الولايات المتحدة الأمريكية كيف ستدير الصراع المحتمل بين إيران ـــ إسرائيل ..؟

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات….

 

العمل الإرهابي الذي قامت به إسرائيل بقصف القنصلية الإيرانية بدمشق لن يمر مرور الكرام حسب تصريحات المسؤولين السياسين والعسكرين وحتى تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران مرور الكرام، هناك اليوم تساؤل يطرح نفسه وبقوة : يا تري ما الدور المتوقع لواشنطن في أي صراع محتمل بين إسرائيل وإيران ..؟ كمراقب ومتابع للشأن الإيراني لا توقعات بحرب مباشرة لكن إستهداف القوات الأميركية وارد رغم التحذيرات ولم يخفِ كثير من المسؤوليين الأميركيين الحاليين والسابقين مخاوفهم من إحتمال أن تؤدي الغارات الجوية الإسرائيلية على مجمع السفارة الإيرانية في حي المزة بدمشق إلى تصعيد القتال في المنطقة، وأنعكست هذه المخاوف بسرعة على أرض الواقع بعدما آحبطت القوات الأميركية المتمركزة في حامية التنف هجوماً بطائرة مسيّرة، فيما خرجت حرب الظل بين طهران وتل أبيب إلى العلن مع قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، وأحتمالات أن يؤدي ذلك إلى تصعيد كبير خلال الأيام القادمة، كشف الهجوم أيضاً عن القيود المفروضة على قدرة واشنطن على السيطرة على حليفتها وعلى الأحداث في الشرق الأوسط، فما موقع الولايات المتحدة الأمريكية من أي صراع مفتوح محتمل ..؟ وما الدور المتوقع لإدارة بايدن في أجواء التوتر المقبلة ..؟ لم يخفِ كثير من المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين مخاوفهم من إحتمال أن تؤدي الغارات الجوية الإسرائيلية على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق إلى تصعيد القتال في المنطقة، وتؤدي كذلك إلى ضربات إنتقامية ضد إسرائيل وأميركا لأن الهجوم الذي أودى بحياة ثلاثة جنرالات في فيلق القدس الإيراني وأربعة ضباط آخرين الإثنين الماضي وجه ضربة قوية وموجعة لإيران، وكان قد وصف أحد كبار المسؤولين السابقين في وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية الهجوم الإسرائيلي بأنه متهور إلى حد بعيد لأنه سيسفر حتماً عن تصعيد من قبل إيران ووكلائها، مما أعتبره أمراً خطيراً للغاية على القوات الأميركية في المنطقة ألتي يمكن أستهدافها بضربات إنتقامية من قبل وكلاء طهران في المنطقة سواءاً في اليمن أو العراق أو لبنان أو سوريا، ويبدو أن هذه المخاوف إنعكست بسرعة على أرض الواقع، إذ لم تمر سوى ساعات قليلة على الضربة الإسرائيلية في العاصمة السورية دمشق، حتى أسقطت القوات الأميركية المتمركزة في حامية التنف بجنوب شرقي سوريا طائرة مسيّرة هجومية، مما يعد الإعتداء الأول الذي تشنه الفصائل المدعومة من إيران ضد القوات الأميركية في العراق أو سوريا منذ ما يقارب شهرين، وبينما أعتبرت إيران بأن الولايات المتحدة الامريكية مسؤولة بصورة مباشرة عن الغارة الجوية الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، بصرف النظر عما إذا كانت واشنطن على علم بنوايا إسرائيل أم لا، حيث سارعت واشنطن إلى نفي أي دور لها في هذا العمل الإرهابي، وأكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون بأن الادارة الأميركية لم تكُن على علم بها مسبقاً وأنها نقلت رسالة بهذا المعنى إلى إيران عبر القنوات الخاصة، وكذلك أشار مسؤولون أميركيون في وقت سابق إلى أن الإسرائيليين أبلغوا الولايات المتحدة بالضربة خلال تنفيذها، ولم يذكروا أنهم سيستهدفون مجمع السفارة الإيرانية، كما لم يطلبوا ضوأً أخضر من إدارة بايدن، لكن هذه الرسالة السريعة والنادرة من الإدارة الأميركية إلى طهران تظهر الحذر والترقب اللذين تشعر بهما الولايات المتحدة الأمريكية من أن تؤدي الضربة الإسرائيلية إلى تصعيد إقليمي وإستئناف هجمات الفصائل التابعة لإيران ضد القوات الأميركية، وهو الأمر الذي سعى المسؤولون الأميركيون إلى تجنبه مع طهران منذ هجوم حركة “حماس” على إسرائيل في السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، وحتى بعد توجيه ضربة أميركية عنيفة للفصائل الإيرانية عقب مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم من الجماعات الوكيلة لطهران على قاعدة أميركية صغيرة في شمال الأردن، ومع ذلك فإن الرسالة الأميركية وإن كانت تؤكد إلتزام واشنطن إتفاق التهدئة وضبط النفس مع إيران منعاً لتوسيع الصراع، فإنها تشير في الوقت ذاته إلى أن إدارة بايدن سترد على أي خرق لهذا الإتفاق الضمني بين الجانبين وأنه على طهران ألا تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التصعيد، لكن الهجوم الإرهابي المخالف لكل القوانين والإتفاقيات المتعلقة بحماية المنشاءات الدبلوماسية وإتفاقية فينا لعام 1961على القنصلية الإيرانية في دمشق لم يكُن مثل حرب إسرائيل على غزة، فمن خلال قتل قادة الحرس الثوري الإيراني وتدمير ممتلكات دبلوماسية محمية دولياً، بعث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى قادة النظام رسالة واضحة بأنه لن يتوقف عند نقطة محددة ولا خطوط حمراء تمنعه، بما في ذلك إندلاع حرب إقليمية، مما يعني أن حرب الظل ألتي كانت قائمة بين الجانبين منذ أعوام، يمكن أن تتطور الآن إلى صراع أوسع بكثير وربما تجبر واشنطن على الدخول في الصراع، ولهذا يتطلع كثيرون إلى الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف ذلك، لكن ما إذا كانت إيران ستغامر بتوسيع نطاق الصراع أو لا هو أمر متروك لصاحب القرار الأخير في طهران، المرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي الذي سيختار كيف سترد إيران ومتى وما إذا كان هذا الرد سيزيد من أخطار التصعيد العسكري في الشرق الأوسط وربما سوء التقدير، ومع التهديدات المتبادلة بين طهران وتل أبيب، تراقب واشنطن إحتمالات التصعيد وترسم خططها المرتقبة، ففي وقت وعد فيه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الهجوم لن يمر من دون رد، وأكد المرشد الأعلى السيد خامنئي وبتغريدة له أمس باللغة العبرية أن إسرائيل ستندم عليه، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من أن ثمن العمل ضد إسرائيل سيكون باهظاً، لكن المسار الذي سيتجه إليه الصراع سيعتمد في النهاية على كيفية الرد الإيراني ومتى سيحدث ذلك وأين إذا قررت الرد بالفعل وسط مخاوف كثيرة من سوء التقدير، ونظراً إلى الأخطار ألتي يتحملها البلدان، فلا إسرائيل ولا إيران ترغبان في شن حرب كبرى، على رغم إستمرار محاولات كل منهما الضغط من أجل تحقيق مكاسب في غزة وجنوب لبنان واليمن، حيث يبدو أن إيران تشعر بالقلق من الدخول في حرب واسعة النطاق مع إسرائيل، مما قد يجر الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه الحرب متعددة الجبهات ويشير إليه مسؤولون إيرانيون بأن طهران تخطط للرد، لكنها لن تصعد بطرق يمكن أن تؤدي إلى توجيه ضربة إسرائيلية مباشرة إلى منشآتها على الأراضي الإيرانية، بخاصة برنامجها النووي، ولهذا يرجح أن النظام لن يعلن مسؤوليته عن أي انتقام عنيف، ويمكن لطهران أن تتخذ مجموعة من الخيارات ألتي يتوقعها كثيرون منها شن هجوم إلكتروني كبير على البنية التحتية الإسرائيلية أو الجيش، أو إطلاق وابل من الصواريخ من جنوب لبنان، أو إغتيال مماثل لقائد إسرائيلي، أو شن هجوم على سفارة أو قنصلية إسرائيلية في الخارج، أو تسريع حاد آخر لبرنامج التخصيب النووي، وربما يكون الخيار الأخير بمثابة نوع من الرد المباشر على النتن ياهو الذي حذر منذ فترة طويلة من خطر حصولها على أسلحة نووية وتعهد بمنع حدوث ذلك، ويمكن أيضاً توقع أن يواصل الحرس الثوري الإيراني تصعيد حملته ضد المواطنين الإسرائيليين وأتباع الديانة اليهودية في الخارج كخطوة إنتقامية، خصوصاً أنه أستهدف خلال العامين الماضيين الأفراد اليهود والإسرائيليين في الخارج، تحديداً في أوروبا، كوسيلة لمعاقبة تل أبيب، ولا يمكن تصور أن الضربة الإسرائيلية ستؤدي إلى تصعيد أوسع بين إسرائيل وإيران، أو حتى شن حرب شاملة يشارك فيها ” حزب الله ” على طول الحدود الشمالية لإسرائيل الذي يشير إليه الجنرال المتقاعد كينيث ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية لـ”البنتاغون” ألتى تشرف على العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، إذ يتوقع أن تنتقم إيران بطريقة ما، لكنها لن تصل إلى تصعيد كبير في القتال بينها وبين إسرائيل لأن خيارات طهران لضرب إسرائيل محدودة للغاية والإسرائيليون لن يتراجعوا إذا تعرضوا لهجوم كبير، ولعل أحد الأمثلة السابقة في هذا الشأن هو تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس عام 1992 من قبل حركة الجهاد الإسلامي الذي أسفر عن مقتل 29 شخصاً رداً على إغتيال إسرائيل لزعيم ” حزب الله ” الشهيد عباس الموسوي، كما أن المثال الأكثر وضوحاً خلال الآونة الأخيرة هو رد إيران على إغتيال قائد فيلق القدس الشهيد قاسم سليماني قبل أربع سنوات على يد الولايات المتحدة الأمريكية بطائرة مسيرة، حين شنت إيران هجوماً صاروخياً كبيراً على قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، بعد تحذير الأميركيين من الهجوم مسبقاً الذي أدى إلى إصابة 100 عسكري بإصابات دماغية، ولا يعتقد بأن لدى الحرس الثوري الإيراني القدرات الضرورية للدخول في صراع مباشر مع إسرائيل، خصوصاً عندما يكون عدم الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي الناتج عن العقوبات المفروضة على إيران مرتفعاً كما هو الحال حالياً، حيث يعمل الحرس الثوري بإعتباره الضامن الرئيسي للنظام الديني في البلاد، وعلى رغم كل الضجيج الدعائي الآتي من طهران، فإنه لا يجعل توجيه ضربة مباشرة من الحرس الثوري لإسرائيل أمراً مرجحاً، وعلى خلاف ذلك، من المتوقع أن يأتي إنتقام النظام عبر شبكة وكلاء الحرس الثوري الموجهة نحو إستهداف حلفاء تل أبيب، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، إذ يدرك الحرس الثوري أنه لا ينبغي العبث بصورة مباشرة مع إسرائيل ألتي أوضحت أجهزتها الأمنية أنها ستضرب مواقع داخل إيران نتيجة لذلك، لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن الولايات المتحدة ألتي بذلت قصارى جهدها لتوضح لطهران أنها لا ترغب في أستهدف الحرس الثوري بصورة مباشرة، وتزيد هذه الفجوة في الردع من فرص توجيه ضربة من قبل الحرس الثوري الإيراني ضد المواقع الأميركية في الشرق الأوسط لأن طهران لم تشعر بعد بأي تداعيات ذات معنى لمقتل ثلاثة جنود أميركيين في شهر كانون الثاني الماضي عبر وكلائها، ولا تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن تغير إيران إستراتيجيتها في وقت قريب على الرغم من الضرر المحتمل لخسارة عدد من أبرز قيادات الحرس الثوري في الضربة الأخيرة، مثلما حدث من تدهور في السيطرة والقيادة عقب مقتل الجنرال قاسم سليماني قبل ارلعة سنوات بحسب المسؤولة السابقة في “البنتاغون” عن سياسة الشرق الأوسط دانا سترول، إذ أتخذت الفصائل المدعومة من إيران القرارات بأيديها تحت قيادة الجنرال إسماعيل قاني، القائد الحالي لفيلق القدس، لكن إستراتيجية إيران الأساسية لم تتغير قط، وستواصل طهران الإستثمار في شبكتها الخارجية من أجل إبعاد القتال من حدودها، ومع ذلك، يختلف الأمر بالنسبة إلى نتنياهو الذي من المفترض أنه وافق على مثل هذا الهجوم الحساس، ذلك أن القضاء الناجح على هذه الشخصيات العسكرية الإيرانية يأتي في وقت إزدادت حدة التظاهرات المطالبة بأستقالته، مع إستمرار الحرب ضد حركة “حماس” وبقاء الرهائن الإسرائيليين في غزة، ومن ثم يمكن للضربة أن تساعده في إعادة تأهيل سمعته كرجل لا نظير له في الحفاظ على أمن إسرائيل من خلال إظهار قدرته على إختراق الإستخبارات الإيرانية وضرب الجزء العملياتي لوكلاء إيران الإقليميين، أو ما يسمى ” محور المقاومة ” بهدف تعطيلهم وردعهم، حتى مع إستمرار الحرب في غزة، لكن في الوقت نفسه، قد لا تكون الضربة الإسرائيلية كافية لتحقيق هدف نتنياهو في ظل تورط إسرائيل في غزة وعدم هزيمة “حماس” بالكامل حتى الآن وعدم تقليص دور إيران ووكلائها، لذلك يأتي دور الولايات المتحدة الأمريكية في تحذير طهران من الخطأ في الحسابات بمهاجمة إسرائيل أو تجديد قصف القواعد الأميركية في العراق وسوريا على رغم أن أميركا قد تكون أكثر تسامحاً من إسرائيل، وعلى الرغم من إدانة الحكومات حول العالم ومنها الأردن لهجوم إسرائيل على منشأة دبلوماسية تتمتع بوضع محمي بموجب القانون الدولي والإتفاقيات الدوليه، بما في ذلك “اتفاقية فيينا” لعام 1961 ألتى تنص على أن المباني القنصلية لا يجوز أنتهاك حرمتها، إلا أن واشنطن من المرجح أن تستخدم حق النقض في مجلس الأمن الذي بدأ عقد إجتماع طارئ لمناقشة الهجوم الإرهابي على القنصلية الإيرانية بدمشق، إذ من المرجح أن تستند واشنطن إلى رواية المتحدث العسكري الإسرائيلي بأن المبنى الذي تعرض للضرب في دمشق لم يكُن منشأة دبلوماسية، بل إنه مبنى يستخدمه فيلق القدس متخفياً بموقع مدني.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
الأردن – عمان 2024/4/4

قد يعجبك ايضا