سيادة الرئيس… قبل الرحيل أترك وراءك أثرا طيبا
أحمد عويدات ….
المتابع لسياسة الإدارة البايدنية منذ عملية طوفان الأقصى وحتى يومنا هذا، ونحن على مشارف نهاية الشهر العاشر من الحرب الفاشية الإجرامية، التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، يجد اتساق وتوازن هذه السياسة الداعمة لأهداف نتنياهو وقادة الحرب في دولة الكيان، ولو أنها شهدت بعض التذبذبات العارضة المتعلقة بأسلوب إدارة الحرب، وعيار القذائف والقنابل المستخدمة في قصف المدنيين.
واليوم وبعد إعلان بايدن انسحابه من سباق الرئاسة عن الحزب الديمقراطي، لأسبابٍ بات الجميع يعرفها، أمام منافسه الجمهوري دونالد ترامب؛ فإن من يُخلي الساحة لغيره، عليه أن يترك أثراً طيباً – وإن لم يكن كاملاً – لكن يحمل معه نفحات الندم على ما اقترفته سياسته المنحازة لرموز الإجرام والإبادة الجماعية، والدعم المقدم لهم بكل أنواع السلاح الفتاك، وآخره قنابل تزن 2000 رطل، التي وصل عددها إلى نحو 14 ألفاً منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حسب وكالة رويترز نقلاً عن مسؤولين أمريكيين.
وعليه، فإن المطلوب من بايدن الكثير قبل رحيله، وقبل أن يصبح «الرئيس السابق» في ما تبقى له من ولايته، وذلك لرصف الطريق أمام نائبته كامالا هاريس، التي من المتوقع فوزها بترشيح الحزب الديمقراطي، وخوضها سباق الرئاسة بدلاً عنه. فهل ستسهم سياسته المعدّلة ومواقفه المتوقعة بحصول هاريس على أصوات الأقليات المسلمة واللاتينية والسود وكذلك الأفرو- آسيوية التي تنحدر منها؟ لذلك يؤمل من بايدن وقبل فوات الأوان:
أولاً : التوازن في النطق والمنطق حتى يغدو كلام بايدن مفهوماً ومقبولاً لجميع الأمريكيين والمهتمين بوقف الحرب على غزة.
ثانياً: الكف عن سياسة اللعب على الحبال الانتخابية واللوبية الصهيونية، واتخاذ مواقف أكثر جرأةً وعقلانيةً، تنسجم مع واقع المجتمع الأمريكي، الذي عبّرت عنه النخب في الجامعات الأمريكية والعالمية، والأصوات المسؤولة، سواء في مجلس الشيوخ أو النواب. وآخرها ما طالبت به 75 منظمة أمريكية بينها «الصوت اليهودي من أجل السلام» ببيان لها بوجوب وقف تدفق السلاح إلى دولة الاحتلال؛ لأن حكومة نتنياهو «استخدمت الدعم والأسلحة الأمريكية لقتل نحو 40 ألف فلسطيني في قطاع غزة بينهم 15 ألف طفل».
ثالثاً: الأخذ بعين الاعتبار رأي الشارع الأمريكي الغاضب، ومواقف وتصريحات الموظفين، الذين استقالوا من البيت الأبيض والبنتاغون والوزارات المختلفة، على خلفية دعم إدارة بايدن لحرب نتنياهو الإجرامية على المدنيين. وكذلك الإصغاء لصرخات آرون بوشنيل الطيار الأمريكي الذي قضى احتجاجاً على تزويد الكيان بالأسلحة، وتأييد الإدارة الأمريكية لاستمرار حرب الإبادة في غزة، وكانت آخر كلماته «فلسطين حرة».
رابعاً: الاستجابة لدعوات ومواقف الكثير من الدول المناهضة لسياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير. وإيقاف هذه السياسة المضلّلة للرأي العالم العالمي، التي استندت إلى الرواية الإسرائيلية الكاذبة لما حدث في السابع من أكتوبر.
خامساً: احترام قرارات المنظمات الدولية كافة، وعلى رأسها مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، والعمل على تطبيقها، خاصةً تلك الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية من غذاء وماء ودواء ووقود للمشافي التي خرجت عن الخدمة.
سادساً: التوقف الفوري والعملي وليس الدعائي والإعلامي عن تزويد دولة الكيان بالذخيرة والسلاح، الأمر الذي يضع مصداقية الولايات المتحدة على المحك لاسيما «أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل يفقدها مصداقيتها»، كما جاء في تقارير صادرة عن لجنة خبراء مستقلين، تضم مسؤولين أمريكيين. وكما تعهد بايدن في بداية عهده في 2021 أنه سيعمل على استعادة مصداقية الولايات المتحدة أخلاقياً.
سابعاً: رفع الغطاء عن دولة الاحتلال المارقة، وإنفاذ العقوبات الدولية عليها، وتطبيق القانون الدولي وحماية المدنيين. وإفساح المجال للجان التحقيق الدولية لأخذ دورها في التحقيق بجرائم الإبادة الجماعية، والمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال.
ثامناً: ممارسة ضغط حقيقي وفعّال على نتنياهو وأعضاء حكومته المتطرفين لعقد صفقة تبادل الأسرى، ووضع حدٍ لمأساة تجويع وتعطيش المدنيين وترويعهم، خاصةً أن الوقت ينفذ، وأن الحرب استنفدت كل ما يمكن أن تستنفده، وإدراك حقيقة أن هزيمة حماس والمقاومة مستحيلة، حسب آراء المحللين الاستراتيجيين والخبراء العسكريين، وما تعكسه الوقائع على الأرض.
تاسعاً: العمل على إبعاد شبح الحرب الذي يلوح في الجبهة الشمالية مع لبنان، خاصةً بعد هجوم مجدل شمس؛ ما يهدد باتساعها لتطال جبهاتٍ أخرى غير جبهة اليمن والضفة المشتعلة.
عاشراً وأخيراً: الالتفات للوضع الداخلي الأمريكي في ما يتعلق بالرعاية الصحية والإسكان والحدود، والأبرز من ذلك الجانب الاقتصادي الذي يشهد مشكلات عديدة إذ بلغ عجز الموازنة نحو تريليون وتسعمئة مليار دولار، والدين العام ما يزيد على 34 تريليون دولار؛ ما يهدد مكانة الولايات المتحدة اقتصادياً وسياسياً.
من نافل القول، مع إدراكنا أن بايدن الآن لا يملك الكثير من أوراق الضغط فهو بطة عرجاء، لكن بوسعه أن يفعل الكثير أسوة بما فعله رؤساء سابقون قبل انتهاء ولايتهم بشهور قليلة.
كاتب فلسطيني