هآرتس: زعيم سوريا الجديد لا يسارع إلى أي مكان ويحاول أن يتعلم من الأخطاء التي حدثت في الربيع العربي
بقلم: تسفي برئيل …..
محسنة المحيثاوي هي الاسم الجديد واللامع في لائحة تعيينات أحمد الشرع، زعيم سوريا الجديد. المحيثاوي، الدرزية ابنة الـ 52 سنة هي المرأة الأولى، التي تم تعيينها كمحافظة لمحافظة السويداء في جنوب سوريا. وكصاحبة خلفية اقتصادية بعد أن تولت إدارة البنك الزراعي في المنطقة، وعلى اعتبار أن لديها علاقات وطيدة مع الدروز، فإنها كانت المرشحة المناسبة، ليس فقط للوظيفة نفسها، بل أيضا للشخصية الجديدة التي يريد الشرع أن يزين فيها حكومته، كمشجع لتقدم المرأة وكمحافظ على حقوقها.
السويداء هي محافظة معقدة ومتحدية، فيها يمكن أن يتم فحص قدرة الشرع على إدارة كل الدولة. الامتحان الأول ظهر يوم الثلاثاء عندما منعت ميليشيات محلية دخول قافلة سيارات عسكرية أرسلت من قبل “إدارة العمليات العسكرية” في دمشق، الجسم الذي يسيطر في الوقت الحالي على سوريا من أجل إدارة مركز الشرطة بدلا من القوات السورية التي انسحبت عند سقوط نظام الأسد. قيادة الميليشيات المحلية طلبت من القوة الحكومية القادمة عدم دخول المدينة والعودة إلى دمشق. السبب الرسمي الذي قدمته قيادة الميليشيات هو أنها جاءت بدون تنسيق مع القيادة المحلية. القوة الحكومية عادت حقا على أعقابها إلى دمشق بدون مواجهة أو نقاش، لكن التفسير البيروقراطي لعدم التنسيق يغطي على تحد معقد أكثر بكثير.
قيادة السكان الدروز، وعلى رأسها الزعيم الروحي الشيخ حكمت الهجري، تسعى إلى تحويل السويداء إلى إقليم يتمتع بالحكم الذاتي الذي سيكون جزءا من الدولة، لكنه سيدير شؤونه بنفسه. هم يطالبون بالاعتراف بمنظومة القضاء المحلية وتعيين قائد الشرطة، لديهم أيضا. والأكراد في شمال الدولة التقوا هذا الأسبوع مع الشرع لمناقشة مكانتهم في ظل النظام الجديد. ممثلو ميليشيا الأكراد الذين يحاربون هذه الأثناء ضد القوات التركية والميليشيات التي تعمل تحت رعايتها، يطمحون إلى الحفاظ على المكانة المستقلة للمحافظات الكردية التي تسيطر، ضمن أمور أخرى، على آبار النفط والغاز للدولة، وحتى أن يكونوا جزءا من الجيش السوري، الذي سيتم تشكيله. في المقابل، هم يطالبون بحماية من الهجمات التركية وأيضا انسحاب القوات التركية من المناطق الكردية التي احتلت وعودة كاملة للسكان الذين طردوا أو هربوا من المدن الكردية المحتلة. في هذه البؤر تجنب الشرع حتى الآن التصريح بأقوال صريحة، باستثناء الإعلان الذي بحسبه أنه في سوريا سيكون فقط جيش واحد تحت علم واحد. أي أنه لن تكون ميليشيات “خاصة”، طائفية، دينية وقبلية.
ثورة الربيع العربي التي أسقطت نظام القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن، والحرب في العراق، التي أزاحت صدام حسين، علمت الشرع درسا مهما في التداعيات التي يمكن أن تكون للأنظمة التي تسمح للمليشيات بأن تأخذ لنفسها استقلالية وحرية عمل عسكرية. وهو نفسه مثال واضح على التهديد الذي ينتظر النظام الذي لا يسيطر على جميع القوات المسلحة في الدولة. الشرع نجح في إدارة محافظة ادلب إدارة مستقلة تحت سيطرته بعد أن قام بإخضاع، بشكل وحشي، الميليشيات الأخرى التي تجمعت في هذه المحافظة أثناء الحرب الأهلية. والسؤال هو هل سيكون قادرا على شق طريق مختلفة في قيادة كل الدولة، بدون التدهور إلى مواجهات عنيفة.
الشرع، الذي حتى الآن لا يحمل منصبا رسميا، يحذر أيضا في معالجة عملاء نظام الأسد وبالأساس التعامل مع الأقلية العلوية. وخلافا للعراق، الذي بدأ فيه على الفور بعد الحرب تطهير قوات الأمن والأجهزة الحكومية من كل الذين كانوا أعضاء في حزب البعث، حتى لم يبق من سيدير الدولة، فإنه في سوريا هذه الأثناء الموظفون بقوا في أماكنهم، ولا توجد حملات ملاحقة ضد من يسمون “بقايا النظام السابق”. الطلب الوحيد من هذه الجهات هو تسليم سلاحهم لقوات الأمن، بدون تنازلات.
في محافظة اللاذقية التي يتركز فيها معظم السكان العلويين، والتي هرب إليها عدد من رجال الأسد، سجلت مواجهات بين قوات الأمن للشرع وبين المدنيين. من الجيش السوري لم يبق الكثير، ومعظم الضباط الكبار هربوا إلى العراق ودول أخرى. وخلافا لمصر، حيث سارع هناك الجيش إلى إعطاء رعايته للثورة بعد إسقاط حسني مبارك، وفي نهاية المطاف سيطر على الحكم، فإنه في سوريا لا يوجد مثل هذا التهديد ولا حزب حاكم يجب مواجهته. يوجد للمتمردين في سوريا جيش خاص وحتى زعيم كاريزماتي، الذي سارع إلى نزع الزي العسكري وارتداء البدلة وربطة العنق. هذا مقابل معظم الدول التي مرت بانقلابات الربيع العربي بدون أن تولد قيادة سياسية جذابة.
الشرع لا يسارع إلى ترسيخ إجراءات ديمقراطية. صياغة دستور جديد ليس على رأس سلم أولوياته، وقد أعلن أن الانتخابات يمكن أن تجرى بعد أربع سنوات. في هذه الاثناء شكل لجنة للأعداد لـ”حوار وطني” برئاسة مؤيد رسلان قبلاوي، الباحث المعروف في العلوم السياسية. في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية شرح أن العملية فقط هي في بدايتها، وفي هذه الأثناء هو يقوم ببلورة الخطوط الرئيسية ويحدد الممثلين الذين ستتم دعوتهم. حسب تقارير سابقة فإنه ستتم دعوة حوالي 1200 شخصية، إلى هذا المؤتمر والتي من شأنها أن تمثل الطوائف، الأديان، التنظيمات، المليشيات وجهات أخرى سيكون عليها تقديم الاقتراحات لصياغة الدستور الذي سيحدد طابع الدولة.
ولكن التوصية هي عدم حبس الأنفاس قبل عقد “الحوار الوطني”. فهذه الحوارات جرت في عدة دول بعد ثورة الربيع العربي، بما في ذلك في مصر، ولكن لم تخرج منها أي فائدة كبيرة. الشرع أعلن أن الحكومة المؤقتة التي شكلها ستنتهي في شهر آذار/مارس المقبل، وبدلا منها سيتم تشكيل حكومة دائمة، ليس على أساس الانتخابات، وبالتأكيد ليس طبقا لدستور جديد، ويبدو أنه هو الذي سيقوم بتعيينها.
مقابل سلوكه المحسوب على المستوى السياسي فإنه تجاه الخارج يوجد الشرع في ذروة حملة سياسية كثيفة هدفها هو بناء غطاء حماية ودعم سياسي واقتصادي. ولكن مطلوب منه أكثر أن يغازل الشخص الذي يطلب وده. تركيا كانت الأولى التي هبطت في دمشق، وأقامت علاقات دبلوماسية مع النظام الجديد، ولكن في غرفة الانتظار للشرع يوجد الكثير من الزبائن.
ممثلون أوروبيون كبار صافحوا الزعيم الكاريزماتي، والإدارة الأمريكية أقامت حتى حوار تعارف معه، لكن المنافسين الأقوياء هم السعودية وقطر. فقد قامت بإرسال إرساليات مساعدات كبيرة، وهذه لم تكن الوجبة الأولى. فقد هبط أمس في الرياض وزير خارجية الشرع أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرى، ورئيس المخابرات أنس الخطيب. الشرع أعلن في السابق بأنه “يتوقع أن يكون للسعودية دور كبير في مستقبل سوريا”. ولكن أيضا تم وعد قطر بـ “أفضلية خاصة”، وقبل ذلك حصلت تركيا على مكانة دولة مفضلة.
هذه الدول الثلاث تعتبر مؤيدة للغرب ولها علاقات قوية مع الولايات المتحدة، لكن كل واحدة منها توجد لها مصالح خاصة بها في سوريا. فتركيا التي تسيطر على مناطق في الدولة تسعى إلى التوصل إلى اتفاق يضمن حدودها الجنوبية وازاحة تهديد الأكراد والتحرر من ملايين اللاجئين السوريين الموجودين فيها.
وقطر التي عارضت استئناف علاقات الدول العربية مع نظام الأسد، ومثل تركيا أيدت بعض الميليشيات التي تشكل هيئة تحرير الشام (منظمة الشرع)، تعتبر دمشق جزءا لا يتجزأ من فضاء نفوذها، واضافة إلى ذلك هي تريد أنبوب غاز يربط بينها وبين أوروبا عبر سوريا. السعودية، التي تستأنف تدخلها في لبنان وتوثق علاقاتها مع العراق، تعتبر سوريا موقعا حيويا لصد نفوذ إيران وإضعاف قوة حزب الله في لبنان. إضافة إلى هذه الدول، فإن الدول الأوروبية التي تطمح إلى التخلص من ملايين اللاجئين السوريين تطمح إلى الفرص الاستثمارية التي تستدعيها سوريا. الشرع لم يكن يتوقع عناقا أكثر دفئا من ذلك.
سوريا المدمرة، وخزينتها فارغة والبنى التحتية فيها في كل المجالات تدمرت كليا، ومواطنوها يعيشون تحت خط الفقر، والملايين منهم مهجرون خارج البلاد أو داخلها، تحتاج عشرات مليارات الدولارات لإعادة الإعمار. ولكن المساعدات الضخمة والاستثمارات الأجنبية تأتي بشكل عام مع شروط وقواعد، تخلق الاعتماد وتملي الاستراتيجية. التحدي الكبير الذي يواجهه الشرع هو بناء سوريا كدولة لها أهمية استراتيجية وإقليمية وتجنب شرك العسل الذي سيحولها إلى دولة حماية.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس – 3/1/2025
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.