فادي السمردلي يكتب: الوهم بالنجاح

*بقلم فادي زواد السمردلي*…. 

 

الفاشل يرى فشله نجاحاً عندما يغيب عنه الوعي الذاتي والقدرة على النقد البنّاء، فيميل إلى تبرير إخفاقاته أو التقليل من حجمها حتى تبدو كإنجازات ولنأخذ مثالاً على ذلك مهندساً يدّعي هو وفريقه من المستشارين امتلاكهم الخبرة الواسعة في مجال بناء الأبراج والمباني العالية وكان المطلوب منهم بناء عمارة تتكون من 8 إلى 10 طوابق، مع توفر كافة الإمكانيات اللازمة من معدات وموارد مالية ودعم فني ورغم كل تلك الإمكانيات المتاحة، إلا أن النتيجة كانت محبطة للغاية، حيث بالكاد استطاع المهندس وفريقه بناء ثلاثة طوابق فقط، وهو إنجاز بعيد جداً عن الهدف المطلوب.

ما يثير الدهشة هو أن هذا الفريق، رغم وضوح الفشل، قد يحاول تقديم ما تم إنجازه على أنه نجاح، مبررين بأنهم “أحرزوا تقدماً” أو أن “الظروف كانت صعبة”. لكن هذا التفسير يخفي الحقيقة الصارخة بان الفريق عجز عن تحقيق الهدف المنشود، ولم يتمكن من ترجمة الموارد والإمكانيات المتاحة إلى نتائج ملموسة وهنا يظهر الفشل بأوضح صوره؛ فهو ليس مجرد إخفاق في البناء فحسب، بل هو فشل في التخطيط والتنظيم، وفشل في استغلال الموارد البشرية والمادية بشكل فعال.

عندما ينظر الفاشل إلى فشله وكأنه نجاح، فإنه يغلق الباب أمام أي فرصة للتعلم أو التطور وهذا النوع من السلوك يعزز الجمود ويرسخ القصور في الأداء فالفريق الذي لا يعترف بأخطائه أو بفشله لا يستطيع تصحيح مساره، بل سيستمر في تقديم الأعذار وإعادة ارتكاب نفس الأخطاء وفي هذه الحالة، يصبح من الضروري وضع آليات لمحاسبة هذا النوع من الأداء، إذ يجب أن يخضع الفريق لتقييم شامل يسلط الضوء على الأسباب الحقيقية للفشل، مثل ضعف التخطيط أو نقص الكفاءة الفنية أو سوء الإدارة.

للمضي قدماً، يجب على المهندس ومساعديه أن يتحملوا المسؤولية كاملة عن النتائج المخيبة للآمال وعليهم أن يقدموا تفسيراً مفصلاً لما حدث وأسباب الإخفاق، وعليهم أيضاً أن يعرضوا خطة تصحيحية تشمل الخطوات اللازمة لتجنب تكرار هذا الفشل في المستقبل. قد تتضمن هذه الخطة إعادة تنظيم الفريق، أو تحسين التدريب والتأهيل، أو حتى تغيير طريقة إدارة المشروع أو ترك المكان لاصحاب الكفاءة القادرين على المضي قدما.

بالإضافة إلى ذلك، لا بد من وجود نظام محاسبة صارم في مثل هذه المواقف وينبغي على الجهات المشرفة أو العميل تقييم أداء المهندس وفريقه، وإذا ثبت عدم قدرتهم على تحقيق الأهداف، يجب أن تكون هناك تبعات ملموسة، مثل فرض عقوبات أو حرمانهم من فرص العمل المستقبلية، أو حتى فسخ العقود المبرمة معهم. علاوة على ذلك، يجب على الفريق أن يتعلم من الفشل، ويتخذ خطوات جادة لتحسين مستواه المهني، سواء عبر التعليم المستمر أو تطوير مهاراتهم التقنية والإدارية. فالعبرة الحقيقية ليست فقط في الفشل نفسه، بل في القدرة على استغلال الفشل كدرس يدفع نحو التحسن والنجاح في المستقبل.

في النهاية، يجب أن يفهم كل من يعمل في المجال الهندسي أو أي مجال آخر أن التميز لا يأتي بمجرد الادعاءات أو الاعتماد على الماضي فالنجاح يحتاج إلى تقييم مستمر، وتحليل دقيق للأخطاء، واستعداد دائم لتحسين الأداء. الفشل قد يكون درساً، لكن رؤية الفشل على أنه نجاح هي أكبر عائق أمام تحقيق أي تقدم حقيقي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.