وفاة 41 وفقدان العشرات في ليلة قاسية على اليمنيين جراء السيول
شبكة الشرق الأوسط نيوز : في ثقافتهم التقليدية يتحدث اليمنيون عن “سيول الليل” بمزيد من التحذير باعتبارها أقصى ما يمكن أن يتهدد الحياة، لأن السيل بحد ذاته أعمى، وفي الليل تكون الضحية عمياء أيضًا، وها هي كارثة مديرية ملحان بمحافظة المحويت شمال غربي البلاد، ليل الثلاثاء- الأربعاء، قد قدمتْ دليلًا إضافيًا لذلك، من خلال ما أحدثته سيول الليل في نحو بضع قرى طمست بعضًا من ملامحها، ودَفنت عشرات من أبنائها تحت الأنقاض، في ليلة قاسية عاشها اليمنيون هناك.
لقي 41 حتفهم جراء السيول الجارفة الناجمة عن الأمطار الغزيرة التي هطلت على اليمن، ليل الثلاثاء- الاربعاء، في محافظتي المحويت شمال غرب والحُديدة غرب، وفق إحصائية أولية صادرة عن السلطتين المحليتين هناك.
ويشهد اليمن هطولًا غزيرًا للأمطار منذ أواخر يونيو/ حزيران، متسببًا بسيول جارفة أزهقت أرواح العشرات وشرّدت الآلاف، وتأثر بها ربع مليون يمنيّ، وفق الأمم المتحدة، علاوة على الضرر الذي لحق بالبُنى التحتية الهشة جراء تراجع صيانتها بسبب الحرب المستعرة هناك منذ عشر سنوات.
كانت محافظة الحُديدة ومحافظات الساحل الغربي أكثر المناطق اليمنية تضررًا من موجة الأمطار الغزيرة، إلا أن محافظة المحويت شهدت ليل الثلاثاء/ الأربعاء وفاة وفقدان العشرات جراء الأمطار والسيول والانهيارات الصخرية، التي قضت على أسر بكاملها في مديرية ملحان غربي المحافظة، في ظل صعوبة التعامل الإغاثي مع المناطق المنكوبة لوعورة الطرق إليها، وما تعرضت له من انهيارات صخرية.
قُرى تعتلي سفوح الجبال كتقليد يمنيّ متعارف عليه عبر التاريخ تأمينًا من الغزاة وحماية من السيول، لكن الأخيرة تجاوزت حسابات السكان، الذين تحدوا في مساكنهم مجاريها، ليأتي تدفقها غاضبًا، وتطمس بعض تلك القرى، وتدفن بعضًا من سكانها ومنازلها تحت الأنقاض.
كانت ليلة الثلاثاء/ الأربعاء كارثية على سكان عزلتي القبلة وهمدان بمديرية ملحان، اللتين شهدت مناطقهما الجبلية هطول أمطار غزيرة، وتدفق سيول جارفة، تسببت في انهيار حاجز مائي وانزلاقات صخرية أوقعت خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
33 وفاة
وفي إحصائية أولية صادرة عن السلطة المحلية هناك فقد لقي 33 شخصًا حتفهم، وتهدم 28 منزلًا مع استمرار البحث عن المفقودين، وفق وكالة الأنباء اليمنية سبأ، التي يُديرها الحوثيون، نقلًا عن أمين عام المجلس المحلي للمحافظة، علي الزيكم.
وأطلّ الصباح على تلك القرى المنكوبة، التي تقول مصادر محلية إن عددها عشر، في مشهد مأساوي ينز حزنًا، كأن كل شيء ينعى من كان هناك! فقد اشتعل ضوء الصباح ليكشف عن ملامح الكارثة بما تحمله من تفاصيل، ولعل عنوانها كان متجسدًا في الباحثين عمن تبقى من عائلاتهم وأحبابهم، كان البحث محمولًا على مخاوف لا حد لها. وهو ما عبّرت عنه بعض من الصور ومقاطع الفيديو المتداولة في منصات التواصل الاجتماعي، والتي جسّدت كمًا من الألم الناجم عن نزيف الأرواح والممتلكات، التي ابتلعتها، بلا رحمة، السيول الليلية والانزلاقات الصخرية، بما فيها منازل اختفت تحت ركام تلك الانهيارات.
أحد مقاطع الفيديو المتداولة تحدث فيه رجلان يبدو أنهما شقيقان، ولكل منهما أسرة وفقد في قرية بني شايع في العبر. كان حديثهما يقطر كمدًا من هول ما تعرضت له أسرتاهما ليلًا، إذ فقدتا ستة عشر شخصًا في ليلة ماطرة قاسية.
كان حديثهما مثقلاً بعبرات الخسارة والفقد والحسرة والعجز والصدمة في آن، إذ كيف تشرق الشمس على أبٍ طاعن في السن، وقد فقد زوجته وأبناءه وبناته دفعة واحدة وكل ما يملك حتى منزله، إنها الخسارة بما تعنيه الكلمة من معنى.
وكم كان حديث أحدهما متهدجًا تحت ضربات الحزن الشديد، وهو يتجاوز ألمه وفقده ويناشد سرعة إنقاذ ما تبقى من سكان قريته، حيث ما زال الكثير من الجثث تحت الأنقاض، وطريق الوصول إلى القرية لم يُعد صالحًا للعبور، “كأن القرية كلها صارت أنقاضًا!”.
ومن أبرز مظاهر المأساة، التي شهدتها المنطقة جراء الأمطار والسيول الجارفة ما ذكره مدون محلي عن “المواطن محمد عبده سود، الذي جرفت السيول والانهيارات الصخرية 12 منزلًا لأسرته (منزل والده ومنازل إخوانه وأعمامه مع المواشي والأغنام)، وكان ممن جرفت السيول والده في قرية شحط الصحن همدان ملحان”.
وأوضح أمين عام المجلس المحلي لمحافظة المحويت أن السلطة المحلية والدفاع المدني والجهات ذات العلاقة يبذلون جهودًا حثيثة للبحث عن المفقودين في المديرية.
وبيّن أن هناك ضحايا ما زالوا في عداد المفقودين، إضافة إلى تصدع 200 منزل وجرف خمس سيارات.
وأكدَّ “أنه سيتم توفير المواد الإيوائية والغذائية الطارئة للأسر المتضررة بالتعاون مع الجهات المختصة وذات العلاقة”.
فيما أوضح مصدر محلي أن انهيار الخزان المائي التجميعي التابع لمواطن، بالمديرية نتيجة الأمطار الغزيرة وتدفق السيول، قد تسبب في انجراف منزل أسرة يحيى حسين الحصامي، وفقدان ساكنيه، وفق ما نشرته قناة اليمن الفضائية التي يديرها الحوثيون.
وذكرت شرطة محافظة المحويت أن غزارة الأمطار في عزلة همدان في المديرية تسبب بوقوع انهيار صخري على 3 منازل وفقدان ساكنيها، وجرف عدة سيارات.
ووجه عضو المكتب السياسي لحركة “أنصار الله”(الحوثيون)، حزام الأسد، في “تدوينة” نداء استغاثة “إلى كل قلب ينبض بالإنسانية، إلى كل من يملك ضميرًا حيًا للمساعدة. نحن اليوم نرفع أصواتنا من أعماق الألم والمعاناة في مديرية ملحان بمحافظة المحويت، حيث ضربت الكوارث الليلة عزلة القبلة وعزلة همدان وألقت بيوتًا على ساكنيها”.
رئيس حكومة التغيير والبناء التابعة للحوثيين، أحمد الرهوي، أعلن، الأربعاء، عن تشكيل اللجنة العليا لمواجهة الطوارئ وأضرار السيول، “التي عقدت اجتماعًا لها، وباشرت تقديم خدمات الإنقاذ والإيواء والغذاء وفتح الطرقات في محافظة المحويت” وفق وكالة الأنباء سبأ بصنعاء. كما أجرى الرهوي اتصالًا بمدير المديرية المنكوبة وأكد توافد الإغاثة بما يسهم في تجاوز الكارثة هناك، وفق ذات المصدر.
مديرية ملحان في محافظة المحويت هي عبارة عن سلسلة جبلية ترتفع عن سطح البحر 3000م، ويتمركز فيها السكان بشكل تصاعدي حتى كأن قراهم تبدو كالمعلقة في تلك السفوح، كما يبلغ عدد سكانها 89 ألف نسمة، وتشتهر بالمدرجات الزراعية.
8 وفيات
أما في محافظة الحديدة، أعلن وكيل المحافظة، أحمد البشري، وفاة ثمانية أشخاص، الثلاثاء، جراء الأمطار والسيول الجارفة والصواعق الرعدية في مديريات المراوعة والقطيع والزيدية واللحية وبيت الفقيه. وبيّن أن فرق الدفاع المدني بالتعاون مع فرق الطوارئ، تواصل البحث عن اثنين مفقودين جراء السيول في مدينة القطيع، مشيرًا إلى تهدم عدد من المنازل في قرى العطاوية في مديرية الزيدية وقرى الزعلية والجامعي ومدينة الخوبة بمديرية اللحية.
لا تقتصر الأضرار الناجمة عن السيول الجارفة جراء الأمطار الغزيرة على محافظتي الحديدة والمحويت، بل لقد تأثرت بالموجة الماطرة محافظات تعز ومأرب وحجة وريمة وصنعاء وإب، ولعل أبرزها محافظات الحديدة والمحويت وريمة وحجة في مناطق سيطرة “أنصار الله” (الحوثيون).
ونقلت وسائل إعلام تابعة للجماعة، الأربعاء، عن مصادر، قولها إن إجمالي الأسر المتضررة كليًا وجزئيًا، حتى الأربعاء، في محافظات الحديدة وحجة وريمة بلغ 33 ألفًا و123 أسرة، فيما وصل عدد الوفيات إلى 86 شخصًا. وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت، في 19 أغسطس/ آب، من خلال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) وفاة 63 شخصًا في خمس محافظات، وتضرر أكثر من 163 ألف شخص، فيما تحدث تقرير أممي آخر عن تأثر ربع مليون يمني من موجة الأمطار الغزيرة والسيول الأخيرة، التي ما زالت مرشحة للتصاعد في الأيام المقبلة، وفق تنبؤات مركز الأرصاد الجوية بصنعاء.
المصدر : القدس العربي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.