لجنة تقصي الحقائق في انتهاكات الساحل السوري: لا أحد فوق القانون
شبكة الشرق الأوسط نيوز : قال المتحدث الرسمي باسم لجنة تقصي الحقائق التي شكلت للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت في الساحل السوري، المحامي ياسر الفرحان، في لقاء مع «القدس العربي» إن اللجنة وضعت سياساتها ورسمت استراتيجيتها، وباشرت بعملها فعلا للتقصي والوقوف على الانتهاكات، متعهداً بعدم إفلات الجناة و«لن يكون أحد فوق القانون».
وتابع: بدأت اللجنة بإجراء اللقاءات الرسمية اللازمة التي تؤمن وتسهل عملها من ناحية وتضمن استقلاليتها من ناحية ثانية، ضمن خطوات سبقت المؤتمر الصحافي الذي شهدته العاصمة دمشق، الثلاثاء، حيث بنت اللجنة من خلال هذه اللقاءات منهجية العمل وحضرت جميع اللوائح والقوائم سواء للضحايا أو الشهود أو المتهمين.
وحول الخطوة المقبلة قال: سوف تنتقل لجنة تقصي الحقائق إلى مسرح الجريمة في مدن الساحل، وذلك بعد جدولة الاستماع للشهود والبحث في تأمين الأماكن الأنسب لذلك، وآلية وطرق الحفاظ على خصوصية الشهود.
وأضاف: ستعمل اللجنة فيما بعد على البحث فيما هو متوفر في معلومات وأدلة قبل المباشرة باللقاءات بشكل وجاهي مع باقي الأطراف، إذ أن اللجنة مكلفة بالتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، والاعتداء على رجال الأمن والجيش وتحديد هوية المسؤولين عنها، وإحالتهم إلى القضاء.
وأعلنت لجنة تقصي الحقائق التي شكلت للتحقيق الثلاثاء، التزامها بضمان عدم إفلات أي من الجناة من العقاب. وذكرت خلال مؤتمر صحافي أن التحقيقات، التي ستنتهي خلال 30 يوما، تشمل الأحداث التي وقعت أيام 6 و7 و8 من الشهر الجاري.
الفرحان لـ «القدس العربي»: رسمنا منهجية العمل وحضّرنا لوائح الضحايا والشهود
وقال الفرحان في ختام المؤتمر الصحافي الذي أقيم في قاعة المؤتمرات في وزارة الإعلام، إن اللجنة باشرت عملها باجتماع عقده معها الرئيس السوري، أكد خلاله على أهمية دورها في كشف الحقيقة، وعلى التزام الدولة بمحاسبة المتورطين وإنصاف الضحايا.
وأضاف: أصدر رئيس الجمهورية قراراً بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتقصي والتحقيق في الحوادث المرتكبة، تتكون من خمسة قضاة وعميد أمن جنائي، ومحام مدافع عن حقوق الإنسان، جميعهم خبراء مختصون في قضايا التوثيق والعدالة، وذلك نتيجة للأحداث الأليمة التي وقعت في الساحل السوري يوم السادس من آذار، وما تلاها من اعتداءات على عناصر الأمن العام، أودت بحياة عدد منهم، فُجع السوريون، وظهر عمق ما حفرته المأساة السورية على مدى 14 عاما وأكثر بكثير في وجدانهم الجمعي.
وتناط باللجنة، حسب البيان «مهام الكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث؛ والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وتحديد هوية الجناة؛ والتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد هوية المسؤولين عنها؛ وإحالة من يثبت تورطهم بارتكاب الجرائم والانتهاكات إلى القضاء».
وأكد على استقلالية اللجنة والتزامها بمعايير الحياد، والأدلة والتقارير المتاحة، وغيرها من المواد المصدرية ذات الصلة بالأحداث، إضافة إلى وضع برنامج لمقابلة الشهود وكل من يمكنه المساعدة في التحقيق، وتحديد المواقع التي يجب زيارتها، ووضع آليات للتواصل مع اللجنة، والتي سيتم الإعلان عنها في القريب العاجل.
وقال: لا أحد فوق القانون وكل من هو متورط بالانتهاكات ضمن صلاحيات اللجنة، وسنقدم ما نتوصل إليه من نتائج إلى رئاسة الجمهورية وإلى القضاء وهو الذي يجرم أو يحكم بالبراءة، لافتا إلى أن اللجنة ستكون موجودة على الأرض وستستمع إلى شهود عيان ولن تكتفي بما ينشر على وسائل التواصل من مقاطع فيديو، كما أنها ستسعى إلى إنهاء التحقيقات خلال 30 يوماً.
وتابع: منفتحون على التعاون الدولي لكن نفضل الاستعانة بالإمكانيات الوطنية، ولن نفصح عن نتائج تحقيقاتنا ونلتزم بالحفاظ على خصوصية الشهود وسنقدم هذه النتائج إلى القضاء والمحاكم المختصة.
وزاد: جميع أعضاء اللجنة يشعرون بالمسؤولية للوصول إلى الحقيقة لمعاقبة المتورطين في الانتهاكات، ونعمل على تحضير لوائح بالشهود المحتملين وسنوفر حماية لأي شاهد يطلب الإدلاء بإفادته تحت برنامج حماية الشهود، موكدا أن «الشعب السوري، الذي قدم أغلى التضحيات في سبيل حقوقه، بإصرار منقطع النظير على كشف الحقيقة ونيل الكرامة والحرية، قادر على تجاوز هذه المحنة. كما تؤكد اللجنة أن سوريا الجديدة عازمة على ترسيخ العدالة وسيادة القانون، وحماية حقوق وحريات مواطنيها، ومنع الانتقام خارج إطار القانون، وضمان عدم الإفلات من العقاب».
إلى ذلك، ألقت إدارة الأمن العام في وزارة الداخلية السورية القبض على أربعة أشخاص، بعد قيامهم بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بشكل غير قانوني في إحدى قرى الساحل.
وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أنه تم تحويل المقبوض عليهم للقضاء العسكري المختص لينالوا جزاءهم.
تقرير حقوقي يوثق «قتلاً خارج القانون» في الساحل
إلى ذلك أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان الثلاثاء، تقريراً أولياً يوثّق حصيلة الانتهاكات المرتكبة في الساحل، والتي أسفرت عن مقتل 803 أشخاص خارج نطاق القانون خلال الفترة الممتدة من 6 إلى 10 آذار/مارس 2025.
وأشار التقرير إلى أنَّ سوريا شهدت في تلك الفترة تدهوراً أمنياً غير مسبوق، وصفه بأنَّه إحدى أسوأ موجات العنف التي شهدتها البلاد منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
وقد نفّذت المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة المرتبطة بنظام الأسد هجمات منسّقة استهدفت مواقع أمنية وعسكرية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة الانتقالية، ما دفع القوات الحكومية الرسمية إلى شن عمليات أمنية موسعة لملاحقة المهاجمين.
وشاركت في هذه العمليات إلى جانب القوات الرسمية فصائل عسكرية محلية، وتنظيمات إسلامية أجنبية منضوية شكلياً تحت مظلة وزارة الدفاع دون أن تندمج معها تنظيمياً بصورة فعلية، بالإضافة إلى مجموعات محلية من المدنيين المسلحين الذين قدموا الدعم للقوات الحكومية دون أن تكون لهم تبعية رسمية لأي تشكيل عسكري محدد. إلا أنَّ هذه العمليات الأمنية لم تقتصر على ملاحقة المتورطين مباشرةً في الهجمات، بل سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة ارتُكبت خلالها انتهاكات جسيمة واسعة النطاق، اتّسم معظمها بطابع انتقامي وطائفي، وكان للفصائل المحلية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية التابعة شكلياً لوزارة الدفاع الدور الأبرز في ارتكابها.
وأوضح التقرير أنَّ هذه الأحداث تضمنت عمليات قتل خارج نطاق القانون، شملت إعدامات ميدانية وعمليات قتل جماعي ممنهجة بدوافع انتقامية وطائفية، إضافة إلى استهداف المدنيين، بمن فيهم أفراد الطواقم الطبية والإعلامية والعاملون في المجال الإنساني. كما طالت الانتهاكات المرافق العامة وعشرات الممتلكات العامة والخاصة، متسببة في موجات نزوح قسري طالت مئات السكان، فضلاً عن اختفاء عشرات المدنيين وعناصر من قوى الأمن الداخلي، الأمر الذي أدى إلى تفاقمٍ حادٍّ في الأوضاع الإنسانية والأمنية في المناطق المتضررة.
وأرجع التقرير تعقيد المشهد الأمني إلى تعدُّد الأطراف المشاركة في النزاع وتداخل أدوارها، ما يجعل من تحديد المسؤوليات القانونية الفردية عملية شاقة ومعقدة للغاية، ويفرض تحدياتٍ كبيرة أمام الحكومة الانتقالية في مساعيها لضبط الأوضاع الأمنية ومنع وقوع المزيد من الانتهاكات.
وذكر التقرير أنَّ الشَّبكة وثَّقت مقتل ما لا يقل عن 803 أشخاص، بينهم 39 طفلاً و49 سيدة، وذلك في الفترة الممتدة من 6 إلى 10 آذار/مارس 2025.
وسجَّلت الشَّبكة مقتل 172 عنصراً على الأقل من القوات الأمنية والشرطية والعسكرية (قوات الأمن الداخلي ووزارة الدفاع) على يد المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة المرتبطة بنظام الأسد، إضافةً إلى مقتل ما لا يقل عن 211 مدنياً، بينهم أحد العاملين في المجال الإنساني، جراء عمليات إطلاق نار مباشرة نفَّذتها هذه المجموعات.
كما قتل من بينهم ما لا يقل عن 420 شخصاً من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح، بينهم 39 طفلاً و49 سيدة و27 من الكوادر الطبية، وذلك على يد القوى المسلحة المشاركة في العمليات العسكرية (الفصائل والتنظيمات غير المنضبطة التي تتبع شكلياً وزارة الدفاع) خلال الحملة الأمنية والعسكرية الموسعة التي أطلقتها هذه القوى في المناطق التي تمركزت فيها المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة المرتبطة بنظام الأسد.
وتوزع الضحايا حسب المحافظات على النحو التالي، محافظة اللاذقية، قتل فيها 185 شخصا، بينهم 15 طفلاً، و11 سيدة، واثنان من الكوادر الطبية. وفي محافظة حماة، قتل 49 شخصا، بينهم 15 طفلاً، و10 سيدات، وأحد الكوادر الطبية، وفي طرطوس سجل 183 قتيلاً، بينهم 9 أطفال، و28 سيدة، و24 من الكوادر الطبية. إضافة إلى 3 أشخاص في حمص.
تدهور أمني
وتناول التقرير بالتفصيل الهجمات والانتهاكات المرتكبة بين 6 و10 آذار/مارس 2025، مُشيراً إلى أنَّ هذه الأحداث جاءت في سياق تدهورٍ أمني عام وانفلاتٍ واضح في مناطق متعددة من البلاد، وتصاعدٍ كبير في وتيرة العنف، الأمر الذي أدى إلى استمرار الهجمات والانتهاكات بصورة متكررة ومتواصلة خلال الأيام الأربعة المشمولة بالتقرير.
وأوضح أنَّ الوقائع الموثقة تُثبت وقوع انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان خلال الفترة الممتدة من 6 إلى 10 آذار/مارس 2025، شملت عمليات قتل جماعي، وإعدامات ميدانية، واستهداف المدنيين، بمن فيهم الأطفال، والنساء، والطواقم الطبية والإعلامية.
كما أشار إلى أنَّ تعقيد المشهد الأمني، بسبب تداخل الجهات الفاعلة في النزاع، زاد من صعوبة تحديد المسؤوليات الفردية بدقة.
وتحمل الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان مسؤولية هذه الانتهاكات لجميع الأطراف التي ارتكبتها أو أسهمت فيها، وفي مقدمتها العصابات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة والمرتبطة بنظام الأسد، بالإضافة إلى المجموعات المسلحة غير المنضبطة التي تحركت دون قيادة مركزية واضحة.
كما كشفت المواجهات المسلحة عن ضعف واضح في قدرة الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية الحكومية على التعامل مع التحديات الأمنية واسعة النطاق، نتيجة لنقص التدريب القانوني وسوء التخطيط العملياتي. وبرز أيضاً عجز الحكومة الانتقالية عن فرض سيطرة مركزية على المجموعات المسلحة الموالية لها، مما أسهم في تصاعد الانتهاكات الميدانية بشكل كبير.
ضعف الأجهزة الحكومية
وأشار التقرير إلى أنَّ الأحداث شهدت تصاعداً خطيراً في الخطاب والسلوكيات الطائفية، مما فاقم من آثار الانتهاكات على المدنيين، الذين تعرضوا لعمليات قتل جماعي وانتقامي، فضلاً عن الاستهداف الممنهج لممتلكاتهم. وقد أسفر ذلك عن موجات نزوح واسعة وأزمات إنسانية متفاقمة.
تحقيقات مستقلة
وأبرزت طبيعة وحجم هذه الانتهاكات الحاجة المُلحّة إلى إجراء تحقيقات مستقلة وشاملة، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، إذ يُشكّل غياب المساءلة خطراً حقيقياً يُهدد باستمرار العنف وترسيخ حالة الإفلات من العقاب.
وتضمن التقرير عدداً من التوصيات موجهة للحكومة الانتقالية، على رأسها ضرورة ضبط القوات المسلحة والمجموعات الموالية لها ومنع وقوع انتهاكات جديدة، عبر وضع آليات واضحة وفعالة لضمان الرقابة والمحاسبة على تصرفات المجموعات المسلحة المنضوية تحت الحكومة الانتقالية، وإلزام هذه المجموعات بالامتثال التام للقانون الدولي لحقوق الإنسان أثناء العمليات الأمنية والعسكرية، عبر إجراء تحقيق مستقل وشفاف وضمان المحاسبة، وتشكيل لجنة وطنية موسَّعة ومستقلة للتحقيق في الجرائم المرتكبة، بمشاركة منظمات حقوقية محلية مستقلة، وتقديم المتورطين في الانتهاكات للعدالة وإجراء محاكمات عادلة تضمن عدم الإفلات من العقاب وحماية المدنيين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية، عبر ضمان توفير حماية فورية وفعَّالة للمدنيين في المناطق التي تشهد اشتباكات أو توترات أمنية.
كما أوصى بإعادة تأهيل وهيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، عبر إعادة هيكلة القوات الأمنية والعسكرية بما يضمن رفع مستوى كفاءتها والتزامها بقواعد القانون الدولي، وتوفير برامج تدريبية متخصصة تركز على احترام معايير حقوق الإنسان أثناء العمليات الميدانية.
المصدر : القدس العربي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.