مجموعة بريكس هل تقترب إلى توحيد عملتها … ؟
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات…
علينا أن نعترف أن عالم اليوم هو عالم التكتلات والتجمعات لأنه أصبح من الصعب على أية دولة في العالم أن تعيش منفردة، ومن هذه التجمعات العالمية هناك تجمع ( بريكس ) هذا التجمع الذي أصبح يسعى إلى توحيد عملته بعملة مشتركة جديدة، في وقت التبادل بين دول المجموعة بالعملات المحلية في إزدياد خاصة منذ تجميد الأصول الروسية الخارجية، وتشكل دول بريكس نحو 31.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومع أنه ليس هناك تأكيد على أن قمة دول بريكس ألتي تستضيفها جنوب أفريقيا في الـ22 أب الجاري ستناقش إطلاق عملة موحدة لدول المجموعة أم لا، إلا أنه من المؤكد أن تعزيز التعامل بين دول المجموعة بعملاتها المحلية سيكون بنداً مهماً على جدول الأعمال، فتجمع الدول الخمس الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، تجمع أقتصادي ربما أكثر منه سياسي، وكان أول من أشار إلى مناقشة القمة طرح عملة موحدة هو سفير جنوب أفريقيا لدى بريكس ( أنيل سوكال ) الشهر الماضي، وكان قد أكد نائب رئيس الوزراء الروسي أليكسي أوفرتشك بأن مجموعة بريكس تناقش في قمتها بجنوب أفريقيا هذا الشهر طرح عملة موحدة، ألا أن سوكال عاد وتراجع عن تصريحاته، قائلاً للصحافيين الشهر الماضي ” لم يكن هناك أي نقاش حول عملة موحدة لبريكس وليست على جدول الأعمال”، لكن الدبلوماسي الجنوب أفريقي أشار إلى أن الدول الخمس في المجموعة ستستمر في جهودها للأبتعاد عن الدولار الأميركي في تعاملاتها، مضيفاً أن ما قلناه وما نحن مستمرون في تعزيزه هو التجارة بالعملات المحلية وتسوية المعاملات بالعملة المحلية، وسواء نوقشت فكرة طرح عملة موحدة لدول المجموعة أم لا في قمة هذا الشهر في جنوب أفريقيا، لكن من المؤكد أن بحث الأبتعاد أكثر من الدولار الأميركي في التعاملات بين دول المجموعة بعضها بعضاً ومع شركائها بغير الدولار سيعني مزيداً من تراجع أهمية العملة الأميركية وهيمنتها العالمية، ومنذ أول قمة لمجموعة بريكس في عام 2009، ألتي أشتق إسمها من الحروف الأولى للدول الأربع التي أسستها وهم البرازيل وروسيا والهند والصين، إذ ينظر إليها العالم على أنها القوة الإقتصادية الصاعدة سريعة النمو ألتي يمكن أن تغير وضع الإقتصاد العالمي، وفي العام التالي 2010 أنضمت جنوب أفريقيا للمجموعة كي تمثل كل القارات الرئيسة على الأرض فيها، وتضم الدول الخمس أكثر من ثلث سكان الكرة الأرضية، وبنهاية الربع الأول من هذا العام أصبحت دول “بريكس” تشكل ما يصل إلى نسبة 31.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما أنخفض نصيب أقتصادات دول مجموعة السبع الغنية إلى نسبة 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، متوقعاً أن تشكل أقتصادات دول “بريكس” أكثر من نصف الإقتصاد العالمي بحلول عام 2030، وقبل عامين وصل الناتج المحلي الإجمالي لدول “بريكس” مجتمعة إلى 26.03 تريليون دولار، وهو ما يزيد على حجم الناتج المحلي الإجمالي لأكبر أقتصادي بالعالم في الولايات المتحدةالأمريكية، لدى الصين الإقتصاد الأكبر، فهو ثاني أكبر أقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدةالأمريكية، بناتج محلي إجمالي يقارب 17 تريليون دولار، بينما بقية دول بريكس فاقتصاداتها أصغر بناتج محلي إجمالي أقل من 3 تريليونات دولار لكل منها، إلى ذلك ستناقش قمة جنوب أفريقيا لمجموعة “بريكس” طلبات 22 دولة للأنضمام إليها، ومن المرجح أن تكون المملكة العربية السعودية الأوفر حظاً للأنضمام للمجموعة، وفي حال توسع المجموعة لتضم أكثر من الدول الخمس، سيكون حجم نصيبها من الإقتصاد العالمي أكبر، ومن شأن ذلك أن يوسع نطاق تعاملات تلك الدول بعيداً من الدولار الأميركي، سواء بالعملات المحلية أو حتى بالتفكير في إطلاق عملة موحدة، وكانت قد زادت وتيرة إبتعاد دول كثيرة عن التعامل بالدولار الأميركي في العام الأخير عقب العقوبات الإقتصادية غير المسبوقة ألتي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب على روسيا، وتضمنت منذ البداية تجميد أصول روسيا الخارجية المقيمة بالدولار التي تزيد على ثلث تريليون دولار، ويقول المدير السابق لصندوق الإستثمار ” فيديليتي فندكريس غاليزيو ” في مقابلة مع مجلة ” فورشن ” هذا الأسبوع ” سيسجل اليوم الذي أستولت فيه الولايات المتحدة على أصول الإحتياطات الروسية في التاريخ على أنه يوم مماثل لما حدث عام 1944 طبعا بريتون وودز وما حدث عام 1971 حين ألغى ريتشارد نيسكون قاعدة الذهب، وأضاف إنه ” تحول في مسيرة العملة “، إذ أظهر ذلك اليوم لكل بلد حول العالم أن أحتياطاتها ألتي تحتفظ بها بالدولار الأميركي يمكن أن تصادر في أية لحظة بحسب رغبة الحكومة الأميركية، وبعد تجميد أصول روسيا الخارجية العام الماضي من أميركا والدول الغربية وحظر تعامل روسيا مع نظام المراسلات المالي العالمي (سويفت) لجأت روسيا إلى التعامل في مبادلاتها الخارجية بالعملات المحلية في مقابل الروبل الروسي، ودفع ذلك أيضاً الصين إلى العمل على زيادة حصة عملتها اليوان من المعاملات التجارية الدولية، إلا أن جهود دول “بريكس” للأبتعاد عن الدولار الأميركي بخطوات ثابتة لم تتوقف منذ تكوين المجموعة قبل نحو عقد ونصف عقد من الزمن، ففي عام 2010 جرى إطلاق ” آلية التعاون بين البنوك لدول بريكس ” بهدف تسهيل المدفوعات بين بلدان المجموعة بالعملات المحلية لتلك الدول، كما بدأت دول بريكس في تطوير نظام بريكس باي، وهو نظام مدفوعات بين دول المجموعة تتم المعاملات عبره من دون تحويل العملات المحلية للدولار ويتم حسم سعر الصرف مباشرة بينها، وفي عام 2014 أطلقت دول المجموعة بنك التنمية الجديد، الذي ينص إتفاق تأسيسه على توفير التمويل بالعملات المحلية للدول الأعضاء، إلا أنه حتى هذا العام كان التمويل في أغلبه بالدولار، ووصل حجم التمويل بالعملات المحلية إلى نسبة 22 في المئة من محفظة البنك الائتمانية، ويستهدف الوصول بتلك النسبة إلى نحو 30 في المئة بحلول عام 2026، وفي غضون ذلك أطلقت دول مجموعة بريكس مبادرة لتأسيس مؤسسة تصنيف أتماني بعيدة من المؤسسات الغربية الثلاث الكبرى، وعلى رغم عدم تحقق المبادرتين إلا أن توسع المجموعة بأنضمام دول أخرى غير الدول الخمس يمكن أن يعيد إحياء تلك المبادرات، إلى جانب تعزيز الخطوات على صعيد البعد من الدولار، هذ وتعد البرازيل وروسيا أكثر المتحمسين لإطلاق عملة موحدة لدول مجموعة ” بريكس “، ربما على غرار العملة الأوروبية الموحدة للإتحاد الأوروبي اليورو ألتي أطلقت مطلع القرن الحالي، بل إن بعض التقارير تكهنت بأسم العملة المتوقعة وأنه سيكون بريك، ومنذ بدأ الحديث عن عملة مجموعة بريكس، وفي إطار البعد عن الدولار، تكرر التأكيد أن قيمتها ستكون مربوطة بالذهب، وأثار ذلك كثيراً من الجدل إذ ألغيت قاعدة ربط العملات بالذهب منذ مطلع السبعينيات ومن غير المؤكد جدوى العودة لتلك القاعدة مجدداً، خصوصاً مع محدودية الذهب حجماً والحاجة الدائمة إلى التوسع في توفير السيولة للتمويل، أي زيادة حجم النقد المتداول، ومنذ إلغاء قاعدة الذهب لم تعد البنوك المركزية في حاجة إلى زيادة نصيب الذهب من أحتياطاتها كسند لعملتها الوطنية، إلا أن إقبال تلك البنوك في الدول التي تخوفت بعد الإجراء الأميركي بتجميد أحتياطات روسيا على شراء الذهب زاد في العام الأخير، مع ذلك يظل الدولار يحتل المكانة الأولى كعملة أحتياط عالمية، وأيضاً كعملة حسم مبادلات تجارية وغيرها حول العالم، ومع أن اليورو الأوروبي أصبح يمثل نحو خمس تلك التعاملات بعد طرحه بنحو ربع قرن، إلا أنه لم يتمكن بعد من إزاحة الدولار عن الصدارة، وصحيح أن نصيب اليوان الصيني في التعاملات الدولية إرتفع من نسبة إثنين في المئة إلى أقل قليلاً من خمسة في المئة في العام الأخير، إلا أن تلك الزيادة تعود في معظمها لحجم التعاملات بين الصين ورسيا بالعملات المحلية بين موسكو وبكين باليوان والروبل، لكن ربط العملة المحتملة لمجموعة بريكس ليس العقبة الوحيدة أمام إطلاقها، حتى لو لم يكن ذلك في قمة جنوب أفريقيا هذا الشهر كما ترغب البرازيل وروسيا، فهناك عقبات أخرى تتعلق بالنظام المالي والنقدي لكل بلد من بلدان المجموعة، ناهيك بالحسابات السياسية والإستراتيجية لكل دولة ألتي تتجاوز السياسات المالية والنقدية، إلى ذلك يظل من شبه المؤكد، بحسب كثيراً من الآراء والتحليلات، أن مسيرة إبتعاد دول “بريكس” من التعامل بالدولار الأميركي مستمرة وفي تصاعد، مثلها في ذلك مثل دول أخرى عديدة حول العالم بدأت تفقد الثقة في أن الدولار هو العملة الآمنة تماماً كمخزن للثروة خصوصاً بعد تجميد الإحتياطات الدولارية الروسية، وسيزيد ذلك من وتيرة تآكل مكانة الدولار كعملة عالمية أولى، وربما معها أيضاً تراجع دور أميركا الخارجي في العالم، فعلى مدى ربع القرن الأخير أنخفضت الإحتياطات الأجنبية لدول العالم بالدولار الأميركي من نسبة 75 في المئة إلى ما يزيد قليلاً على نسبة 55 في المئة، وهي نسبة مرشحة للتراجع أكثر، سواء أطلقت مجموعة بريكس عملتها الموحدة أم واصلت الأبتعاد من الدولار فحسب .
لذا علينا أن نعترف أننا أصبحنا نعيش عالم التكتلات والتجمعات، فأين الدول العربية من هذه التكتلات والتجمعات.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات