مِن رُواد طِبِّ العُيونِ وأركانِهِ في الأردن الدكتور جميل قسيم ناصر..
حنا ميخائيل سلامة نُعمان ….
مُنذ سنواتٍ وأنا تَوَّاقٌ أن أُسَطِّر مَقالاً عن هذه القامة التي كرَّست نفسها لرسالة الطب النبيلة، وهي بحقٍ تُشكِّل رُكناً من أركان البُناة والرّواد الأوائل في طِب العيون في الأردن.
حينَ شَدَّ الرِحال بهمّةٍ وعزيمة في مَطْلَعِ شَبابِهِ صَوبَ المانيا لدراسةِ طِبّ العيون في واحدةٍ مِن جامعاتها الراقية المُعتَبَرَة والتخصص بالجهاز البَصَرّي وأجزاءِهِ وتشريحِهِ وأمراضه، كان ذاك الشاب المُتوقّد ذكاءً جميل قسيم ناصر، يُدرك غاية الإدراك نِعمة الإِبْصار التي منحها الله للإنسان، وَيُقدِّرُ مِن جانبٍ آخرَ بِثَاقِبِ بَصَرهِ حاجةَ وطنِهِ لإرفاد هذا التخصص البالغ الأهمية، ولإمدادِه عِلاجاً وجراحةً بخبراتٍ ومؤهلاتٍ عالية المستوى. وبعد سَنواتٍ مِن الدراسة الجَّادة، وتحمُّل مَشقّات الغُربة عن الأهل والوطن، تَكَلَّلَ سَهره وكَدّه بِتَفوُّقٍ يُشهَدُ لهُ. رافق هذا ما اكتسبَ مِن خِبراتٍ عَمَلية واسعة في المستشفيات المتخصّصة هناك.
وحال عودته لوطنِهِ كانت مَحَطّتهُ الأولى في تأدية رسالة الطب النبيلة كمتخصِّصٍ في طِب العيون؛ الخدمات الطبية الملكية. وإبَّانَ خدمته فيها وجَّه طاقته لِيُسهِمَ وبحُكم دراسته وخبرتِهِ العملية في مستشفيات ألمانيا المتخصصة على استحضار أجهزةٍ وتقنياتٍ حديثة للارتقاء في هذا التخصص ليواكبَ متطلبات العصر وحاجات المَرضى.
يُسجَّل للدكتور جميل قسيم ناصر مُشاركته الفاعِلة في المؤتمرات والأنشطة الطِّبية المتخصصة التي كانت تُعقد في داخل الأردن وخارجه. كما استحوذَ والحقُّ يُقال، عبرَ سَنواتِ العُمر المَديد على احترام الناس وثقتهم. فإذا بِهِم يَقصدونَهُ إلى حيثُ مَقر عيادته الخاصة وَمِن سائرِ أعمارهِم، لِمَشورةٍ أو عِلَّةٍ أو مُعاناةٍ في حاسة بَصَرِهم، يدفعهم إلى هذا ما عَهِدوهُ فيهِ مِن كفاءَةٍ عاليةٍ وَمَهارةٍ فائقةٍ لِتَرَاكُمِ خِبراتِهِ العَمَلية، يواكبُ هذا لباقة أدَبِهِ وَسُموّ إنسانيتهِ، فيُقابلهم بترحَابٍ وإشراقة وَجْهٍ، فيبعث هذا في نفوسِهم راحةً وطُمَأنينةً. وتراهُ بعدَ فحصٍ مُتأنٍّ، وَتشخيصٍ وَتيقُّنِ، واجراء ما يلزم مِن فحوصات مِن خلال أجهزة تواكب تقنيات العصر يُسْعِفهم بلغة الواثق مِن نَفْسِهِ برأيِهِ العِلمي الطبي الصَّائب وما ينبغي القيام به لعلاجهم. وَيُشْهَدُ لهُ بما يُوليهِ مِن حِرصٍ واهتمامٍ بمتابعة أحوال مَن يقصدونَهُ من داخل الوطن أم مِن خارجهِ حتى بعد استكمال علاجهم في تجسيدٍ حَيٍ لأمانة الرسالة الطِّبية وَقِيَمِها الشريفة.
عَرفتُ الدكتور جميل مِن خمسة عُقودٍ مِن الزمن، قامةً لم يتغير نهجها المبني على الإخلاص والتفاني ورحابة الصدر وتواضع القلب. ذلكَ أنَّ الطِّبَ عندهُ ليس حِرفةً فَتُمْتَهَن، إنما رسالة وأمانة ومسؤولية ضميرية. كما عَرَفتُ مِن جانبٍ آخرَ عَن مواقفِهِ الإنسانية دونَ أن يُظهِرَ أو يبوحَ، تُجاهَ مَن ضاقت بهم سُبُل الحياة فلا يَرُدَ منهم محتاجاً لمشورة طبية أو لإجراءٍ طِبِّيٍ يرفع معاناته.
أمَّا حُبهُ المعهود لوطنه، وتلكَ الغَيْرَة المُتَّقِدة ليبقى آمِناً مُزدهراً يتلألأ بِسَنىً جميل، فيعودُ لأصالتِهِ ولرُسُوخِ قناعتِهِ ووطنيتِهِ الصادقة.
وإذ أخُطُّ هذه السطور، فإن غايتي الثناء على النَهْج الواضح الذي سار عليه ولا يزال كبريقِهِ في سنواتِ خدمتِهِ الأولى، هذا النهج الذي أراهُ يَصِحّ أن يكون نبراساً يُهتدَى به لإنارةِ دَرب الناشئة مِن جيلِ الأطباء وغيرهم. حامِداً الله على ما حَبَاهُ إياه مِن مَواهب جعلت عطاءَهُ المُثمر في حقل طِبِّ العيون ومجالات إنسانية ومجتمعية مختلفة موضعَ تقديرٍ وإكبار مِن بني وطنِهِ وأُمَّتِهِ. فالتحية والتقدير للأخ الشهم الهُمام الدكتور جميل قسيم ناصر وإذ أُبارك جهودَهُ في رسالة الطب الشريفة، لأرجو الله أن يَمُدَّ في عُمُره مقروناً بالصحة والعافية، ولِمَزيدٍ مِن التألق والنجاح والتوفيق.
حنا ميخائيل سلامة نُعمان / كاتب وباحث
[email protected]
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.