كيف تفاعل المغاربة مع فيلم «حياة الماعز»؟
شبكة الشرق الأوسط نيوز : ما زال الجدل يدور حول الفيلم الهندي «حياة الماعز» الذي كان سببا في مهاجمة نظام الكفيل المعتمد في بعض دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، حيث تدور أحداث العمل السينمائي حول عامل عاش في المملكة، وسرد من زاويته «حكايته» هناك.
المغاربة في مختلف تدويناتهم، كانت السخرية عارمة من صاحب «حياة الماعز» ومن المتسبب فيها، الذي مكّن كاتب الرواية الأصلي من موضوع جعله يعتلي قمة الشهرة الاجتماعية برواية اعتبرت عادية في صياغتها، ثم بعد ذلك بطلا في فيلم مدته 173 دقيقة كلها «اعتصار للعواطف» و«صناعة لمشاهد البؤس والمعاناة».
العديد من التدوينات الأخرى التي تماهت مع الفيلم، ومدحت حبكته، تبين أنها تفاعلت انطلاقا من كمّ العواطف التي نزلت على المشاهد مثل السيل الجارف، فيما اختارت تدوينات أخرى أن تحيك نكاتا عن الماعز وقرونه ورائحته وغيرها من صنوف السخرية التي ابتكرها بعض مغاربة «الفيسبوك».
لكن حسنات الفيلم اختصرها الشاعر والباحث المغربي، عبد السلام الموساوي في كون «الضجة التي أحدثها فيلم (حياة الماعز)» مكنت من «إقناع الناس بالعودة إلى السينما» وذلك «في انتظار ضجة أخرى!!». فيما كتب الصحافي التهامي بهطاط تدوينة أكد فيها «أهم درس في (حياة الماعز) أن كاميرا قد تهزم دولة وهو بالنسبة لمقالات تحليلية سابقة، تحصيل حاصل، لأن العديد من الأفلام تمكنت من تغيير وجه العالم وليس فقط دول بحد ذاتها».
ولاحظ الصحافي الحسن آيت بيهي أنه «بعد مشاهدة فيلم (حياة الماعز) وقراءة رواية (أيام الماعز) يبدو أن الفظاعات التي نقلها الفيلم ألطف بكثير مما تتناوله الرواية».
ومن زاوية معالجة سينمائية خالصة، كتب الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم، أن الفيلم المذكور «كاد أن يكون جيدا لولا المبالغة في استجداء عواطف وأحاسيس المشاهد والتطويل في بعض المشاهد بدون مبرر درامي، والتوهان في مسارات فرعية لا تخدم الفكرة الأساسية للفيلم وكل هذه الملاحظات من سمات السينما الهندية التجارية التي دأبت بها على استقطاب شرائح كبيرة من المتفرجين داخل الهند وخارجها».
وبعد تسجيل ملاحظات حول الفيلم عموما، والأغاني التي وظفت فيه، قال واكريم إن «الضجة التي أثيرت حول فيلم (حياة الماعز) كانت أكبر من قيمته الفنية بكثير، إذ وجدته فيلما بسيطا يحتوي على مكونات السينما الهندية التقليدية من مبالغة في تصوير الأحداث ولعب على مشاعر المشاهدين بشكل يصل لابتزاز عواطفهم، وأداء تمثيلي مبالغ فيه أيضا، إضافة إلى تمطيط لا يخدم تطور الدراما بقدر ما يعيقها».
الإنصات للفيلم لا إعدامه
وإذا كان الصحافي مصطفى الفن قد اعتبر «حياة الماعز» فيلما مدمرا، «هدم الخيمة السعودية على من فيها وهدم بلدا بكامله وجعله كعصف مأكول» فإن المسرحي بوسرحان الزيتوني، أكد أن «حياة الماعز فيلم يجب الإنصات اليه لا الدعوة لإعدامه» موضحا أنه «مهما كان الفيلم، أي فيلم فإنه لا يعني إلا ما يحكيه، فإن حملته ما لا يحتمل فأنت تعبر عن ضعفك وإيمانك بما أنت فعلا، وعن ضيق في أن ترى عيوبك».
وأبرز المسرحي المغربي في تدوينة نشرها على صفحته بالفيسبوك، أنه «في المجتمع السعودي أكيد هناك سلوكيات لا تعبر عن السعوديين في مطلق أحوالهم، ولا يمكن اعتبار انتقادها انتقادا لهم وانتقاصا منهم» لأن «فيلم حياة الماعز فيلم عن حالة إنسانية تضافرت خيوط مختلفة لنسجها، حالة حقيقية لكنها ليست سياسة ممنهجة» وختم جازما أنه استمتع «بالفيلم ولم أحس للحظة بأي غضب تجاه السعوديين».
زاوية أخرى تناولها المسرحي عبد الجبار خمران، بخصوص تحليله لفيلم «حياة الماعز» وذلك «بعيدا عن النقاش في السياسة قريبا من التعطش إلى كوكولا» مشيرا إلى أن ما يثيره دوما حضور اشهارات هذا المشروب الغازي في «الأفلام السينمائية وخاصة الأمريكية منها تصريحا أو تلميحا» يفيد بأن «هذا المشروب تمت تبيئته في الحياة اليومية للعالمين بشكل عجيب، عن طريق الإشهار من جهة وعمليات الاستحواذ على شركات المشروبات في مختلف البلدان من جهة أخرى».
وحسب المسرحي المغربي نفسه، فإن حضور هذا المشروب الغازي في فيلم (حياة الماعز) المثير للجدل «يؤكد الرغبة الجامحة للشركة في تجاوز الإشهار التقليدي، لتدخل (دعايتها) في البناء الدرامي للفرجة السينمائية متجاوزة بذلك مجرد حضور مشروب في إشهار عابر في فيلم سينمائي هندي أمريكي، وقد اعتقدت مخطئا عندما ظهر الإشهار الضخم للمشروب الغازي المذكور في بداية الفيلم في المطار لحظة وصول شخصيتي نجيب وحكيم أنه عابر، لأنه اتضح فيما بعد أن هذه اللافتة الضخمة وكأنها نبوءة إنها المستقبل، فهي ليست عابرة ووجودها هنا ليس مجرد صدفة. فلربما هي الكفيل المجازي في غياب الكفيل الحقيقي بل وهي التي ستساعد البطل نجيب على الخلاص من الصحراء والعطش وبالتالي الانعتاق مما صوره الفيلم من ظلم، كما سيتضح في بداية نهاية الفيلم».
التدوينة المرفقة بعدة مشاهد من الفيلم حيث يظهر المشروب الغازي المذكور، تساءل فيها خمران «ألم تكن تعلم الشركة الكوكاكولية الكوكبية أن هذا الفيلم سيثير كل هذا الجدال! طبعا تعرف وطبعا تدرس وطبعا تهندس. فكيف تفوت فرصة الملايين من العيون التي ستبحث عن مشاهدته لما سيثيره ومشاهدة مشروبها ضمنيا موفرة غاراتها الإشهارية المباشرة إلى حين».
الفنان محمد الشوبي قرأ الفيلم من زاوية رؤيته كممثل وفنان، مؤكدا أن «فيلم حياة الماعز لا يرقى لأن يكون فيلما من الناحية التقنية والجمالية وركز فقط على استدرار عطف المشاهد المثخن بجراح المظلومية، هو فيلم تناسى أن مصطلح الكفيل عبودي من ثقافة النخاسة ومتواجد في كل ربوع المجتمعات الفيودالية القروسطاوية». وكتب أن «حياة الماعز بروباغاندا تخدم أجندة طمس الصراع الغزاوي الليكودي وتغطية المجازر الإسرائيلية وجر الأضواء ضد هذه المذابح».
في سياق مختلف نوعا لكنه يتساوق مع نقد الذات، كتب المؤلف المسرحي محمد أمين بنيوب، «نفسا استثنائيا» حول «حياة البهائم ومؤسسة الكفيل» مؤكدا أن «مظاهر العبودية موجودة حتى في المجتمعات التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان» وأعطى النموذج بالمغرب قائلا «عندنا في البلد، يشغلون الأطفال واليافعين وخادمات البيوت (وعبيد) الحمامات والنساء والعمال في ظروف غير إنسانية وغير قانونية» بل «حتى الفنانين، خاصة الممثلين، يتم التعامل معهم بمنطق السيد والعبد».
لهذا، يوضح بنيوب، «فيلم حياة الماعز، يكشف ظاهرة عابرة للقارات والمجتمعات، فكل نظام، خلق مؤسسات الكفيل ووضع لها نواميس» وزاد موضحا بصيغة التساؤل «اليس بمؤسسات الحمامات بالمغرب نموذج ساطع لنظام العبودية والكفيل؟ عمال وعاملات، زادهم الماء والبخار وما جادت به جيوب المواطنين».
ويرى الأديب والناقد المصطفى كليتي أنه «قد يكون الشريط مثيرا للجدل والنقاش، ويدل من جهة أخرى على أهمية السلاح السينمائي وحضور الصورة في تقديم صورة متكاملة وحضارية عن المجتمع، فلم يعد السلاح طائرة ودبابة أو بارجة حربية، بل السلاح – إضافة إلى ذلك – رؤية جمالية وفكرية تنافح وتدافع بعمق عن قضايانا الأساسية، فالرواية رغم أهميتها الأدبية تبقى في حدود ضيقة، بيد أن الصورة السينمائية أكثر انتشارا واستهلاكا من قبل الجمهور العام، والتأثير بواسطتها يكون أقوى وأجدى» وذكر بأن قصة الفيلم مقتبسة من رواية «أيام الماعز» للكاتب الهندي بنيامين، وترجمها إلى العربية من اللغة «المالايامية « سهيل عبد الحكيم الوافي.
وبعد ما أشار الكاتب كليتي إلى أن منصة «نتفليكس» نشرت الفيلم في العالم ووصل ذروة «الترند» كما يقال، تساءل: هل يا ترى يمتلك الوسط العربي ودول الجنوب منصة مماثلة تكون قادرة على إدراج الأسئلة الكبرى لقضاياها الشائكة؟
«الكفيل السينمائي»
المخرج والناقد السينمائي عبد الإله الجوهري كتب تدوينة أوضح في بدايتها أنه كان من بين الأوائل الذين كتبوا عن الفيلم الهندي «حياة الماعز» ولم يكن وقتها يتصور أنه سيثير كل هذا النقاش والكتابات. «لأن ما حركني وقتها قوة الحكاية وجماليات التصوير وشساعة الصحراء الحاملة لمعاني الضجر والهروب نحو مفازات المغامرة والتجريب» وفق تعبيره، مضيفا «لكنني فوجئت بكم هائل لا معقول من السجال يجتاح المواقع الاجتماعية والهجوم والهجوم المضاد، سواء من أصحاب النيات السيئة، أي من يريد النيل من سمعة بلد نحترمه ونجله، أو أولئك الذين يبحثون عن ترضية رجل يمنح دعوات لأداء مناسك العمرة وتقبيل الحجر الأسود، في نفس الآن لحضور فعاليات مهرجانات أضحت تقام على الأرض المقدسة».
وأشار إلى أنه «وسط صخب النقاش والنقاش المضاد، ضاعت قدسية الكتابة عن سبق اصرار وترصد، وتحولت مهمة الناقد إلى مهمة خبزية تسعى إلى خدمة الأهواء الشخصية، وتصريف مواقف واهية لا علاقة لها بأخلاقيات النبل والوفاء للقيم والأخلاق».
وتابع صاحب التدوينة «البعض اعتبر أن الضجة جد مفتعلة، ولا حق للكثيرين في الكتابة، حيث أصبح الكل، في نظرهم، يركب دابة النقد، ويفتي دون حق، في حق فيلم بدون قيمة فنية او تقنية، بل والتهكم من كل قراءة سارت في اتجاه غير الاتجاه الذي يسعون إليه، أي القراءات التي تجاوزت سقف قناعاتهم، أي تلك التي لا تتطابق مع رؤاهم. هناك من هؤلاء ذهب بعيدا في الحفر والبحث، بكل ارتزاق، في سيرة صناع الفيلم ومحاولة النبش في ما حققوه من أعمال، وذلك من أجل التعريض والنيل من مصداقيتهم، والخروج بخلاصات تؤكد انهم مجرد هندوس أعداء للإسلام والمسلمين، وأن فيلمهم مجرد خلاصة عن حقدهم تجاه السعودية والسعوديين. أصحاب هذه الخلاصات، ما زال جلهم ينتظرون الرضى والتعويض من كفيلهم السينمائي».
ثم تطرق الجوهري إلى فئة أخرى حسب وجهة نظره، حيث كتب «عكس هؤلاء ما زال الحياحة (كلمة مغربية تعني مساعدي هواة القنص في الفوز بالطرائد) أنصار الضرب من تحت الحزام، يبحثون عن كل حجّة أو لا حجة لدعم وجهة نظرهم في كون السعودية بلد العبودية ساعين من وراء ذلك تصفية الحساب مع بلد يشكل لهم عقدة بتطوراته الأخيرة وانفتاحه أكثر فأكثر على العالم. وهؤلاء أيضا لهم كفلاءهم الذين يؤدون لهم مقابل كل مقال مكتوب بحبر التسول والنزول لقعر الذل والهوان».
المصدر : القدس العربي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.