حركة “نحالا” الاستيطانية: أفكارها تتركز حول “أرض إسرائيل الكبرى” ومعارضة الحلول السياسية مع الفلسطينيين وإلغاء مشروع الدولتين

الشرق الأوسط نيوز : عقب مقتل المستوطن يهودا ديمينتمان في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021 أقام عدد من المستوطنين بؤرة استيطانية باسم نفيه يهودا بالقرب من مستوطنة كريات أربع في الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة. كان ديمينتمان يقيم في مستوطنة شافي شومرون بالقرب من مدينة نابلس وطالبا في المدرسة الدينية المقامة في مستوطنة حومش المخلاة عام 2005. خلال 24 ساعة بعد مقتل يهودا، كانت حركة نحالا الاستيطانية التي نشط فيها المستوطن يهودا، قد باشرت في إحضار منازل متنقلة من أجل إقامة البؤرة الاستيطانية، بادعاء أن الأراضي المستهدفة بالاستيطان هي “أراضي دولة”.

 لقيت هذه البؤرة الاستيطانية قصيرة العمر، التي استمرت حوالي يوم تقريبا قبل أن يخليها جيش الاحتلال، تأييدا من عضو الكنيست المستوطنة في الضفة الغربية أوريت ستروك (حزب الصهيونية الدينية) التي توقفت فيها وقدمت دعما لها، في طريقها إلى القدس من أجل المشاركة في جنازة المستوطن القتيل، فيما دعا رئيس مجلس مستوطنة كريات أربع، إلياهو ليبمان، كل من يدعم الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية للتوجه إلى البؤرة. في تقرير جديد يحاول المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية إلقاء الضوء على جزء من نشاط حركة “نحالا” للاستيطان في البلاد.

لا تمتلك نحالا موقعا إلكترونيا، ولديها صفحة على موقعي فيسبوك ويوتيوب، لكن “مدار” يتبع جزءا من أهدافها وأفكارها ونشاطها في الضفة الغربية التي تركز فيها استيطانها، من خلال معلومات متفرقة عنها، وردت في منشورات لها أو من خلال بعض الأخبار التي ترتبط بنشاطها الذي على ما يبدو ساهمت بؤرة أفيتار الاستيطانية في عودته.

 

أفيتار قصة نحالا

 

لم تكن بؤرة نفيه يهودا الأولى في نشاط نحالا الاستيطاني خلال العام المنصرم، فقد كانت البؤرة الأبرز لها هي بؤرة أفيتار التي أقيمت في مايو/ أيار 2021، شمال الضفة الغربية على أراضي قرى بيتا ويتما وقبلان فوق قمة جبل صبيح، بعد مقتل المستوطن يهودا غويتا، وكانت عودة للبؤرة الأولى التي ساهمت نحالا في تأسيسها العام 2013 عقب مقتل المستوطن أفيتار بوروفسكي بالقرب من حاجز زعترة.

وكانت أفيتار واحدة من أسرع البؤرة الاستيطانية بالنسبة للحركة التي تسعى إلى السيطرة على الجبال في الضفة الغربية وتبني مجتمعها من الصفر. ويظهر أن أفيتار كانت قصة نحالا طوال تاريخها، حيث تضع الحركة صورة جوية للبؤرة كغلاف لصفحة الفيسبوك. ويقع مكان المستوطنة، التي استشهد في سبيل منع قيامها عشرة شباب فلسطينيين حتى الآن، فوق قمة جبل وأقيمت عقب مقتل مستوطن كما جرت العادة. وظهرت البؤرة كمجتمع مستوطنين تشكل وتطور سريعا، فقد تم تعبيد الطرق وبناء مدرسة دينية وحضانة أطفال، وتحولت إلى محج للسياسيين الإسرائيليين وحاخامات يهود بدعمٍ من حركة نحالا التي حشدت للاستيطان في المكان، وجمعت لها التبرعات وحولت قضيتها إلى معركة إعلامية كبيرة من أجل منع الإخلاء. ووصل للاستيطان فيها 50-70 عائلة مستوطنة، قبل أن يتم إخلاؤها بعد اتفاق مع حكومة الاحتلال بفحص ملكية الأرض، وفي ظل مقاومة شعبية كبيرة من أهالي قرية بيتا ما زالت مستمرة حتى الآن. كما جندت نحالا في حينه فريقا قانونيا من أجل إثبات ملكية الأرض وبعد إخلاء أفيتار، كانت تحاول الحركة نفسها إقامة بؤرة أخرى في منطقة الأغوار، سمح خلالها الجيش الإسرائيلي للمستوطنين بالإقامة في موقع عسكري مهجور بالقرب من مستوطنة معاليه أفرايم وكان هناك جنود للجيش ساعدوا في إنشاء البؤرة الاستيطانية في أفيتار أيضا.

تأسست حركة نحالا العام 2005، على يد المستوطنين المتطرفين موشيه ليفنجر (1935-2015) ودانييلا فايس (1945-)، وكان الأول قد اعتبر أحد عرابي الاستيطان في الخليل والضفة الغربية بعد استكمال استعمار فلسطين العام 1967، وأحد المساهمين في تأسيس غوش إيمونيم، وذلك بعد إخلاء مستوطنات قطاع غزة وعقب اجتماع عقده ليفنجر في الخليل وشاركت فيه فايس وغيرها وهي تقود الحركة حاليا وينشط معها حفيد ليفنجر. وتشكلت نحالا استمرارا لأفكار وممارسة غوش إيمونيم، التي ساهم في تشكيلها ليفنجر، وتدور أفكارها حول “أرض إسرائيل الكبرى” ومعارضة الحلول السياسية ووجود الفلسطينيين، بالإضافة إلى ذلك تدعم فايس حركات المستوطنين في الضفة الغربية مثل “شباب التلال”، واتهمتها الشرطة الإسرائيلية بإخفاء مستوطنين قاموا بإحراق أشجار زيتون تعود ملكيتها لفلسطينيين. وفي العام 2017 قادت فايس ونحالا حملة ضد تجميد الاستيطان في الضفة الغربية وطالبت الحكومة بتنفيذ مخططات البناء هناك، ودعت وزراء حكومة الاحتلال للاستقالة في حال استمرار القرار. وشاركت في مظاهرات أمام منزل رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو في أبريل/نيسان من العام الماضي بعد محادثاته مع رئيس القائمة العربية الموحدة النائب منصور عباس من أجل تشكيل الحكومة، بحجة أن هذه الشراكة يمكن أن تهدد الاستيطان في الضفة الغربية.

في أبريل/ نيسان من العام الماضي أيضا قدمت نحالا خطة تهدف إلى استجلاب مليوني مستوطن يهودي في الضفة الغربية، وكان مستوطنو الحركة قد تظاهروا أمام مقر رئيس الحكومة السابق، مطالبين بتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية وعدم إعادة طرح فكرة حل الدولتين، وكانت الخطة قد قدمت من خلال عريضة وقع عليها يولي إدلشتاين، رئيس الكنيست السابق (وأحد منافسي نتنياهو على رئاسة الليكود حاليا)، ووزراء من “الليكود” جلعاد أردان وميري ريغف وأييلت شاكيد، ورئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت حينما كان وزيرا للتعليم. وجاء في العريضة التي قدمتها نحالا حرفيا: “بموجب هذا العريضة ألتزم بالإخلاص لـ “أرض إسرائيل” وعدم التنازل عن شبر واحد من ميراث أجدادنا وأتعهد بالعمل على تحقيق خطة الاستيطان لتوطين مليوني يهودي في “يهودا والسامرة”(الضفة الغربية) وفقا لخطة رئيس الحكومة إسحاق شامير، وكذلك التشجيع والمساهمة في استعادة جميع الأراضي في جميع أنحاء “يهودا والسامرة”، والعمل على إلغاء إعلان حل الدولتين لشعبين واستبداله بالإعلان المُهيب: “أرض إسرائيل” دولة واحدة لشعب واحد”.

ويشير تقرير “مدار” إلى تداخل نشاط نحالا مع مؤسسات استيطانية رسمية، ففي بؤرة أفيتار تعاونت مع  ما يعرف بـ “مجلس السامرة الإقليمي” ورئيسه يوسي داغان الذي نقل مكتبه إلى البؤرة، وقاد مساعده حملة لجمع التبرعات وصلت إلى حوالى 370 ألف دولار أمريكي، وفي بؤرة نفيه يهودا التي أخليت سريعا حصلت على دعم من رئيس مجلس مستوطنة كريات أربع. وتلعب نحالا دورا في دعم “الأنوية” الاستيطانية من جوانب لوجستية، مثل توفير منازل متنقلة، والمساعدة في إنشاء مؤسسات داخل البؤر، وتنظيم حملة علاقات عامة لها على مستوى سياسيين إسرائيليين ووفود من خارج إسرائيل (دانييلا فايس تنشر على صفحتها على فيسبوك صورا لهكذا وفود وهي قليلة)، وتوفير فريق قانوني لها (عند الحاجة، مثلما حصل في أفيتار)، وأيضا المساهمة في جمع عدد من المستوطنين في البؤرة وتنظيمهم، وتوفير متطوعين من أجل العمل في تأسيس البؤرة، وفي حال الحاجة إلى عمال فهم يحصلون على أجور رمزية. وعلى نسق مستوطنة كيدوميم التي تستوطن فيها فايس، لم يتم تسييج بؤرة أفيتار، لأن ذلك تعبير عن الخوف والضعف (ويمكن الإشارة إلى أنها تعبير عن السعي المحموم للتوسع الاستيطاني وكي لا يشكل السياج تصورا لعدم إمكانية استيطان المزيد من الأراضي).

وحسب التقرير تستهدف نحالا جبال الضفة الغربية أساسا، فقد اعتبر الجبل الذي أقيمت عليه أفيتار نقطة استراتيجية، لوجوده بين عدة قرى فلسطينية، واعتبرت أن توسعها سيشكل خطرا على الطريق الاستيطاني رقم 5، كما اعتبرت نمطا متقدما من البؤر لأنها لم تقم بالقرب من مستوطنة كما جرت العادة في بناء البؤر الاستيطانية، ولا ترى فايس أن إخلاء أفيتار كان فشلا للحركة، فهي اعتبرت أن بقاء الجيش ورفع العلم الإسرائيلي وإغلاق المكان يعتبر بمثابة إنجاز.

 

الاستيطان من أسفل

 

تتحدث فايس بلغة خلاصية تدور حول افتداء الأرض واعتبارها هِبة من الله لليهود وعليهم استغلالها وإلا فعل الفلسطينيون (أهل البلاد) ذلك. وترى في حركة نحالا قصتها الشخصية، فهي عند تقديمها مقطعا مصورا تعريفيا عن نحالا تبدأ في قصتها باستيطان الضفة الغربية قبل 40 عاما، عندما قدمت إلى شمال الضفة مع مجموعة من المستوطنين وأقاموا في خيام ومنازل معدنية قبل أن يتم بناء المنازل. واعتبرت نفسها تسير على خطى الآباء والأجداد وامتدادا لهم فتشير إلى أن والديها قدما إلى مستوطنة تل أبيب وساهما في بنائها، وارتحلا لاحقا إلى المدينة الاستيطانية بني براك وساهما فيها، وهي الآن تستوطن في الضفة الغربية. في حديث فايس نفسه، قالت إن إخلاء مستوطنات قطاع غزة وجنين كان صدمة وضربة للسردية الصهيونية، لكن عندما اجتمعوا مع الحاخام ليفنجر، طلب منهم عدم الحزن والتوجه إلى تأسيس مجتمعات استيطانية جديدة في جبال الضفة الغربية، من أجل استغلال “منحة الله”. ولا تعتبر فايس أن الاستيطان في وتيرته الحالية كافيا، ذلك لأن الصهيونية هي “ظاهرة وحركة وحلم، ولا يمكن التوقف فيها أبدا”، فهي تشير إلى أن الصندوق القومي اليهودي (كيرن كييمت لـ يسرائيل) موجود حتى اليوم، لكنه ليس فعالا، لذلك تقوم نحالا بهذا العمل، باعتبارها امتدادا لغوش إيمونيم، ولكن في ظروف أفضل. وتركز نحالا نشاطها في مناطق شمال الضفة الغربية، لاعتبارات عدم كثافة الاستيطان فيها، وخوفا من تمدد الفلسطينيين فيها. وتقول فايس “إن مهمة نحالا هي الحصول على كل شبر من أرض إسرائيل” ورعايتها بيد اليهود بدلا من العرب. ويطلق “مدار” على نهج نحالا “الاستيطان من الأسفل”، وأخذ دور الحكومة، التي تصل لاحقا من أجل التسوية، فهي كحركة استيطانية غير حكومية تنشط على الأرض، وتلعب دورا في تمدد الاستيطان وتنثر البؤر الاستيطانية في جبال الضفة الغربية، وتشكل خريطة الاستيطان. ولاحقا تأتي الحكومة التي تنحاز لهذا التوجه وتقدم تشريعات من أجل تسوية هذه البؤر. رغم ذلك تعرض فايس الصراع من أجل إنشاء البؤر الاستيطانية باعتباره صراعا مع الحكومة والجيش والإدارة المدنية من أجل التمدد الاستيطاني.

ساهمت نحالا في إنشاء حوالي 50 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية المحتلة غالبيتها لم يعد موجودا اليوم، ورغم ذلك تعتبر فايس أن في ذلك أهمية لأن هذه العملية تبعد الفلسطينيين عن الأرض وتساهم في صرف الأنظار عن المستوطنات والبؤر الاستيطانية الأخرى، وتشير إلى ضرورة استهداف النقب بالاستيطان أيضا، لكن التركيز على الضفة الغربية لأن وضعها مقلق، حسب تعبيرها.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا