قتلنا 20 ألف طفل واتهمنا من طردناهم بافتعال “أمستردام” ونسأل “لماذا يكرهنا العالم”: ما أوقحنا!

جدعون ليفي  ….

جرى أول أمس في أمستردام فتك قبيح وإجرامي ضد مشجعي كرة قدم إسرائيليين. ومثل ذلك، تحدث مذابح ينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، كل يوم تقريباً. المذابح في حوارة مثلاً، زادت من حيث الحجم والعنف حتى على كارثة 2 في أمستردام. في اليوم التالي لمذبحة هولندا، هاج مستوطنون عنيفون على قرية صوريف الفلسطينية، وقبل يومين من ذلك هاج المستوطنون على المنية الفلسطينية [من قرى بيت لحم]. وفي الوقت الذي قاموا بضرب إسرائيليين في أمستردام، كانت إسرائيل قتلت في غزة، بدون تمييز، عشرات الفلسطينيين، من بينهم الكثير من الأطفال، مثلما في كل يوم. المذابح اليومية في الضفة، وبالطبع الحرب في غزة، لم تقارن بالكارثة. رئيس “يد واسم” لم تجر معه مقابلة على خلفيتها، ولم يتم إرسال أي قوة إنقاذ لإنقاذ ضحاياها. وزير الخارجية ورئيس الكنيست لم يعتبراها هدفاً للتصوير. هذه المذابح تحدث كل يوم، ولا أحد يهتم حتى بالإبلاغ عن معظمها.

إسرائيل سجلت أول أمس، رقماً قياسياً في الحيونة، كما تحب، أما وسائل الإعلام فهي الأخرى سجلت رقماً قياسياً آخر في التحريض والمبالغة وزرع الرعب، وبالأساس إخفاء معلومات غير مناسبة للرواية، مثلما يحب مستهلكوها. قدمت أمستردام فرصة لم يكن بالإمكان تفويتها: ها هم يضربون اليهود في أوروبا مرة أخرى. مشجع لمكابي تل أبيب، قال إنه زار بيت آنا فرانك قبل يوم من ذلك، أي صدفة هذه المثيرة للقشعريرة! والمذيعة في الراديو كادت تبكي. مراسلة الدعاية القومية المتطرفة في ألمانيا، أنتونيا يامين، أوضحت بأن “أوروبا لا تعرف المشكلة”: في السنة الأخيرة، هاجر 300 من أبناء عائلة واحدة من خان يونس إلى برلين، وأصبح بعضهم معروفين للشرطة. غزة متهمة أيضاً بما حدث في أمستردام. بالطبع، نسيت يامين أن تذكر الجحيم الذي هربت منه العائلة وممن صنعه.

هكذا يكون الأمر عندما يعيشون في فقاعة دافئة ومقطوعين عن الواقع، وتحرم نفسها من المعرفة، مثلما تُعدنا وسائل الإعلام في إسرائيل: أننا الضحايا الوحيدون إلى الأبد، وأنه لم تكن هناك أي مذبحة إلا في 7 أكتوبر، جميع غزة مذنبة، جميع العرب متعطشون للدماء، جميع أوروبا معادية للسامية. هل تشككون في ذلك؟ شاهدوا “ليلة البلور” في أمستردام.

لنذهب الآن إلى الحقائق: هاج عدد من المشجعين الإسرائيليين في شوارع أمستردام حتى قبل المذبحة. هتافات مقرفة جماعية مثل “الموت للعرب”، وتم إنزال علم فلسطين، هذه أمور لم يتم عرضها هنا، لأن ذلك قد يخرب صورة الأفعال اللاسامية. لا أحد طرح السؤال الأول الذي كان يجب أن يثور أمام مشاهدة أعمال العنف والكراهية في أمستردام: لماذا يكرهوننا إلى هذه الدرجة؟ لا، ليس لكوننا يهوداً.

ولا لأنه لا توجد لاسامية، بل توجد ويجب محاربتها. ولكن محاولة تعليق كل شيء عليها، بات أمراً سخيفاً وكاذباً. هبت في أمستردام أول أمس رياح مناهضة لإسرائيل، وهي التي أشعلت المذبحة. المهاجرون العرب الذين قاموا بأعمال الشغب هم من شمال إفريقيا، وشاهدوا في السنة الأخيرة مشاهد فظيعة من غزة. بالنسبة لهم، الضحايا هم أبناء جلدتهم. ومن يقدر على البقاء غير مبال عندما يرى أبناء جلدته يذبحون. كل نادل مغربي في مدينة معزولة في هولندا شاهد ما شاهد من غزة أكثر بكثير مما شاهده خبراء الشؤون العربية في إسرائيل. لا يوجد عاقل يمكنه البقاء غير مبال إزاء هذه المشاهد. المشاغبون في أمستردام استخدموا العنف الخطير، الذي يستحق كل إدانة وعقوبة. لا شيء يبرر الذبح، سواء في أمستردام أو في حوارة. ولكن لأعمال الشغب في أمستردام صلة، وإسرائيل غير مستعدة للتعامل معها. هي تفضل إرسال حارس شخصي لكل مشجع لكرة القدم في أوروبا بدلاً من أن تسأل نفسها عن سبب كراهيتنا وعن كيفية تخفيف هذه الكراهية. في نهاية المطاف، لم تندلع هذه الكراهية قبل الحرب.

هذا من أثمان الحرب في غزة، والذي كان يجب أخذه في الحسبان: العالم سيكرهنا بسبب غزة. كل إسرائيلي في الخارج سيصبح من الآن فصاعداً هدفاً للكراهية والعنف أيضاً. هكذا يكون الأمر عندما نقتل 20 ألف طفل تقريباً ونرتكب التطهير العرقي وندمر القطاع. هذا أمر خطير بالنسبة للعالم، الذي لا يحب ارتكاب مثل هذه الجرائم.

 هآرتس 10/11/2024

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.