مع تصاعد الخلافات بين باشاغا والدبيبة.. تركيا أمام احتمال تفجر المعارك العسكرية مجددا في ليبيا
الشرق الأوسط نيوز : مع تصاعد الخلافات والتنافس السياسي بين رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الوزراء المكلف من برلمان طبرق فتحي باشاغا، وما رافقه من تحشيد عسكري واشتباكات متفرقة، تتزايد الخشية من تفجر الأوضاع العسكرية مجدداً في ليبيا، وهو ما يفرض على تركيا تحدياً عسكرياً وسياسياً كبيراً، في الوقت الذي تحاول أنقرة تعزيز مسار العودة إلى سياسة “صفر مشاكل”.
وتدعم تركيا بشكل رسمي حكومة الدبيبة الذي يقيم علاقات جيدة مع تركيا، حيث تشدد أنقرة على أن حكومة طرابلس هي المعترف بها من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وهي التي تتمتع بالأسس القانونية في ليبيا، وكانت على الدوام على خلاف مع الحكومات والقيادات السياسية التي انبثقت عن برلمان طبرق.
وعندما حاولت قوات خليفة حفتر المدعوم من برلمان طبرق السيطرة على البلاد وصولاً لقرب السيطرة الكاملة على طرابلس، تدخلت تركيا عسكرياً بموجب مذكرة التفاهم العسكرية إلى جانب رئيس حكومة الوطنية آنذاك فايز السراج في نزاع عسكري واسع، كاد أن يتطور لحرب أكبر بين داعمي الأطراف المتحاربة وخاصة بين تركيا التي كانت تدعم حكومة طرابلس وبين مصر والإمارات اللتين كانتا تدعمان برلمان طبرق ومليشيات حفتر.
وعقب أشهر طويلة من تراجع الخيار العسكري، وفتح الباب أمام المساعي السياسية لحل الأزمة السياسية العميقة في ليبيا، عاد شبح الحرب ليطل برأسه مجدداً وذلك عقب اعتبار برلمان طبرق أن حكومة الدبيبة انتهت ولاياتها، وانتخاب فتحي باشاغا رئيساً للوزراء. وهو ما أعاد الانقسام السياسي إلى ذروته في البلاد، وسط خشية من انزلاق الأوضاع إلى حرب أهلية جديدة قد تكون الأطراف الإقليمية جزءا أساسيا فيها.
وفي هذا الإطار، تجد تركيا التي لا تزال تحتفظ بقواتها العسكرية في ليبيا نفسها أمام استحقاق سياسي وعسكري في وقت بالغ التعقيد، فبعد أن كانت في صراع سياسي وعسكري غير مباشر مع الإمارات ومصر الداعمتين تقليدياً للشرق الليبي وبرلمان طبرق، فإنها اليوم تقيم علاقات متقدمة مع الإمارات، وتسعى لإصلاح العلاقات مع مصر ولا تجد أي مساحة للمناورة والمخاطرة في التقدم الذي حققته في إطار مساعي العودة لسياسة صفر مشاكل.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، يتوقع أن تتحرك تركيا لتسخير قواتها السياسية ومساعيها الدبلوماسية من أجل تعزيز الحوار مع كافة الأطراف الليبية لمنع انزلاق الخلافات السياسية إلى مواجهة عسكرية، وهو الخيار الأسلم لتركيا التي ستكون أمام استحقاق خطير وكبير في حال تفجر المواجهات، كونها تمتلك قوات عسكرية على الأرض، وتجد نفسها مضطرة للحفاظ على المكتسبات التي حققتها في المواجهة الماضية.
وبشكل خاص، تهدف أنقرة إلى الحفاظ على نفوذها العسكري والسياسي في ليبيا من أجل ضمان استمرار العمل بمذكرة التفاهم البحرية، وعدم التعرض لأي انتكاسة قريباً في موازين القوى بصراع شرق المتوسط، في وقت تجد تركيا نفسها في أفضل وضع على الإطلاق منذ سنوات، وتسعى لحصد مكاسب مذكرة التفاهم البحرية مع ليبيا ونتائج سياسة العودة لصفر مشاكل والفرص التي خلقتها الحرب في أوكرانيا من أجل التوصل إلى اتفاق لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، وهو الخيار الذي لم تقبل به قوى تحالف شرق المتوسط الذي كان يستهدف عزل تركيا لولا القوة التي منحتها مذكرة التفاهم البحرية مع ليبيا.
وفي ظل هذه المعطيات، فإن أنقرة التي لا تجد أي مجال للتخلي عن مكاسبها التي حققتها في ليبيا، ستعمل بكامل قوتها الدبلوماسية من أجل منع الانزلاق لمواجهة عسكرية ستجد نفسها مضطرة لأن تكون جزءا منها، ويتوقع أن تشهد الأسابيع المقبلة حراكاً تركياً قوياً مع الأطراف الليبية لحثها على العودة إلى المسار السياسي، ومحاولة التوصل إلى حل وسط، كما أنها ستحاول تسخير علاقاتها الجديدة مع مصر والإمارات من اجل العمل بشكل جماعي للضغط على الأطراف الليبية لتجنب الصدام المسلح، والتوصل إلى حل سياسي.
كما أن أنقرة لا تجد نفسها اليوم في نفس حالة الصراع السابقة التي كانت مع حفتر ومليشياته، فرئيس الوزراء المكلف فتحي باشاغا يتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا أيضاً، وأرسل العديد من الرسائل الإيجابية لأنقرة طوال الأسابيع الماضية، مفادها أنه لا يحمل أي أجندة ضد تركيا، وأنه مستعد للحفاظ على استمرار العمل بمذكرتي التفاهم البحرية والعسكرية، كما تجنبت أنقرة التي تجنبت أيضاً اتخاذ مواقف متشددة ضد حكومته مؤخراً، على أن يبقى السؤال الأهم في الأسابيع المقبلة: هل تنجح تركيا في ضمان استمرار العمل مع حكومة الدبيبة، أم أنها يمكن أن تلجأ لدعم حل يعطي الشرعية لحكومة باشاغا مقابل ضمان حماية مصالحها في ليبيا؟
المصدر : القدس العربي