إسرائيل الدولة المارقة تتحدى المحاكم الدولية والقانون الدولي

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….

 

أن إسرائيل اليوم تعد دولة مارقة تتحدى المحاكم الدولية والقانون الدولي وتسعى إلى فرض إرادتها ورؤيتها وحدها، لكنها مع ذلك كانت تشيع سردية أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة المحاطة بأعداء غير ديمقراطيين، وإسرائيل كثيراً ما أرتكبت من الجرائم والأنتهاكات القانونية منذ ما قبل نشأة الدولة في مذابح دير ياسين وغيرها وخلال الحروب المتعددة وغزو لبنان، وعلى رأسها فضيحة ” مذبحة قانا / وصبرا شاتيلا “، وتجاوزت إسرائيل كثيراً خلال حروب غزة السابقة وخلال مواجهة الأنتفاضات الفلسطينية، مع كل ذلك فإن ما يحدث الآن هو نقلة نوعية وكمية في التجاوزات في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز السنة، إذ إن إرتدادات ما يحدث ستتجاوز إسرائيل ذاتها والغرب الذي يؤيدها، وفي هذه المرة هناك قرارات من مجلس الأمن الدولي صدرت على الرغم من تعطيلها بسبب الفيتو الأميركي والبريطاني، ثم الأميركي وحده، ثم صدر قراراً كان ينبغي تنفيذه، وهناك قرارات لمحكمة العدل الدولية واضحة وصريحة وضربت بها إسرائيل عرض الحائط، وهناك طلب أستدعاء من مقرر المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو وغالانت وزير دفاعه، ولكن قضاة المحكمة يرتعشون من شدة التهديدات الإسرائيلية والأميركية ويواصلون التسويف، ولو على حساب آخر ما تبقى من سمعة المحكمة ألتي يعملون بها، وتبدو المفارقة من البيان الصادر من الإتحاد الأوروبي أخيراً بأنتقاد منغوليا لأستضافتها الرئيس بوتين وعدم إلقاء القبض عليه، مع أن جرائم بوتين لا تقارن بما يجري في الأراضي الفلسطينية وغزة، فضلاً عن ذلك فإن وقائع إستهداف المنظمات الدولية والإنسانية في غزة، واليوم في الضفة، فاضحة ومخجلة لضمير العالم، ومن المؤكد أن بيان منظمة العفو الدولية أخيراً حول جرائم الحرب الإسرائيلية هو أيضاً تطور مهم في هذا الصدد، هذا وكان قد حول المجرم النتن ياهو معركة بقائه السياسية والجنائية إلى معركة بقاء القضية الفلسطينية ومعركة بقاء الترتيبات الدولية الجارية، ولكنه سواء تمكن من تصفية القضية الفلسطينية، مع أستبعادنا ذلك، أم لم يتمكن، وهو الأرجح، فقد وضع الترتيبات الدولية الجارية وكل منظومة الديمقراطية الغربية ومفاهيم حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع في أسوأ إختبار منذ إنشاء المنظمة الأممية عام 1945، ولا بد أن كثيراً من شعوب العالم حتى في الدول الغربية يتساءل الآن عن مصير هذا المأزق الذي سببته إسرائيل، وما جدوى الحديث عن حقوق الإنسان، ومن الذي يستطيع أن ينصب نفسه الآن مدافعاً عن هذه القضية، هل ستقتصر المهمة على عدد من دول أوروبا، بينما تتراجع الدول الأكبر غربياً وتفقد صدقيتها تماماً ..؟ العالم في مأزق، لكن قلة من يتنبهون حالياً لذلك وهم يشاهدون مظاهر إنهيار ترتيبات دولية بصورة تذكرنا بمظاهر إنهيار ترتيبات ما قبل الحرب العالمية الثانية من دون أن يعني هذا بالضرورة أننا في إنتظار حرب عالمية جديدة، وإذا كانت مفاهيم الديمقراطية البرلمانية ومفاهيم الحريات وحقوق الإنسان أحد المكونات الأساسية للحضور والتفوق الغربي، فإن هناك سردية تتردد منذ بعض الوقت تنظر بكثير من القلق إلى ظواهر صعود اليمين في أكثر من دولة غربية، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية بوصف هذا تهديداً لهذا المكون الجوهري من المشروع الغربي الذي لا يزال الأعلى صوتاً في العالم، والحقيقة أن هذه السردية تحتاج إلى تفحص أكثر دقة، فلا يمكن إختزال مفهوم حقوق الإنسان والحريات في السماح باءستقبال مهاجرين، أياً كان مصدرهم، ولم تظهر تغيرات جوهرية في الممارسة الديمقراطية الإيطالية بعد وصول جورجيا ميلوني إلى مقعد رئاسة الوزراء، ومن دون شك بأن هناك معضلة أميركية كبيرة تحيط بدونالد ترامب قد يكون أوضحها ما حدث في السادس من حزيران/ يناير 2021 عند تسليمه السلطة لبايدن ودخوله للبيت الأبيض، ولكن تكرار هذا وارد للغاية إذا خسر ترامب الإنتخابات، والرجل تحدث كأي ديكتاتور من دول الجنوب حول أنه إذا خسر الإنتخابات فإن هذا سيكون نتيجة تزوير سيقدم عليه خصومه، إذن الموقف حساس جدا وخطير، واللغة ألتي يستخدمها ضد خصومه أيضاً خطرة وتثير القلق، والرجل يتحدث بجدية عن إجراءات تقييد ضد الآخرين غير الأنغلوساكسون وغير العرق الأبيض، خاصة وأن هناك مصادر عديدة لتهديدات تتعلق بأهتزاز النموذج الغربي، وبصورة خاصة مدى قدرته على مواصلة الأحتفاظ بمكانة الهيمنة في المجتمع الدولي، مع ملاحظة أنني هنا لا أستخدم تعبير النظام الدولي كونه في حال إرتباك وأضطراب غير مسبوقة، وأهم هذه المصادر هما الأستقطاب الدولي والمحلي في كثير من دول العالم، والثاني هو الخلل في منظومة السلم والأمن الدوليين، وفي هذا الإطار تأتي ما رسخته حالة الحرب على غزة لتضعف بنيوياً ومستقبلياً أية دلالة لتماسك المنظومة الدولية المنهارة بالفعل، أن إسرائيل كانت ككل منظومة الديمقراطية الغربية ومؤسسات المجتمع الدولي في أسوأ إختبار منذ ولادتها ولا بد أن شعوباً كثيرة تتساءل الآن عن مصير هذا المأزق، وثمة مصادر عديدة لتهديدات تتعلق بأهتزاز النموذج الغربي، وبصورة خاصة مدى قدرته على مواصلة الأحتفاظ بمكانة الهيمنة في المجتمع الدولي، وتشير متابعة تحولات التاريخ من عصور الإمبراطورية المصرية القديمة وحضارات العراق والصين، ثم الإغريق والرومان والحضارة العربية الإسلامية، إلى أن التحولات تحدث في غالب الوقت نتيجة أنهيارات داخلية تساعد حيناً، وتؤدي في حين آخر إلى صعود قوى إمبراطورية جديدة، وربما كانت تحولات أوروبا في القرون الحديثة هي الأسرع مقارنة بما كان يحدث في الإمبراطوريات القديمة، وكان الإنتقال من هيمنة قوى أوروبية بحرية إلى أخرى يسير بوتيرة أسرع حتى إستقر لواء السيطرة في يد الإمبراطورية البريطانية ألتي أنهكت قدراتها وأدواتها وسلمت القيادة للحليف الأميركي، لكن في كل هذه العصور الحديثة كان لواء السيطرة في يد الحضارة الغربية ينتقل من عاصمة لأخرى، ولكنه مستقر في يد قوى غربية بيضاء بروتستانتية، تاركة هامشاً للكاثوليك، وبصورة معقدة، ولكنها أثبتت أيضاً في علاقاتها ومخاوفها المعقدة تجاه روسيا السلافية الأرثوذكسية أنها لا ترتاح لمشاركة هذه القوة الأخيرة، وهي تبذل كل جهدها حالياً لمنع صعود الصين ألتي لا تنتمي قطعاً لمنظومتها الغربية، وبصورة أكثر وضوحاً من روسيا الأوروبية المسيحية، لذا يمكن القول بأن هناك شواهد عديدة تشير إلى تدهور القوى الغربية، ليس فقط لصعود قوى جديدة، ولكن لأن تناقضاتها الداخلية تزداد وضوحاً، أي إن ما نقصده هنا ليس بالضرورة صعود قوى جديدة من عدمه، إن الترتيبات الدولية القائمة منذ الحرب العالمية الثانية تبلورت بعد إستكمال سيطرة واشنطن، والقوى الغربية تتعرض لتحديات عميقة، ويبقى الأستقطاب في عالمنا المعاصر له مستويات متعددة، وليس أمراً جديداً، إلا عندما يتحول إلى صراع مصيري، وعلى المستوى الدولي من الواضح أن هناك قوى صاعدة تريد إستكمال صعودها أياً كانت النتيجة، حتى لو دفعت شعوب ضعيفة أثماناً باهظة لهذا السبب، والحرب الروسية الأوكرانية نموذج مؤلم لحرب مصيرية واستنزاف عميق من كل طرف للآخر، وتحولت منذ أشهرها الأولى لمعركة صفرية خطرة بصرف النظر عن الكلفة الحالية ألتي يدفعها الشعبان الروسي والأوكراني وباقي دول الغرب المستنزفة في هذا السباق العسكري، فضلاً عن نتائج جوهرية على الإقتصاد العالمي لكلفة هذه الحرب، وفي ظل هذا تأتي ساحات الصراع في الشرق الأوسط، في ليبيا واليمن وسوريا والعراق والسودان والبلد الأغلى على قلبي لبنان، إذ توجد قوى تسعى إلى السيطرة على هذه الملفات وتتماشى معها قوى داخلية في هذه الساحات، كلاً يسعى إلى تدعيم أوراقه ومصالحه وينطلق من أن الترتيبات الدولية ألتي سادت بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي في حال تغيير، وتتواصل معاناة شعوب هذه الساحات من تحولهم لبيادق في هذا الصراع على حساب مستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة، ويبقى الأستقطاب الأخطر هو الداخلي الأميركي الذي يعكس إستمرار أهمية ومكانة هذه الدولة، وهو إستقطاب يقوده معسكر ترامب حالياً ممثلاً للقوى الإنجيلية المسيحية البيضاء في مواجهة فسيفساء المجتمع المتنوع الذي أصبح غالبية ويجد مقاومة من المعسكر الأول للمشاركة في الحكم واقتسامه، هذا النوع من الأستقطاب المصيري يرسخ شحنة توتر دائمة في المجتمع الأميركي ويهدد الجانب الإيجابي في تراثه السياسي.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
بيروت / لبنان

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.