“مغسلة لندن” لم تعد متاحة لأصدقاء بوتين.. لكن العقوبات لم تفلسْهم
الشرق الأوسط نيوز : نشرت صحيفة “التايمز” تقريراً أعدّه روبرت واتس، وعلّق فيه على قائمة أثرياء بريطانيا التي تعدّها صحيفة “صاندي تايمز”، وبقاء أموال رجال بوتين في “مغسلة” لندن، بدون أن تتأثر، رغم ما فُرض على الرئيس الروسي وروسيا من عقوبات بسبب غزو أوكرانيا. وقال إن العمال حتى وقت قريب كانوا منشغلين ببناء بيت مناسب لميلياردير في “ويننغتون رود”، شمال لندن. ويخصّ البيت الذي يسير العمل فيه منذ أشهر بارون الأسمدة الروسي موشي كانتور. حجم البيت، في طوابقه الثلاثة، سيكون أوسع من قصر باكنغهام، وسيضمّ سينما ومسبحاً وموقف سيارات أرضياً ومشتل برتقال. لكن الرافعة التي كانت تحوم فوق موقع البناء لم تتحرك في الأيام القليلة الماضية. وتم الاستغناء عن العمال الستين فيه أو نقلوا إلى مواقع أخرى.
فضيحة وطنية: بناية تاريخية استخدمها وينستون تشرشل لإدارة الحرب العالمية الثانية تتحول إلى فندق. إلامَ سيحوّلون داونينغ ستريت تالياً!
وفرضت الحكومة البريطانية، الشهر الماضي، عقوبات على كانتور، بشكلٍ يمنع أي مواطن بريطاني، محامياً، محاسباً أو عامل بناء التعامل معه. وربما لن ينتقل إلى قصره بمنطقة هامستد، لكن كانتور لديه الكثير من الأسباب ليكون فرحاً، فثروته زادت في الفترة الأخيرة، فقد زاد سعر أسهم “أكرون”، شركة الأسمدة التي يديرها، بنسبة 200%، خلال الأشهر الـ12 الماضية. وزادت ثروته إلى 8 مليارات دولار. وظل كانتور واحداً من الأوليغارش الروس في لندن ممن لهم علاقات قوية مع بوتين. والتُقطت لهم معاً صور وبشكل مستمر. وشكّل كانتور وفداً لمقابلة بوتين، حسبما ورد في الصحافة الإسرائيلية. ومنح الرئيس الروسي في عام 2017 كانتور وسام الشرف “اعترافاً بحرفيته وإنجازاته وعمله الطويل النزيه”.ولدى بوتين رفيق آخر، هو رومان ابراموفيتش. ولم يكن كانتور، الذي يحمل الجنسية الروسية والبريطانية والإسرائيلية، على علاقة مع أمير الحرب في الكرملين فقط، ولكن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، الذي أصبح عام 2015 رئيساً للمجلس الأوروبي للتسامح والمصالحة الذي أنشأه كانتور. وقبل عامين نظّم كانتور “منبر الهولوكوست العالمي” في إسرائيل وحضره الأمير تشارلس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبوتين أيضاً.
إذا قررت الحكومة البريطانية المضي في معركة قانونية مع الأوليغارش وإنفاق ثروات، فقد تستمر لسنوات، وتكلّف دافع الضرائب ثروة هائلة كأتعاب للمحامين.
وتعلّق الصحيفة “لو كنت تتوقع رؤية قائمة الأثرياء التي تنشرها “صاندي تايمز” هذا العام، ورؤية ثروات الأوليغارش الروس قد قلت فسيخيب أملك”. فتجميد الأرصدة، ومنع السفر سبّب للأوليغارش المقربين من الكرملين والمقيمين في بريطانيا انزعاجاً، إلا أن ثرواتهم المتعددة المليارات لم تتأثر. فقد كشفت قائمة الأثرياء، وهي الطبعة الـ 34 عن رقم قياسي في الميليارديرات المقيمين في بريطانيا، 177 ميليارديراً، أي بزيادة ستة عن عام 2021. وبلغ مجموع ثروة 250 ثرياً في قائمة هذا العام 710.723 مليار جنيه استرليني، أي بزيادة 8% في مدى 12 شهراً فقط. وهناك ثروة في قائمة هذا العام، وعدد أفرادها 250 شخصاً، أكثر من 1.000 شخص شملتهم قائمة الأثرياء عام 2017. ومن المنطقي افتراض أن الأرصدة التي تعود إلى حلفاء بوتين، ووردت أسماؤهم في قائمة هذا العام، ستقل. هذا إن أخذنا تراجع قيمة الروبل بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، بنسبة 50%، ولكن قيمة ثرواتهم اليوم بالجنيه أفضل مما كانت عليه قبل الحرب. وهذا بسبب فرض الكرملين قيوداً صارمة على العملة وزيادة البنك المركزي سعر الفائدة إلى 20%. وهذه الزيادة ستؤثر على ملايين الروس وتتسبّب بمعاناتهم، لكنها ستقوّي من قيمة مصالح الأوليغارش في روسيا.
ولكن ما معنى الضجة التي حدثت في الأسابيع الأولى من الغزو، مثل مصادرة فلل وقصور ويخوت كبيرة؟ والجواب هو أن هناك فرقاً بين مصادرة أرصدة وتجميدها. فعلي شير أعصمانوف، المعروف ببريطانيا بامتلاكه حصة كبيرة في نادي أرسنال، صودرت الكثير من ممتلكاته، وأكثر من المعظم. ففي آذار/مارس صادرت السلطات الإيطالية فيلا بارون الحديد الأوزبكي في ساردينيا، وسيارة مرسيدس محصنة قيمتها 550.000 جنيه. وصادر الفرنسيون مروحياته التي تقدّر بـ 20 مليون جنيه. وأخذ الألمان يخته “ديلبر”، الذي تبلغ مساحته 513 قدماً، ولم يمنع نقل الملكية إلى أخته غولباخور إسماعيلوف السلطات عن مصادرتها. وهذا يلخّص حيلة “نقل القطعة” التي يستخدمها الأوليغارش لمواصلة السيطرة على أرصدتهم.
وقال بن كاودوك، المحقق بمنظقة الشفافية العالمية: “جزء من مشكلة استهداف هذه الأرصدة هي استخدام الأوليغارش وكلاء للاحتفاظ بها، مثل أفراد عائلة أو شركاء في التجارة”، وهو “ما يعكّر المياه للسلطات”. فقد خسر أعصمانوف ديلبر ممتلكات أخرى، لكنه لا يزال مالكها، وجزءاً من ثروته البالغة 10 مليارات جنيه. فمصادرة الأصول المجمدة ستظل نقطة خلافية للسلطات في بريطانيا والخارج. وعندما تحاول، وبالقانون مصادرة الأموال المجمدة، يجب أن تقدم الدليل القاطع أن هذه الأموال تمّ الحصول عليها بطرق غير شرعية. ويقول مستشار في لندن “فكرة استسلام هؤلاء الناس وترك الحكومات تبيع يخوتهم وبيوتهم وممتلكاتهم الأخرى عبثية”، و”إذا قررت الحكومة المضي في معركة قانونية مع الأوليغارش وإنفاق ثروات، فقد تستمر لسنوات، وتكلّف دافع الضرائب ثروة هائلة كأتعاب للمحامين”. وأضاف موظف في شركة عقارات “ليس لدي علم ببيع أيّ شيء روسي منذ بداية الحرب”، و”لن تحاول الحكومة الضغط في هذا الموضوع، وستخاف من المماحكات القانونية، وأعتقد أن هذه العقارات ستظل مجمدة في الوقت الحالي أو لسنوات”.
نُقل حوالى تريليون دولار من “المال الوسخ” إلى مناطق أخرى. وهناك أموال وجدت طريقها إلى قبرص ودبي.
كما أن اليخوت والبيوت في لندن لا تشكّل إلا جزءاً صغيراً من ثروة الأوليغارش، فمعظم أموالهم بعيدة عن منال السلطات الغربية، فقد رضيت مدينة المال في لندن، وعلى مدى السنوات الماضية، بلعب دور الوسيط للمال الروسي وإخفائه في الملاجئ الضريبية، مثل بريتش فيرجين أيلاندز. وهو ما يطلق عليه “مغسلة لندن” ودواليبها لم تعد متاحة لحلفاء بوتين، إلا أنها مفتوحة للاعبين لديهم مال وسخ يريدون تنظيفه. ويرى المجلس الأطلنطي في الولايات المتحدة أن الأوليغارش الروس ربما نقلوا حوالي تريليون دولار من “المال الوسخ” إلى مناطق أخرى. فهناك أموال وجدت طريقها إلى قبرص ودبي، مناطق ربما لن تكون معادية لبوتين ورجاله. ولكن هناك روسياً واجهَ عقوبات أسوأ من الآخرين. فقد أعلن رومان أبراموفيتش أنه سيتكفّل بـ 1.5 مليار جنيه من القروض لنادي تشيلسي، وقال لاحقاً إنه لا يتوقّع الحصول على فلس من مبيعات النادي، والذي قدّرت الصحيفة ثمنه عام 2021 بـ 2.4 مليار جنيه. وإلى جانب خسارته 3.9 مليار جنيه من تشيلسي فقد تراجعت قيمة شركته إيفراز المسجلة في السوق المالي. وتقدّر ثروته هذا العام بـ 6 مليار جنيه، بخسارة النصف عن العام الماضي، مما يجعله أكبر الخاسرين بمرتبة 28. وتراجعت ثروة كل من ميخائيل فريدمان وجيرمان خان وأليكسي كوزميتشي ممّن صنعوا ثرواتهم معاً. وكلهم فرضت عقوبات عليهم لعلاقتهم مع الكرملين، وثلاثتهم في قائمة أثرياء هذا العام في المرتبة 50.
وعلى مدى السنوات الماضية فرشت بريطانيا البساط الأحمر للأثرياء الروس، وربما انتهى هذا العهد، لكنه لا يعني بالضرورة قطع أموال الأوليغارش من المال البريطاني، أو أن أصدقاء بوتين في لندن سيفلسون قريباً.
على مدى سنوات فرشت بريطانيا البساط الأحمر للأثرياء الروس، ربما انتهى هذا العهد، لكنه لا يعني بالضرورة أن أصدقاء بوتين في لندن سيفلسون قريباً.
وترى الصحيفة أن زيادة كلفة المعيشة والتضخم لم يؤثرا على حجم الثروة في بريطانيا. وتقول إن زيادة الثروة في مدى عام واحد تعود إلى قوة السوق المالي وصناديق الأسهم الخاصة التي تعمل على تضخيم قيمة الشركات. واحتلّ سري وغوبي هيندوجا المرتبة الأولى بثروة قدرت بحوالي 28.472 مليار جنيه، وهي أضخم ثروة تنسب لعائلة أو فرد في تاريخ القائمة. وخصصت العائلة مبلغ 300 مليون جنيه لشركة سيارات كهربائية في ليدز، إلا أن خطة تحويل مكتب الحرب القديم إلى فندق راق مثيرة للجدل. ووصف المعلق سايمون جينكنز قرار تحويل مكتب الحرب إلى فندق بـ “الفضيحة الوطنية”، وكان يجب استخدامه لمكاتب الحكومة، وهي بناية تاريخية استخدمها وينستون تشرشل لإدارة الحرب العالمية الثانية، وتساءل “هل سيحولون داونينغ ستريت تالياً”. ومن الذين وردت أسماؤهم وزير الخزانة ريشي سوناك، وهو أول مسؤول حكومي يدخل القائمة. وجاء دخوله للقائمة بسبب زوجته أكشتا مورتي، التي تملك حصة 690 مليون جنيه في شركة تكنولوجيا معلومات في الهند.
المصدر : القدس العربي