**فادي السمردلي يكتب: سارحة والرب راعيها**

*بقلم فادي زواد السمردلي* … 

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_أفعال_لا_أقوال*

“سارحة والرب راعيها” هي عبارة شعبية تحمل بين طياتها معنيين متناقضين الأول يبعث على التفاؤل والتسليم بأن الأمور في يد الله، بينما الثاني يعكس نمطًا من اللامبالاة أو الاتكال السلبي إذا ما أُسيء تطبيقها في سياق العمل العام ومن المؤسف أن بعض القيادات تعتمد على هذا النهج في إدارة المؤسسات أو القطاعات التي تقع تحت مسؤوليتها، فتبدو وكأنها تترك الأمور تسير بعشوائية دون توجيه حقيقي أو رؤية واضحة، متكلين على الحظ أو على فريق العمل الذي قد يفتقر في كثير من الأحيان إلى الكفاءة المطلوبة.

ما يفاقم المشكلة أن بعض هذه القيادات تدّعي التخصص في رسم الاستراتيجيات ووضع الخطط الطموحة، في حين أن الواقع يثبت أنهم يفتقرون للحد الأدنى من الفهم الاستراتيجي الحقيقي وبدلاً من العمل الجاد والمتابعة الدقيقة، يتبنون شعارات أو تصورات عامة دون وجود أي رؤية عملية لتطبيقها وهذا الأسلوب لا يؤدي فقط إلى فشل المؤسسات في تحقيق أهدافها، بل يضعف ثقة العاملين والمجتمع في هذه القيادات، ويترك فراغًا إداريًا يُستغل غالبًا في خدمة المصالح الشخصية على حساب الصالح العام.

غياب الحضور الفعلي والمتابعة المستمرة من بعض القيادات يجعل المؤسسات تعمل وكأنها “سارحة”، دون هدف واضح أو إشراف دقيق ففي البداية، قد تبدو الأمور مستقرة بفضل جهود بعض الأفراد أو فرق العمل الذين يتحملون العبئ، لكن مع مرور الوقت تظهر الثغرات، وتتراكم التحديات نتيجة غياب القيادة الفعالة فالعمل العام بطبيعته لا يمكن أن يُدار بالصدفة أو بترك الأمور للظروف، بل يتطلب رؤية شاملة وخطة دقيقة لمواجهة الأزمات والتعامل مع التحديات طويلة الأمد.

كما أن هذا النهج لا يضر فقط بالمؤسسات، بل يمتد ليؤثر سلبًا على ثقافة العمل نفسها فعندما يدرك العاملون أن أعضاء القيادة غائبة أو غير مهتمة، تنخفض معنوياتهم، ويتراجع أداؤهم تدريجيًا وأسوأ من ذلك، أن غياب الرقابة والإشراف يفتح المجال أمام انتشار المصالح الفردية، مما يضعف المؤسسة ككل فالقيادة ليست مجرد توزيع للمهام أو إطلاق للأوامر، بل هي التزام يومي يتطلب الحضور الميداني، والقدرة على تحديد الأولويات، والمتابعة الدقيقة، والرغبة في مواجهة التحديات.

في كثير من الحالات، نجد بعض القيادات تبرر غيابها عن المشهد بحجة أنها تمنح الحرية لفريق العمل لاتخاذ القرارات، أو أن المنظومة الإدارية قادرة على تسيير الأمور دون تدخل مباشر. لكن هذا التبرير في حقيقته انعكاس لسوء فهم دور القيادة فالتفويض ليس تخليًا عن المسؤولية، بل هو توزيع مدروس للمهام مع وجود آليات واضحة للمتابعة والتقييم فالقيادة الحقيقية هي من تمنح الثقة لفريقها ولكنها تظل حاضره وموجهًة تدير التفاصيل دون أن تغرق فيها، وتتدخل عند الحاجة لضمان تحقيق الأهداف.

النظر إلى هذه العبارة “سارحة والرب راعيها” من منظور القيادات يجعلنا ندرك أن النجاح في العمل العام لا يمكن أن يتحقق بمجرد الاتكال على الحظ أو الظروف فالإيمان بأن الحظ يرعى الأمور لا يعفي الإنسان من بذل الجهد والسعي المستمر فالعمل العام يحتاج إلى قيادات تمتلك رؤى استراتيجية حقيقية، تُترجم إلى خطط عملية قابلة للتطبيق، وتُدار بمتابعة دقيقة وهذه القيادات يجب أن تكون قادرة على وضع خارطة طريق واضحة، تتعامل مع التحديات بحكمة، وتعزز ثقافة المساءلة داخل المؤسسة بحيث يدرك الجميع أن الأداء يُقاس وأن التقصير له عواقب.

إن المشكلات التي تواجه المؤسسات اليوم ليست مجرد أزمات طارئة أو ظروف عابرة، بل هي نتيجة غياب التخطيط الاستراتيجي، وعدم وجود قيادات تمتلك الوعي الكافي بحجم المسؤولية وعلى القيادات أن تدرك أن العمل العام لا يُدار بالمجاملات أو بالشعارات، بل بالجهد الميداني، والالتزام الحقيقي، والتوازن بين التخطيط الاستراتيجي والإشراف المباشر.

“سارحة والرب راعيها” ليست مجرد عبارة، بل قد تتحول إلى نهج مدمر إذا تم تطبيقها في سياق القيادة فالنجاح لا يأتي بالصدفة، بل هو ثمرة جهد مستمر، وتخطيط محكم، ورغبة صادقة في خدمة المصلحة العامة فالمؤسسات لا تحتاج إلى قيادات تُدير الأمور عن بُعد أو تتجاهل مسؤولياتها، بل إلى من يؤمنون بأن القيادة ليست موقعًا للسلطة فقط، بل دور لخدمة الجميع وتحقيق التغيير الإيجابي.

قد يعجبك ايضا