الوعد الإلهي وبني إسرائيل

بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي.……

 

اسمحوا لي أيها الأخوة بأن أجتهد في تفسير الآية الكريمة من سورة الإسراء، مستعرضًا الأبعاد التاريخية والدينية والتأويلات المختلفة التي طرحها العلماء السابقون والمفسرون المعاصرون.
الوعد الإلهي وفساد بني إسرائيل
الذي ذكر بالقرآن الكريم ومن خلال إستدعاء النص القرآني( وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً ● فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً) هذا النص الذي يحمل إشارات واضحة إلى فساد بني إسرائيل في الأرض، واختلاف العلماء حول تحديد معاني هذا الفساد وزمانه ومكانه.

لقد أرجع بعض العلماء الإفساد إلى قتل الأنبياء أو محاولات النيل منهم، مثل سيدنا يحيى وسيدنا عيسى عليهما السلام، بينما ذهب آخرون إلى نقض بني إسرائيل للعهود في شبه الجزيرة العربية أو خلال فترات تاريخية أسبق في بابل وعهد نبوخذ نصر.
أما الأرض والعلو الذي ذكر بنص الآية فإنني أجتهد اجتهاد شخصي بأن الأرض المقصودة والتي هي موضوع خلاف بين المفسرين، ومع أنني أشير هنا إلى شمولية النص القرآني ومرونته، معتبرًا أن الأرض قد لا تقتصر على منطقة بعينها ( كما فسر بعض المفسرون السابقون بأنها قد تكون مصر أو بلاد الشام وهي المرجحه لديهم أو أنه يقصد بها الجزيرة العربية ) بل تشمل العالم بأسره. ومن هنا فإنني اربط بين هذه النظرة القرآنية وبين الواقع المعاصر، حيث بلغ بني إسرائيل علوًا كبيرًا وسيطرة واضحة على الاقتصاد والسياسة العالمية، كما أنني أشير إلى نفوذهم الممتد حتى إلى صناعة القرار في العديد من الدول الكبرى بكل العالم .

أما الغزيون فإنني هنا اقصدهم بأنهم هم العباد الذين ذكرهم الله وأنهم هم من سيقاومون في الوعد الأول، فمقاومة أهل غزة وما نراه منهم يمكنني أن أعتبره تفسيرًا منطقيا و عمليًا لمعاني الآية الكريمة. فهم، كما يصفهم الله، بالعباد الذين أرسلهم الله على بني إسرائيل، مجسدين صمودهم وإيمانهم العميق بالله وبوعده. وما صبرهم وثباتهم رغم المآسي التي تعرضوا لها، من تدمير المنازل وتجويع الأطفال إلى التضحية بالأرواح، إلى تمسكهم بالدين والعقيدة واعتباره هو السلاح الوحيد بين أيديهم يجعلهم عباد ألله المذكورين بالنص القرآني ، وهاهم يجوسون ديار بني إسرائيل ويفسدون عليهم علوهم المزعوم.

أما الإعجاز في الوعد الإلهي في الإعجاز القرآني الذي يكشف عن علو بني إسرائيل في الأرض في الزمن الحاضر، يشيرًا إلى تحقق الوعد الأول من خلال ظهور المقاومة الصادقة، التي لا تنحني أمام الإغراءات أو الخيانات. هذا هو الوعد الأول أيها الأخوة الذي يسبق الوعد الثاني والذي يتمثل في دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة .
إن المستقبل يحمل في طياته بشارات عظيمة للمؤمنين الصابرين،
وتأملوا في عظمة النص القرآني وارتباطه بواقع الأمة الإسلامية وتحدياتها. وليكن لدينا الإيمان الراسخ من خلال هذا التحليل ، بأن المقاومة ليست مجرد فعل سياسي أو عسكري، بل هي تجسيد لوعد إلهي وسنة كونية، تؤكد أن النصر للمؤمنين مهما اشتدت الأزمات وطغت القوة الباطلة.

قد يعجبك ايضا