الكاتبة المصرية امل رفعت: الكاتبة العربية تعاني من الإقصاء في الساحة الأدبية والإبداعية
حاورها من باريس ــ حميد عقبي
يحاول المشهد الأدبي المصري تجاوز الكثير من المعوقات وخاصة المادية فالحصول على دعم لنشر أي عمل إبداعي أصبح من المستحيلات والكثير من الكتاب والكاتبات الشباب يطالبون بالعدالة من حيث الدعم المعنوي والمشاركات في الفعاليات الثقافية وعدم حصر المشهد لبعض الأسماء القليلة بجعلها نجوما عالية.
في ضيافتنا اليوم القاصة والشاعرة المصرية امل رفعت لها عدد من الإنتاجات المنشورة وهي ترى أن الكاتبة والشاعرة المصرية المصرية تكتب من منطلق نفسي؛ وهذا المدخل يلعب دورا هاما في كتاباتها ويجعلها أكثر صدقا والمرأة تكتب عن نفسها وهمومها أكثر من الرجل، كما عبرت عن قلقها للمضايقات والتحرش الجسدي والنفسي في كل مكان وكذا حالة من الإقصاء والتجاهل المتعمد من الهيئات الأدبية وتطالب بضرورة معالجة هذا الخلل ودعم المبدعات بكل الوسائل…نرحب بضيفتنا وإليكم الحوار.
* يبدو أن المشهد الأدبى السكندرى يتمتع بديناميكية نشطة..بودنا أن تصفيه لنا؟
ـ أجل في الحقيقة أن الإسكندرية الآن تشهد طفرة أدبية في الشعر والسرد والرواية بعد إخفاقة استمرت سنوات قبل وبعد ثورة 25 يناير 2011 واستمرت عدة سنوات وكأن الأدب في مصر كلها كان يستعد لثورة ثقافية موازية لثورتين متواليتين تغيرت الأحداث الإجتماعية والإقتصادية فيها كرسم بياني لرجل يحتضر؛ نتاج هذه التغيرات زاد الإرتقاء بالقصة القصيرة جدا كنوع من التمرد على كل قديم وعرف شعر الهايكو واستخدمه الكثير من الشعراء وزاد في الإرتقاء حمل مكتبة الإسكندرية شعلة الإنطلاق لإحتضان الأدباء وأنتعش مختبر السرديات واستعاد نشاطه وأصبح بوتقة إنطلاق العديد من الأدباء الشبان وغير الشبان من المغمورين وإستعادة لمكانة المشهورين ودعوة المكتبة للأدباء من كل الدول العربية ومناقشة أعمالهم الأدبية وإقامة معرض سنوى للكتاب وآخر للسرديات ومختلف الفنون الأخرى ولا نغفل انتعاش قصور الثقافة وتزاحم الأدباء لمناقشة أعمالهم الأدبية وتقيمها داخل تلك القصور وبدأ زحف الإنتعاشة إلي العاصمة القاهرة..وأتمنى أن تكون الإسكندرة مهدا للثقافات وتستعيد مجدها منذ عصر الإسكنر المقدوني.
*كثيرات ينشطن بنشر نصوصهن عبر مدونات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي..برأيك هل تكفي هذه الوسائل ليصل صوت الإبداع؟
ـ أرى أن الإنترنت سلاح ذو حدين ، أولا لنشر ثقافة واعية منظمة تستهدف متلقي متوفر خلف الشاشة يتلقى وجبة ثقافية دون أى إنفاق مالى وهذا هدف يضمن إنتشار سريع لأن الجيد يطفو فوق السطح وينادي كل متشوق للقراءة؛ وهذا يضمن إنتشار للشاعر والقاص، وتساعد هذا الإنتشار المسابقات الأدبية داخل العديد من الصفحات الأدبية على مستوى العالم العربي تهدف الى مساعدة المبتدئين وفرز الصالح من الطالح والأخذ بيد المواهب من الجنسين ، وبالنسبة للمرأة فالإنترنت يظل مساحة مهمة لنشر النصوص من خلاله وكان إنطلاقة لها وخاصة في مجتمعنا الشرقى الذى مازال يرغمها على التصوف فى البيت والتعبد فى محرابه دون الخروج لتحقيق أحلامها ومازال..الجانب السلبى هو همجية النشر والكتابة دون هدف أو موهبة وقد توجد الموهبة ولا تجد التقويم ومعرفىة الطريق السليم للوصول للهدف..كذا أن الإنترنت ليس نهاية المطاف.
*أصبحت النساء في عالمنا العربي تباع كجوار وتكثر طرق الاستعباد للمرأة العربية. ككاتبة وشاعرة كيف تشخصين ما يحدث؟ وكيف ينعكس هذا في كتاباتكِ؟
ـ الإستعباد للمرأة منذ القدم ولازال بصورة أو بأخرى، المرأة العربية تعاني من التهميش والتسلط وينعكس هذا على كتاباتها وكذلك كتابات الرجل الواعى لما يحدث حوله للمرأة العربية، ولا يخفى على أحد صور هذا الظلم؛ فمازالت المرأة العربية حاملة لراية الكفاح من أجل أسرتها الصغيرة فتقع عليها كل الأعباء وتتحمل كل التوابع النفسية لكل الممارسات التي تتعرض لها من ظواهر التحرش بأحلامها وطموحاتها ورغباتها داخل البيت وخارج البيت فالتحرش الجسدى وانتهاك حريتها واقع مخيف لا يتغير، وحتى في أقصى المجتمعات تدينا ينادون بالخمار لأن صوت المرأة عورة ووجه المرأة عورة ويأخذون بأحاديث مجهولة وينسون قول الرسول عليه الصلاة والسلام “رفقا بالقوارير” ومن يتأثر بألم المرأة غير إمرأة تشعر بمعانتها فتفضفض على السطور في مطبخها الأدبي وينتج إبداعها.
*ما هي المؤثرات لتي تلعب دورا مهما في كينونة الكتابة أو الشاعرة المصرية؟
ـ الكاتبة والشاعرة المصرية تكتب من منطلق نفسي؛ وهذا المدخل يلعب دورا هاما في كتاباتها؛ تنثر منلوجات داخلية وحوارات رائعة لمعاناتها النفسية، فتنثر إبداعها كأريج من رماد يشجى كل من يمر بكلماتها.
* الكثير من الشاعرات يصرحن بوجود معاناة وتهميش وسيطرة الأدب الذكوري..كيف تنظرين لهذا الطرح؟ وهل من حلول؟
ـ اولا أنا لست مع تقسيم الأدب إلي ذكوري وأنثوي لأن هذا التقسيم في حد ذاته غير عادل وعنصري، والمرأة أكثر تعبيرا عن الكتابة عن المرأة ، وبالرغم من أن الشاعر الكبير نزار قبانى وصف المرأة جسديا ونفسيا بأشعاره ووصل إلى بواطن ذاتها شعرا ونثرا ومقولات مأثورة؛ فهل معنى هذا أن كتابته تصنف أدب أنثوي..ما تعانيه الكاتبة والشاعرة العربية فعلا هو حالة من الإقصاء من الساحة الأدبية والإبداعية وذلك لتفوقها فى الكتابة عن الرجل وتميزها بالتعبير الشعرى والتناص والجماليات فى إبداعها.
والحل الوحيد لهذا التميز العنصري، فتح مساحات واسعة وإحتضان لأعمال المرأة وتيسير النشر الورقي لها وخاصة أن الكاتبة العربية تتفرغ للكتابة وغالبتهن لا يعملن وليد لديهن مورد مالى لمواصلة نشر أعمالهن أدبيا.
*حدثينا عن تجربتك الأدبية ومنابع هذه التجربة وأهم الانجازات؟
ـ بداية تجربتى الأدبية بكتابة الشعر الحر والنثر والخاطرة وكثرت الكتابات وأتجهت للعمودي بعد فترة واستهواني شعر الهايكو؛ أعدت تقيمها وكتابتها من جديد وخطر لى أول الأمر خوض تجربة إصدار ديوان، ولم تواتيني الجرأة إلا بعد فتح صفحة ثقافية والإشتراك في كل الصفحات الألكترونية؛ وجدت إستحسانا كبيرا ونشرت أعمالى في صحف قومية وعربية ورقية وإلكترونة؛ أصدرت أول ديوان بعنوان(حدائق البيلسان) 2014 ثم توالت الإصدارات فصدر لي ديوان (دانتيلا)ومجموعة للقصة القصيرة بعنوان (طائر الخريف)عام 2015 وصدر حديثا مجموعة قصصية 2016 بعنوان (سكرة روح) وتحت الطبع ديوان( أنية الأحلام) وبصدد أعداد الديوان الرابع ومجموعة قصصية بعنوان( أريج الرماد ) مازالت مخطوطة وسيتم مناقشتها فى مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية.
*كثيرات تأتي شهرتهن بعد نيل جائزة أو تكريم والبعض يركض وراء شهادات التقدير والتكريم ما رأيك في هذه الحالة؟
ـفعلا كثيرات يشتهرن بعد جائزة أدبية ولكن العبرة بالإستمرارية وقيمة الأعمال الأدبية بعد أول عمل لاقى نجاحا..من السهل صنع جائزة أدبية بدفع بعض المال بل نيل دكتوراه شرفية في الأدب وحمل لقب دكتور؛ لكن من الصعب تخليد أعمال من يلهثن وراء الجوائز والتقديرات؛ هناك من أشتهروا من الجنسين بعد وفاتهم لأن أعمالهم تستحق التخليد وهذا على مستوى العالم.
*من هي امل المرأة وأين تلتقي وأين تفترق وتتعارك مع امل الكاتبة ؟
ــ الإنسانة أمل رفعت بسيطة متسامحة مع ذاتها ومن حولها، الطموح والعزيمة والصبر على الوصول لأحلامها سر إنطلاقها وجعل أمل الكاتبة تطرح كل ما في داخلها على السطور دون حجاب بصدق وشفافية وهذا يزعج أمل الإنسانة لبعثرة خصوصيتها دون وعي فالعفوية والطفولية أصل فى أمل الكاتبة والإنسانة.
* البعض يرى نهاية عصر التعقيدات والشخصيات المركبة والتوجه الطرح السهل وكذا نحو الومضة والأشكال القصيرة جدا…ما تعليقك على هذا الطرح؟
ـ أعتقد أن الومضة أصعب أشكال الطرح لأنها تكثيف عالي جدا لنص يشكل فيه العنوان ضلع أساسي، وبين كل كلمة وأخرى في النص معان مختبئة بين الحروف وتعد وجبة أدبية شديدة الدسامة رغم بساطتها وتشترك مع ال ق ق ج فى الثورة القادمة فى الثقافات.
*هل يصلكم أدب المغرب العربي وهل يوجد التلقي والتفاعل الجيد مع أدباء المغرب العربي؟
ـ أكيد طبعا المغرب العربي مهد للعديد من الثقافات وأنواع أدبية راقية، فهو مهد القصة القصيرة جدا والومضة وشعر الهايكو؛ وتم إستضافىة العديد من الكتاب من المغرب العربى خاصة فى مختبر السرديات ومناقشة أعمالهم الأدبية لما لها من قيمة كبيرة وشرفت بحضور العديد من هذه المناقشات للكتاب المغاربة لكوني عضو من أعضاء مختبر السرديات.
*هل من صراعات واتجاهات في المشهد الأدبي المصري؟
ــ أجل هناك صراعات أدبية على الساحة المصرية ولكنها من وجهة نظري صراعات لتعويض ما فات من وقت مضى شهدنا فيه الكثير من الخمول والركود الثقافي..كل الكتاب الآن عندهم صراع لتوصيل أفضل ما عندهم ، وهذا يفيد الساحة الثقافية بمصر مستقبلا.
*كانت لدى الصحف المصرية ملاحق وصفحات أدبية فخمة ولها شعبية كبيرة..لماذا خف وهج هذه الصفحات والملاحق؟
ـ فعلا إختفى وهج الصحف الأدبية وذلك من ضمن ما لحق بالحركة الثقافية بأكملها خاصة بعد ثورتين متواليتين وإنشغال الناس بالأحداث السياسية واللهث وراء لقمة العيش والتقلص الإقتصادى نتاج هبوط الجنيه المصرى، كما إن هناك عامل أخر فقد أصبحت هذه الجرائد والصف إلكترونية وهذا أسهل وأرخص.
* كيف ترين نظرة الناس للمرأة عندما تكتب عن الحبيب والعشيق؟ وهل صادفتكِ مشكلة بسبب كتاباتكِ؟
ـ المرأة تكوينها عاطفي ورومانسي وتكتب بأحساسها العال اللذي منحه الله إياها فترسم أحساسها بألوان فاقعة مثيرة وهذا يجلب له العديد من المشاكل كإستنكار بعد كتاباتها ..أذكر أنى كتبت قصيدة وقلت بها إني صبأت بالحب ؛ أصبحت إشكالية وجدال ..الواقع أن توغل الكاتبة إلى عمق المشاعر الإنسانية وبثها على السطور يثير الجدل فقط لكونها تصدر من إمرأة.
* ما التأثيرات التي حدثت في كتابة الشباب خلال هذه الفترة المرتبكة التي تعيشها مصر؟وكيف تتم ترجمتها؟
ـ الشباب الكتاب مازالت كتاباته مرتبكة ومشتتة بين التعبير عن ذاته وارتباط التعبير بالأحداث المحلية والعربية شاء أم لم يشأ، يتسع الإرتباك بظهور فصائل دينية وصور ومسميات جديدة داعشية وممارسات إنسانية إمتدت للعالم العالق خارج جدران العرب ذاتهم، كل هذا يربك الشباب لكنه في ذات الوقت أصبحت عندهم على مرأى ومسمع منهم حقبة تاريخية ومادة تثري كتاباتهم.
