صحيفة عبرية.. للإسرائيليين: لماذا لا تبحثون عن “اللاسامية الحقيقية” في حكومتكم؟

شبكة الشرق الأوسط نيوز : خيام التأييد للفلسطينيين والمظاهرات في الجامعات الأمريكية هي انعطافة سيئة في هذه الحرب. ربما يكون عدد المحتجين ضئيلاً بالنسبة لبعد السياسة الأمريكية، لكن مظاهرات الطلاب هي موضوع رمزي يدل على الجهة التي تهب إليها الرياح السياسية: إلى اتجاه شديد ومتطرف مناهض لإسرائيل.

 بعض رسائل هذه المظاهرات لاسامية، وبعضها بعيد عن الواقع وفهمه العميق. شعارات مثل “من البحر حتى النهر” أو الطلب من اليهود “العودة إلى أوروبا”، لا تدل فقط على اللامبالاة من التخوفات المبررة في أوساط الجمهور الإسرائيلي، بل تدل أيضاً على السطحية والجهل والغطرسة. ليس بالصدفة أن يثير التطرف في المظاهرات عدم ارتياح عميق بين أوساط الليبراليين في العالم، الذين لا يتوقفون عن انتقاد إسرائيل.

لكن النظرية القائلة إن أي مشهد للدعم أو التعاطف مع وضع الفلسطينيين يجب أن يتضمن نفياً كاملاً لهوية إسرائيل ووجودها، هي صورة طبق الأصل لسياسة حكومة إسرائيل في العقد الأخير. استثمرت إسرائيل خلال سنوات الملايين في الحملات التي اعتبرت أي انتقاد للاحتلال تعبيراً عن اللاسامية، وحتى محاولة منعه كلياً.

طلاب تم طردهم من منظمات يهودية لأنهم تجرأوا على الحديث ضد المس بسكان القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، ومثقفون يهود تمت مقاطعتهم ومقاطعة أحداث شاركوا فيها لأنهم انتقدوا سياسة الحكومة. ومن عارضوا النشاطات خلف الخط الأخضر أو تبرعات الجاليات اليهودية للمستوطنات، اعتُبروا مؤيدين لحركة “بي.دي.اس”.

منظمات يهودية مثل “جي ستريت”، التي حاولت السير على خط معقد يؤيد إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، لكنه يناضل أيضاً لإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية، قاطعها ممثلو إسرائيل وشهرت بها أبواق الحكومة. تجذرت في الخطاب الإسرائيلي مقاربة متفوقة ومتغطرسة تجاههم. وأعلنت الحكومة الإسرائيلية الحرب على فكرة وجود حرية للفلسطينيين إلى جانب حرية الإسرائيليين، وطور نتنياهو وأمثاله هذه الرسالة إلى فن. والمخيب للآمال أن زعماء الوسط يتبنون هذه المصطلحات من خلال الشعبوية الطاهرة، التي فشلت في نهاية المطاف في صناديق الاقتراع. استخدمنا النضال المبرر ضد اللاسامية لنضم تحتها مواضيع غير مرتبطة بها، مثل انتقاد المستوطنات أو إدانة الجرائم التي ارتكبها جنود الجيش الإسرائيلي. وثمة موظفون عامون من اليهود أو الصهاينة، اعتبروا بسبب ذلك “أعداء لإسرائيل”. تسببنا بالضرر لأنفسنا بالقدرة على تحديد وإدانة اللاسامية الحقيقية؛ وطمس الحدود تسبب بضرر لمكانة إسرائيل وبيهود العالم. هذه الرؤية الشاملة التي لا يوجد فيها أي مكان للانتقاد أو التعاطف مع الطرف الآخر الآن، تنفجر في وجهنا. وبالضبط مثل اليمين في إسرائيل، فإن المتظاهرين في الجامعات يعتبرون النزاع لعبة مجموعها صفر، تأييد طرف من الطرفين فيها يقتضي نفي الآخر، وحتى تصفيته أحياناً.

ثمة سبب للقلق؛ فمن يتعلمون الآن في الجامعات هم الذين سيكونون أعضاء الكونغرس بعد عقد أو عقدين، ورؤساء وسناتورات بعد جيل أو جيلين. لن نسمح بأن ترافقنا صورة العالم السطحية هذه. وإذا كان شيء أثبتته الأشهر الأخيرة، فهو إلى أي درجة تحتاج إسرائيل إلى الدعم الدولي، لا سيما الأمريكي. حتى الوزراء في اليمين الذين يحبون إدانة حكومات الغرب، يعملون من وراء الكواليس كي يقوم هؤلاء بالمساعدة على إزالة تهديد لوائح الاتهام في “لاهاي”، والمساعدة في الضغط من أجل عقد صفقة المخطوفين، ومنع مقاطعة إسرائيل، ومواصلة تقديم المساعدات العسكرية، والتخفيف قرارات في مجلس الأمن.

لذا، الإجابة على المظاهرات ليست عرضاً آخر لشكل الضحية على صيغة “كل العالم ضدنا”، بل العودة إلى مكان أكثر تعقيداً، يمكنه الفصل بين الانتقاد المشروع واللاسامية. لا فرق جوهرياً بين القول “من البحر حتى النهر” من قبل اليمين في إسرائيل، وبين المتظاهرين في الجامعات. فالطرفان ليسا خصمين فكريين، بل حلفاء. يجب أن نضع أمامهم مستقبلاً أفضل للإسرائيليين وللفلسطينيين: رؤية تشمل إنسانية الطرفين، وصورة “اليوم التالي” التي تعترف بمطالبة الفلسطينيين بالتحرر من الاحتلال ومطالبة الإسرائيليين بالاعتراف والأمن.

موقف لا ينكر فظائع 7 أكتوبر، لكنه أيضاً لا يدفن الرأس في الرمل فيما يتعلق بالكارثة الإنسانية في غزة وقتل المدنيين ومشاغبة المستوطنين في الضفة الغربية. لا وقت لنبدده. في اللعبة التي مجموعها صفر، سنخسر نحن والفلسطينيون. ولن يضطر الطلاب في نيويورك أو لوس أنجلوس، لمواجهة تداعيات مواقفهم، أما نحن فالحديث عندنا يدور عن وجودنا.

ميكي غيتسن

هآرتس 15/5/2024

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.