نتنياهو المذعور من طهران

السيد شبل  …

 

“إسرائيل” المرتعدة من القوة الإيرانية باتت عاجزة عن حشد العالم ببساطة في صفّها كما كانت تفعل طوال القرن العشرين، فالعالم اليوم تبدّلت أحواله، ولم تعد واشنطن تمسك بعنقه كما كان في السابق.

ربما يُحسب لقادة الاحتلال الإسرائيلي أنَّهم يرون المعركة في غزة على حقيقتها، باعتبارها معركة ضد محور متكامل يشمل إيران وجنوب لبنان واليمن والدولة السورية والفصائل العراقية ومؤيدي المقاومة في العالم، فيما يصرّ بعض العرب على تفتيت المحور، بل يحاولون إقناع الفلسطينيين بالانعزال عن هذا الخط المقاوم، بالشكل الَّذي يسمح للاحتلال في نهاية المطاف بابتلاع ما تبقى من أراضيهم وتشتيت شمل من لم يُهجّر منهم.

المؤكد أن قوة المقاومة الفلسطينية وصلابتها في وجه الاحتلال تنبع اليوم من تعدّد ساحات محور المقاومة المشتبكة في القتال منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول. هذا في حدّ ذاته نجح في خفض حجم الهجمة التي كان يفترض أن يشنها “الجيش الإسرائيلي” على أهالي غزة، كما مثّل دعماً معنوياً هائلاً للفصائل الفلسطينية المسلحة، فهي من الآن وصاعداً لم تعد وحدها!

نتنياهو اليوم، وبعد أكثر من 10 أشهر من العدوان الهمجي على قطاع غزة، يدرك أنَّ الفشل مصيره الحتمي، لأنه عاجز عن القضاء على المقاومة، كما أنه أخفق في استرداد الأسرى كما وعد أنصاره قبل الشروع في العملية العسكرية، بل إنَّ طول أمد الحرب واتساع رقعتها كثّف الخسائر الإسرائيلية، سواء في ميدان الاقتصاد أو السياسة الدولية، بعيداً عن الخسائر البشرية.

لم ينخدع أحد بالمظهر البراق الذي حاول نتنياهو الحفاظ عليه طوال مدة خطبته في الكونغرس الأميركي في واشنطن، والجميع تابع نغمات صوته التي ارتعشت عندما عرج إلى مسألة المواجهة مع إيران، وعباراته المتكررة التي كان يستحث فيها الإدارة الأميركية لكي تصعّد استهدافها للجمهورية الإيرانية. جملٌ قصيرة مشحونة بالكلمات العاطفية، إلى الحد الذي جعلها أقرب إلى التوسلات التي تطلقها “تل أبيب” حتى يظل “الأب الأميركي” يحميها من “الوحش الإيراني”!

طوال عقود، عملت الصهيونية على تكسيح الجمهوريات العربية التي تبنّت خطاباً عروبياً ووحدوياً ومعادياً للاستعمار ومؤيداً لتحرير الأراضي الفلسطينية، وكان الهدف هو أن يبقى الفلسطينيون وحدهم من دون ظهير يقدم لهم العون والمساندة، ومن دون رفاق يخوضون إلى جوراهم معاركهم لاسترداد حقوقهم المسلوبة. اليوم، تحشد “تل أبيب” العالم الغربي ضد إيران لتكرار المخطط ذاته وباتباع وسائل مشابهة.

خلال خطبته، دعا نتنياهو إلى تشكيل تحالف أمني بزعامة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لمواجهة “تهديد إيران”، أطلق عليه اسم “تحالف إبراهيم”، معتبراً أنه سيكون بمنزلة امتداد طبيعي لـ”اتفاقات إبراهيم”، وهي “اتفاقيات السلام” التي رعاها دونالد ترمب خلال فترة حكمه عام 2020 بين “إسرائيل” وعدد من الأنظمة العربية.

المؤكد أن هذه الدعوة الصريحة من قِبل نتنياهو تكشف مدى القلق الذي ينتاب “إسرائيل” بسبب تنامي قوة محور المقاومة، حتى إنه بدأ دعوته بتوجيه الشكر إلى الولايات المتحدة بسبب دورها في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية التي تم إطلاقها من الأراضي الإيرانية مباشرةً باتجاه الأراضي المحتلة في يوم الرابع عشر من نيسان/أبريل الماضي.

تخبّط الداخل الإسرائيلي.. وتصعيد المقاومة

متابعة الإعلام العبري تُظهر ببساطة أنَّ الداخل الإسرائيلي صار يشعر بدنوّ أجل “دولته” منذ عملية طوفان الأقصى، والضربات المتلاحقة من الشمال والجنوب، والإحساس بعجز “جيش” الاحتلال عن التصدي لها، كلها أمور باتت تضاعف من حجم هذا الشعور.

صواريخ حزب الله تصل بسهولة إلى عمق “إسرائيل”، وفي أوقات سابقة تم إخلاء عشرات البلدات الواقعة على بعد 3 كيلومترات من الحدود مع لبنان، ما أدى إلى نزوح نحو 60 ألف إسرائيلي، بما يعني أن حكومة الاحتلال تنازلت فعلياً عن مناطق في الشمال لمصلحة حزب الله بسبب إطلاق الصواريخ المستمر.

وباعتراف الخبراء الإسرائيليين أنفسهم، نجحت المقاومة اللبنانية في تطوير قدراتها بشكل ملحوظ، وقامت بالتصعيد مؤخراً من خلال إطلاق وابل من الصواريخ على الجليل الأسفل في السابع من يوليو/تموز، وهو الهجوم الأوسع على الأراضي المحتلة حتى الآن. إضافة إلى ذلك، أظهرت المقاومة قدرات مذهلة في مهاجمة الدفاعات الجوية الإسرائيلية، والتحليق بطائرات من دون طيار فوق المواقع العسكرية في حيفا. وحتى الآن، لم ينجح “الجيش الإسرائيلي” في التصدي لها.

من جهة أخرى، فإنّ القوات المسلحة اليمنية صعّدت انخراطها تدريجياً في الحرب الدائرة في غزة، من استهداف السفن التجارية الإسرائيلية أو التابعة لرجال أعمال إسرائيليين، إلى قصف أم الرشراش المحتلة “إيلات”، انتهاءً بإطلاق المسيرة يافا لتصل إلى مكان قريب من السفارة الأميركية في “تل أبيب” ذاتها.

أمّا الفصائل العراقية، فلم تتردد في تنفيذ أكثر من هجوم بالطائرات المسيرة على جنوب “إسرائيل”، ما يدلّ على عمق التعاون بين الساحتين.

هذه التطورات لها انعكاسات واسعة على المجتمع السياسي الإسرائيلي، وهو ما دفع وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت إلى الهجوم على زميله في الحكومة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير واتهامه بمحاولة “تفجير الشرق الأوسط” بسبب تصريحاته المتهورة وتحريضه المتكرر على اقتحام المسجد الأقصى وتنفيذه هذا الأمر بالفعل عدة مرات منذ توليه منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2022.

من أجل هذا ذهب نتنياهو إلى واشنطن

صعوبة المعركة داخل قطاع غزة، وتنامي قوة محور المقاومة وتعدد ساحته، واستقرار الأمور الداخلية في طهران بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، كلها أمور دفعت بنيامين نتنياهو إلى الذهاب باتجاه العاصمة الأميركية لكي يطلب مزيداً من الدعم العسكري والمالي حتى يواجه الأخطار التي تحيق به.

لكنّ “إسرائيل” المرتعدة من القوة الإيرانية باتت عاجزة عن حشد العالم ببساطة في صفّها كما كانت تفعل طوال القرن العشرين، فالعالم اليوم تبدّلت أحواله، ولم تعد واشنطن تمسك بعنقه كما كان في السابق.

كذلك، فإن صورة “إسرائيل” ساءت كثيراً، وانكشف إجرامها أمام الكثير من الشعوب، حتى دونالد ترمب ذاته دعا إلى إنهاء الحرب بسرعة، لأن “سمعة إسرائيل” تراجعت، ويتم تقطيعها من قبل الرأي العام العالمي.

ربما ذلك الانطباع الكريه عن “إسرائيل” اليوم هو ما دفع نتنياهو إلى اصطحاب 4 جنود ورهينة معه إلى الكونغرس، ليقوموا برواية قصصهم حول الحرب في غزة، فيتم استعطاف الرأي العام الأميركي، ليظفر نتنياهو بمراده، وهو “دعم أكبر في مواجهة طهران”، مع ملاحظة أن من بين الجنود جندياً مسلماً من “بدو إسرائيل”، وآخر من أصل إثيوبي، وثالثاً مصاباً، أما الرابع ففقد ساقه، في ما يعد نموذجاً لعمل مؤسسات العلاقات العامة.

لكن مجهود نتنياهو لم يفلح في إقناع جميع أعضاء الكونغرس، فنصف الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ تغيبوا عن حضور الخطاب. ومن بين المقاطعين رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، وعضو الأغلبية السابق في مجلس النواب جيم كلايبورن (ديمقراطي من ولاية ساوث كارولينا)، والنائب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز (ديمقراطية من نيويورك).

وخلال الخطاب، تجمع نحو 5000 متظاهر مؤيد للفلسطينيين وداعٍ لوقف الحرب، وكان بعضهم يضعون الكوفيات الفلسطينية، وطالبوا الإدارة الأميركية بالتوقف عن تسليح “إسرائيل”، وحمل بعضهم لافتات تصف وزراء الاحتلال بأنهم “مجرمو حرب” و”أعضاء في حكومة الإبادة الجماعية”، لكن نتنياهو وصفهم “بالأغبياء الذين يعملون لخدمة مصالح إيران”.

ذهب نتنياهو إلى الولايات المتحدة، وفي الأجندة التي يحملها تحت إبطه عبارة واحدة، هي “الحشد ضد إيران”. العنصر الأساسي في خطابه داخل الكونغرس وخلال لقاءاته التي عقدها مع القادة الأميركيين كان التركيز على ازدهار قوة طهران وانتعاش أوضاعها السياسية داخلياً وخارجياً، وهو لم يطِر لأكثر من 10 آلاف كيلومتر إلا لكي يحصل على وعود من أميركا بدعم أكبر في مواجهة تلك الدولة التي تتعاظم قدراتها العسكرية والاقتصادية رغم الحصار وحملات التشويه، والتي صارت أعظم كوابيس قادة “إسرائيل”.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.