يشاركها فنجان قهوة في مقهى العشاق !
ما راق لي فيما نظمه الشاعر بكلماته بأنه صرخ بها بأعلى صوته، ووثق نُكرانها في قصيدة وضعت كنصيحة في دواوينه، أعاد من خلالها كرامته وهيبة العاشق الشجاع الصادق، فلم يبالي بالانسحاب تاركًا وراءه دموعها وحرائقها دون إطفاء، وبدأ يزيل الآثار المتعلقة بها، بعد أن كانت له الفؤاد وشذى أزكى العطور وشبق الحديث اللامحدود والخيال اللانهائي، فقطَّع أواصر الكلام، وأبتعد ببرائته ولن يعود، قلبها يخلو من الرحمة وعمياء المشاعر والانوثة فلم تقرأ بعيونه أوجاع قلبه مختصرًا عبقريته في قوله :
أعَميــاءُ أنـتِ .. ألـم تَــرَيْ
قلـبي تجـمَّــعَ فـي عُيونـي؟