العلاقات الإيرانية – الجزائريه هل ستعود إلى سابق عهدها بعد المصالحة مع السعودية …؟
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات….
في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين كانت العلاقات الجزائريه وطيدة مع إيران في عهد الشاه المخلوع، حيث رعت يومها الجزائر توقيع الشاه محمد رضا بهلوي ونائب الرئيس العراقي حينذاك صدام حسين على الأتفاق الشهير بين إيران والعراق سنة 1975 والمشهور بإتفاق الجزائر والتي وضعت حداً للخلاف الحدودي بين البلدين، ولم يكن مستغربأً بالنسبة للجزائر ألتي نجحت في فض الخلاف الحدودي الإيراني ـــ العراقي أن ترفض سنة 1978 طلب أية الله روح الله الموسوي الخميني الإقامة فيها بعد إبعاده من النجف في العراق فتوجه إلى نوفل لوشاتو بأحد ضواحي باريس، وكان قيام الثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979 أي قبل ( 44 ) عاما قد لقي ترحيبأً من طرف الجزائر ذات الإرث الثوري والمليون شهيدا، حيث زار الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد إيران سنة 1982، وحتى بعد قطع العلاقات الدبلوماسية الإيرانية – الأميركية سنة 1980 ظلت الجزائر راعية المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة، وكان للدبلوماسية الجزائرية المحنكة دورأً فعالأً في التوصل إلى إتفاق إيران في قضية الطلبة الأميريكيين الرهائن في السفارة الأميركية في العاصمة الإيرانية طهران والتي أفرجت عنهم هذه الأخيرة، ولقي وزير الخارجية الجزائري محمد الصديق بن يحيى حتفه رحمه الله أثر تحطم طائرته على الحدود التركية العراقية في عام 1982 خلال وساطته بين إيران والعراق، وتبقى الحقيقة تقول بأن العلاقات الإيرانية – الجزائريه قد ظلت تحكمها البرغماتية والتي تعتبر هي التوجه الرئيسي الذي يحكم العلاقات الدولية بشكل عام، فكل الدول مهما أختلفت مبادئها وأهدافها وحتى حجمها ستظل تكرس كل الوسائل الممكنة لحماية مصالحها القومية، والبرغماتية تبقى تعتبر إحدى محركات السياسية الخارجية، وإيران تعد من الدول التي تمتلك علاقات متوازنة مع مختلف دول العالم خاصة في ظل تمسكها بمبدأ الحياد واحترام الشؤون الداخلية لكل الأطراف كغيرها من بقية دول العالم، دون أن ننسى بأن إيران في حقيقتها تمتلك أيضاً مجموعة من المبادئ والأهداف الثابتة، ضمن سياساتها الخارجية التي تتسم بقدر كبير من البرغماتية مع الحفاظ على المبادئ ذات البعد القيمي التي تعتبر من محددات الدولة، وللجزائر علاقات تاريخية مع إيران ليست من اليوم وإنما منذ فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين في عهد الشاه، وسيظل تاريخ الثورة الإسلامية في إيران يحتفظ للمفكر الإيراني علي شريعتي لموقفه الشجاع من الثورة الجزائرية حيث تم سجنه من قِبل الإستعمار الفرنسي بسبب دعمه للثورة في المحافل الدولية خاصة بعد أنضمامه للجهاز الإعلامي في فرع جبهة التحرير الوطني بالعاصمة الفرنسية باريس، وبعد إستقلال الجزائر من الأحتلال الفرنسي عام 1962، حيث أصبحت الجزائر كغيرها من الدول تتحرك من منطلق تبني علاقات خارجية تحت شرط الإعتراف الدولي والتبادل الدبلوماسي، فكانت إيران يومها من بين أوائل الدول السبّاقة للأعتراف بإستقلال الجزائر كما كانت الجزائر من جهتها من الدول الداعمة لإيران في ثورتها، ولم تتوقف العلاقات الإيرانية – الجزائريه على خطابات الأخوة والصداقة وإنما كانت قد أمتدت إلى المساعدة المباشرة، وكانت قد توّسطت الجزائر بين كل من إيران والعراق العام 1975، حين تم وضع حد للخلاف الحدودي بين البلدين، كما كانت قد عملت أيضآ على رعاية المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية الإيرانية – الأميركية عام 1980، ولم تتعكر علاقات البلدين إلا عندما خالفت إيران مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والذي يعتبر أحد أبرز مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية، وهو ما قد جعل العلاقة بين البلدين تمر بمرحلة فتور وأنتهى الأمر بينهم إلى قطع العلاقات الدبلوماسية إبتداءأً من العام 1993، وأتهمت الجزائر إيران بدعمها السياسي والإعلامي للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وانتهى الأمر إلى قطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع إيران 1993 واتهام إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية الجزائريه، هذا وتراجعت الجزائر عن رعاية المصالح الإيرانية في أمريكا، وترسخت العلاقة بين الجزائر وإيران وأعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 2000 وتم تبادل السفراء في عام2001 ، وزار الرئيس الأسبق بوتفليقة إيران في عام 2003 كما زار الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الجزائر في عام 2004 وكان بذلك أول رئيس إيراني يزور الجزائر منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وقد أعلنت إيران عن دعمها سياسة الجزائر الساعية إلى المصالحة الوطنية، وتكثفت الإتصالات واتسع التعاون بين البلدين وفي عام 2006 تبادل البلدان العديد من الوفود السياسية والثقافية والتجارية والمالية، حيث أقامت يومها إيران أول معرض تجاري للصناعة الإيرانية في الجزائر، كما أنشأ البلدان لجنة أقتصادية مشتركة عقدت أول اجتماع لها في جانفي عام 2003 في الجزائر، وانبثق عن هذه اللجنة ألتي غطى أهتمامها الكثير من المجالات، حيث تم توقيع عشرين مذكرة تفاهم بين البلدين، تشمل العديد من المجالات، أبرزها الصحة الحيوانية والزراعه والمالية والتعليم العالي والصناعات الصغيرة والتعاون القضائي ويمكن القول بأن العلاقات الإيرانية – الجزائريه قد برزت منذ إستئنافها مطلع القرن الـ 21 ، ضمن الأوساط الديبلوماسية والإعلامية بسبب النقلة النوعية في تلك العلاقات العميقة، حيث إنتقل الأهتمام من البُعد السياسي فقط إلى الإقتصادي خاصة في مجال الطاقة والغاز ، إذ تسعى إيران بالوصول في علاقاتها مع الجزائر إلى بعد عالي من التنسيق والتحالف والشراكة الإستراتيجية خاصة وأن البلدين إيران والجزائر يتمتعان بعلاقات إیجابیة وبناءة على كل الأصعدة والمجالات المتاحة خاصة بعد إبرام نحو 70 وثیقة للتعاون الثنائي حتى نهاية 2022 ، وبالنظر إلى تاریخ العلاقات بین الشعبین، یتوقع أن یكون مستقبل علاقات البلدین في كافة المجالات مشرقاً جداً، وحتى في فترة التوتر ما بين الجزائر والمغرب كانت قد سلكت إيران تياراً معاكس تمامآ بباقي الدول بتأييدها قرار قطع العلاقات مع المغرب، حيث ساندت إيران قرار الجزائر بقطع العلاقات مع المغرب جعلت إيران الأسباب التي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر تحظى بإهتمام جدي وأن تلقى الرد المناسب على مخاوف الجزائر بشأن التهديدات الأمنية والمّس بوحدتها وسيادتها، وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت إيران قد أشادت بموقف الجزائر من تطورات المنطقة، لا سيما الإجراءات تجاه إسرائيل إنطلاقا من كل ذلك يمكن القول بأن العلاقات الإيرانية – الجزائريه مستقرة إلى حد كبير، وتحمل في طياتها مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، فهي علاقة ندية قائمة على تعاون أقتصادي وسياسي يهدف إلى تطبيق مبادئ السياسة الخارجية لكل دولة ويبقى القول عادة تختلف الأبعاد التي تُبنى على أساساها العلاقات الدولية، إذ نجد فيها أبعادأً اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وعسكرية وحتى ثقافية التي يجب أن تكون كلها لخدمة البلدين، فالتعاون الإقتصادي هو أحد دعائم التحالف العسكري، والتحالف العسكري بدوره يؤدي إلى التوافق السياسي في القضايا والمصالح المشتركة .
من هنا يمكن القول بأن هناك خصوصية ما في العلاقات الإيرانية – الجزائريه نظراً لوجود تشابه بينهما في أحتياجهما لبعضهما، ليس أقتصادياً أو ثقافياً فقط وإنما دبلوماسياً وسياسياً، فالدول بمختلف أحجامها وأهدافها – تحتاج إلى حلفاء يدعمونها في قضاياها المحورية المشروعة على غرار التعاون الإيراني- الجزائري المشترك في الملفات الإقتصادية لا سيما بعد إبرام إتفاقيات عديدة في هذا المجال الحيوي، بالإضافة إلى تتطابق وجهات نظر الدولتين حول العديد من القضايا العربية الإقليمية والدولية، حيث أن مواقف إيران مؤخراً تناغمت مع المواقف الجزائريه تجاه عدة محاور، ناهيك عن وجهة النظر المشتركة حول التحركات المغربية المهددة للأمن الإقليمي لشمال إفريقيا ودعم إيران لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وإذا تحدثنا عن علاقة إيران بالمغرب، يمكن القول بأنها كانت تمتلك علاقات متدهورة، بداية في العام 2009 حيث قطعت الأخيرة علاقاتها مع طهران بعد تصريح مسؤول ديني إيراني بأن البحرين جزء من إيران، وبعد عودة العلاقات، قطعت الرباط من جديد علاقاتها مع إيران عام 2018، بعد إتهامات الأخيرة بإرسال عناصر من حزب الله اللبناني لتدريب جبهة البوليساريو، التي تطالب بإنفصال الصحراء الغربية عن المغرب، وتزويدها بالسلاح، بالإضافة إلى الإتهامات المغربية بدور مزعوم لإيران في الصحراء الغربية ترجم بقطع العلاقات في عام 2018، بعد إتهامات المملكة المغربية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها تهدّد أمن المنطقة والمغرب، قد زاد تدهور العلاقات بينهم بعد توقيع إتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل من غضب الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث في الوقت الذي تعتبر فيه المملكة المغربية إسرائيل المحتلة لفلسطين حليف إستراتيجي مهم، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبره كيان محتل ومجرم، وبعد أن قُطعت الجمهورية الإسلامية علاقاتها مع المغرب تبقى تحاول توظيف تقاربها مع الجزائر، وحتى التوتر القائم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض دول الخليج العربي يعد أحد الدوافع لإتخاذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية موقف مؤيد للجزائر في محاولة للضغط وتوجيه رسائل بأنها موجودة في منطقة شمال إفريقيا وبإمكانها تهديد المصالح الخليجية هناك، جاء هذا في الوقت الذي تبحث فيه الجزائر عن تحقيق مجموعة من الأهداف في مقدمتها المحافظة على المصلحة الوطنية بما لا يتنافى مع المبادئ التي تقوم عليها سياستها الخارجية، هذا ويبقى بأن إعادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية علاقاتها مع الجزائر سيحقيق لها مكاسب أكثر من الجزائر خاصة في ظل منافستها مع إسرائيل المحتلة ودول الخليج على شمال إفريقيا، حتى وإن كان هناك من يرى العكس بإعتبار الجمهورية الإسلامية الإيرانية لاعباً إقليمياً مهماً وله ثقل سياسي، وعلاقاته بالجزائر مبنية على أساس تكافؤ المصالح، كما أنه في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المتأزمة، تحتاج كلا الدولتين إلى الدعم في القرارات الصائبة والمشروعة لحماية السيادة والأمن القومي، وتبقى تنظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية للجزائر على أنها قوة إقليمية في شمال إفريقيا لا يمكن تجاوزها، فموقعها في قلب المنطقة المغاربية يشكل محور إتصال بين الشرق والغرب وهذا مهم جداً، وبالرغم من التقاطع الكبير بين البلدين في السياسة الخارجية، إلا أنها تعاني في بعض الأحيان من تباعد في المواقف السياسية كرفض الجزائر المستمر لتدخل إيران في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية كالعراق ولبنان واليمن إنطلاقا من أن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول يظل يشكل أحد أبرز مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية، وتبقى إيران حسب خبرتي بالسياسة الخارجية الإيرانية ترحب بالشراكة الجزائريه في إطار العلاقات الدولية المتكافئة بهدف تحقيق مصالح سياسية وأقتصادية مشتركة، وفي نفس الوقت لا ترحب الجزائر بتنافس أو صراع دولي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول أخرى تمتد من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا، ولن تكون الجزائر أو شمال إفريقيا ساحة منافسة دولية، في وقت السياسة الخارجية للدول دائماً تبقى تغلب عليها المصلحة العليا الوطنية، في وقت تبقى فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدة لوضع خبراتها في مجال الطاقة النووية تحت تصرف الجزائر .
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات