قرفنا يا وطن والله قرفناكم
بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم.……
إلى متى ستبقى هذه المهازل والمسرحيات الساخرة من مشاهدينها وجمهورها الحاضر والمتابع لها والذي هو يدفع ثمن خشبات مسرحها ورواتب ممثليها .
مسرحيات بلا عنوان وكل ممثلينها أبطال لأنهم يظهروا علينا وهم يدعون بأنهم أمثال عٌمر الفاروق ليلقون تَّبِعَةِ دِمائهم وذنوبهم على من هم أمثال أبولؤلؤة ألمجوسي ، وتارة أخرى يظهرون علينا من كان قد اعتبروه بأنه أبو لؤلؤة المجوسي ليتقمص دور أبوبكر الصديق ويلقى الذنوب والآثام على من ادعى بأنه الفاروق ثم يجعلوه مسيلمة الكذاب .
لقد قرفنا يا وطن والله قرفنا .
يا لهذا الوطن الذي أُنهك حدّ الترهّل، يا لهذه الأرض التي بُحَّ صوتها وهي تنادي أهلها بأن يكفّوا عن تمثيل أدوار النزاهة على خشبة مسرحٍ احترقت ستائره، وسقطت أعمدته، ولم يبقَ عليه إلا ممثلون بوجوه متبدّلة، يلبسون القناع الذي يناسب المشهد، ثم يخلعونه ليضعوا غيره، فلا ندري أيّهم الصادق، وأيّهم الكاذب، وأيّهم يبيع الوهم باسم الفضيلة، وأيّهم يتاجر بآلام الناس ليبني على صراخهم قصرًا جديدًا من ذهب.
أيتها الشركات التي كانت يومًا تفيض خيراتها كما يفيض النهر بعد شتاءٍ طويل، ما الذي سرق ماءكِ؟ من ألقى في مجراكِ الحجارة فسدّت منافذكِ، حتى صرنا نرى العطش في عيون موظفيكِ، والجوع في جيوب المواطنين الذين كانوا يعلّقون عليكِ الأمل؟ أيُّ لعنةٍ تلك التي جعلتكِ بئرًا لا قاع له، يبتلع الملايين ولا يُسمع له صوت ارتطام؟
ثم يظهرون، أولئك المدعون بالنزاهة والذين تعاقبوا على إدارة ما تبقى من جسدكِ المنهك، واحدًا تلو الآخر، يتحدّثون كأنهم أبرياء، كأنهم لم يكونوا يومًا في قلب المعركة وسبب خسارة شرفها ، كأنّ أياديهم لم تلتقط من الذهب إلا ما كان مباحًا، كأنّ جيوبهم لم تنتفخ، وكأنّ قصورهم لم تتسع، وكأنّ مقاعدهم لم تكن تُشترى بثمن الوطن نفسه!
أيها السادة، يا من تنادون بالنزاهة أمام عدسات الإعلام، افتحوا دفاتركم، اكشفوا حساباتكم، ضعوا أمام الناس سجلاتكم قبل أن تدعوا صكوك براءاتكم ، فإن كنتم كما تدّعون، فلن يجدوا في دفاتركم إلا بياضًا، وإن كنتم كما يظنّون، فلن يخفى سواد الحبر عن عين الشمس!
عزاؤنا واحدٌ، أيها الشعب الصابر، فمأساتك تتكرر كما لو كنتَ رهينَ مسرحيةٍ أبدية، لا يُرفع عنها الستار إلا ليُعاد المشهد، ولا يُبدَّل أبطالها إلا ليؤدي الأدوار ذاتها رجالٌ ببدلاتٍ مختلفة، لكنّ السيناريو ذاته، والفساد ذاته، والصمت ذاته.
عظم الله اجركم يا وطن وأحسن الله عزائكم يا شعب ورحم الله ميتكم يا نزاهة وطنية .