التنافس الإيراني ــ الإسرائيلي ـــ التركي في منطقة الشرق الأوسط
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….
أن التنافس بين المشروع الإيراني والإسرائيلي والتركي لمد النفوذ والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط قد أتضح بشكل واضح بعد معركة طوفان الأقصى، وأن الصراع بين طهران وتل أبيب هو صراع بين مشروعين ناهيك عن التركي، ولكن هذا الصراع له ملامحه وأهدافه وأدواته، مما يهدد المصالح العربية ويطرح التساؤل حول المشروع العربي في مواجهة المشاريع الأخرى، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن تداعيات معركة طوفان الأقصى كانت أيضا قد كشفت عن تأثيراتها ألتي ينبغي الإنتباه لها، فبينما كان تأثير تلك التوترات في أمن الدول العربية بالأساس مثل سوريا ولبنان وفلسطين من جهة، إلا أن لها آثار أخرى أكثر سلبية على الأمن القومي للدول العربية الأخرى غير المنتظمة في الصراع، فقد عملت إيران على إستغلال الحرب على غزة ولبنان لإعادة الحياة لما يسمى المشروع الإسلامي المقاوم والعمل على إضعاف الدولة المركزية العربية لمصلحة الفصائل المسلحة والترويج لسرديات أن المحور ” الشيعي ” هو من يدافع عن القضايا العربية، وكأننا أمام نافذة تستعيد إيران من خلالها صورتها بأنها داعمة للمقاومة على رغم إنهيار تلك الصورة بعد عام 2011 عندما دخلت وحزب الله في صراعات طائفية في سوريا ومناطق أخرى، ومن جهة أخرى تحاول إيران أن يكون لها تأييد واسع ضمن قطاعات الرأي العام العربي، في وقت تضاءلت شعبيتها ضمن القواعد الشيعية ألتي وجدت تراخياً إيرانياً في الدفاع عن حزب الله أو حماية لبنان من القوة العسكرية الإسرائيلية، وتبقى هناك تحديات تواجه الدول العربية على وقع تداعيات معركة طوفان الأقصى وألتي ينبغي وضع سياسات تتعامل معها، ومن ذلك مستقبل الجماعات المسلحة من دون الدولة وكيفية إدماجها في الدولة المركزية لإنهاء محاولات إضعاف الدولة المركزية، وإيجاد خطاب إعلامي وسياسي يبرز الدور العربي في دعم القضايا العربية ويدحض الخطاب الإيراني الذي يستغل القضايا العربية محملاً بصيغة مقاومة، وأن يبرز الخطاب كيفية تهديد المصالح العربية كافة بين تنافس المشاريع الإقليمية غير العربية لكل من تركيا وإيران وإسرائيل، ومع هذا يمكن القول بأن التنافس والصراع الإيراني ـــ الإسرائيلي الذي يتناغم أحياناً على حساب المصالح العربية، لن يتوقف ولا أدلّ من فضيحة إيران غيت في الثمانينيات في أوج قوة وثورية النظام، أما عن مستقبل الصراع الدائر بينهما حالياً، فستعود حتماً حرب الظل بين طهران وتل أبيب، لكن بعد إنتهاء جولة الضربات المباشرة تلك، ومن المرجح أن تستمر سياسة إسرائيل نحو إيران في التصعيد، وتستمر سياسة طهران تجاه تل أبيب على أساس إستنزافها من جبهات عدة، وتبقى بعض التساؤلات المهمه ومن بين هذه التساؤلات هل يتجه الشرق الأوسط نحو إعادة هيكلته كشرق أوسط جديد ..؟، وأقول كمراقب ليس ما قبل معركة طوفان الأقصى كما بعده، وبقى من المؤكد بأن المحللين والمؤرخين سيتعاملون مع الهجوم الذي قامت به حركة حماس العام الماضي بإعتباره نقطة تحول تؤرخ لتغيرات كثيرة تشهدها المنطقة، سواء معادلات الصراع والأمن على مستوى التفاعلات الإقليمية أو دور القوى الخارجية، أو العلاقات العربية مع دول الجوار مثل إيران وإسرائيل، وكيف تموضع الدول العربية سياستها في إطار معادلة الصراع الإيراني الإسرائيلي الذي بدأ يشهد تحولات لم تطرأ من قبل، في وقت تتزامن فيه التفاعلات الإقليمية تلك مع ضوء أخضر دولي حصلت عليه إسرائيل للتصرف المنفرد في كل الساحات الإقليمية بعد مرور عام على عملية طوفان الأقصى ألتي إندلعت بعدها تحركات عسكرية إسرائيلية أشعلت حرباً همجية وبربرية على غزة وأخرى على لبنان، ويمكن القول بأن الشرق الأوسط كان قد شهد بعض الملامح الرئيسة ألتى تسيطر على الشرق الأوسط وعلى وقع تلك التحولات، منها خلق بؤرة صراع جديدة، وهي توترات البحر الأحمر نتيجة هجمات الحوثيين، وإعلان إسرائيل تقويض ما يسمى ” محور المقاومة ” وليس بالضرورة القضاء عليه نهائياً، ثم هناك الزهو الإيراني بـ طوفان الأقصى الذي تحول إلى تحرك حذر وترقب من رد الفعل الإسرائيلي، مما أدى إلى خلل في توازن القوى لمصلحة إسرائيل وضعف قوة الردع الإيرانية وتحول حرب الظل إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، ورابعاً يسيطر على الشرق الأوسط التنافس بين المشروع الإيراني والإسرائيلي والتركي مع ما يثيره من مخاوف على الأمن القومي العربي والداخلي، ووفقاً للبند الأول والخاص بخلق بؤر توتر جديدة، فقد كانت قد عملت إيران على إستغلال حرب غزة للإعلان عما يسمى وحدة الساحات وجبهات “الإسناد”، لذا كانت توترات البحر الأحمر ألتي تستخدمها طهران كجبهة جديدة لأستنزاف إسرائيل والتأثير الإقتصادي في الدول المطلة على البحر الأحمر ومن بينها دول عربية وخليجية تسعى إيران بدبلوماسيتها الإقليمية الجديدة ألتي يقودها عميد الدبلوماسية الإيرانية الدكتور عباس عراقجي إلى التقارب معها، كما عملت على إدماج الدور الحوثي في البحر الأحمر ضمن الإستراتيجية البحرية التوسعية ألتي أعلنتها طهران، ومن ثم فمن غير المتوقع أن تتخلى إيران عن العلاقة مع الحوثيين أو العمل على تهدئة البحر الأحمر كإحدى أوراق الضغط الإقليمية حتى لو أنتهت الحرب على غزة، أما عن إعلان إسرائيل تقويض محور المقاومة، فقد عملت إيران من خلال التراخي وعدم الرد الفوري على الأستهداف لها داخل أراضيها، على منح إسرائيل جزءاً من الثقة للتحرك، ومن ثم التفوق الإستخباراتي والعسكري عليها، ولا يغيب هنا أن العامل الأهم لإيران كان الحسابات البراغماتية الخاصة بتهدئة توتراتها مع واشنطن وإحياء مفاوضات رفع العقوبات عنها وتوظيف الأوراق الإقليمية المتاحة لديها لتحقيق مكاسب إقليمية، لكن تحول الهدف الإسرائيلي نحو تقويض الفصائل المكونة لـ محور المقاومة الذي بالفعل تجلت مؤشراته في عدم دخول سوريا في التطورات الإقليمية لأكثر من عام، والقضاء على القدرات العسكرية والقيادية لـ حزب الله وحماس ولو بشكل جزئي وتحقيق إختراقات إستخباراتية في الداخل الإيراني وصلت إلى أعلى المؤسسات الأمنية والعسكرية، فدفع طهران إلى تكليف وزير خارجيتها الدبلوماسي المخضرم الدكتور عباس عراقجي دبلوماسية إقليمية جديدة لفتح حوارات مع جيرانها من الدول العربية لضمان عدم التصعيد، ومع ذلك عملت الدول العربية والخليجية على إحتواء إيران وإعلان موقف الحياد بما يجعلها بعيدة من تلك التصعيدات من جهة والبحث عن صيغة لإعادة الأمن والأستقرار إلى المنطقة من جهة أخرى.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.