*فادي السمردلي يكتب:أحزاب قبل الانتخابات خلية نحل وبعد الانتخابات يسبقها النمل؟*
*بقلم فادي زواد السمردلي* …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
في كل دورة انتخابية، يظهر المشهد السياسي وكأنه سباق محموم نحو الفوز بالمقاعد البرلمانية أو المناصب القيادية فالأحزاب السياسية، التي قد تغيب أو تكون خاملة في الفترات التي تسبق الانتخابات، تتحول فجأة إلى كيانات نابضة بالحياة، أشبه بخلايا نحل لا تهدأ فتتحرك بسرعة فائقة، وتنتشر في كل مكان، تسعى لجذب انتباه الناخبين بكافة الوسائل الممكنة وتبدأ الحملات الانتخابية على قدم وساق، وتتوالى الخطابات الرنانة التي تعد بمستقبل أفضل وأيام مليئة بالإنجازات وفي هذا الوقت، يظهر السياسيون بصورة أكثر قربًا من الشعب، فيزورون القرى النائية، يتحدثون عن قضايا الفقراء والمهمشين، ويتعهدون بتقديم الحلول السريعة لمشاكل الصحة، التعليم، البطالة، والإسكان.
هذه الديناميكية الكبيرة تمنح الناخب شعورًا بالأمل في أن هناك تغييرًا حقيقيًا قادمًا، وأن هذه الوعود ستتحقق على أرض الواقع فور انتهاء الانتخابات والجميع يتحدث لغة واحدة عن المستقبل الأفضل، التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية ولكن، كما هو الحال في أغلب الأحيان، ينقلب المشهد رأسًا على عقب بمجرد انتهاء الانتخابات وإعلان النتائج.
فبمجرد ألوصول إلى السلطة وقد تمكنوا من تحقيق أهدافهم الانتخابية، تبدأ صورة الأحزاب بالتغير فالنشاط الذي كان أشبه بدبيب النحل في كل مكان يتحول إلى تحركات بطيئة ومحدودة أشبه بتحركات النمل فتختفي الأصوات العالية التي كانت تطلق الوعود، ويقل الحماس الذي كان يشع من خطاباتهم ويعود السياسيون إلى مكاتبهم المغلقة، وتنشغل الأحزاب بترتيب التحالفات وتقسيم المناصب السياسية أما المواطن، الذي كان محط الأنظار قبل الانتخابات، فيجد نفسه مهملًا ومجرد متفرج على ما يحدث.
هذا التحول الحاد من النشاط المحموم إلى الجمود المزعج يثير تساؤلات مشروعة حول مصداقية الأحزاب وأهدافها الحقيقية ولماذا تتحول الأحزاب إلى خلية نحل قبل الانتخابات ثم تصبح كالنمل بعد الفوز؟ الإجابة تكمن في الثقافة السياسية السائدة، التي غالبًا ما تجعل من الانتخابات هدفًا بحد ذاته وليس وسيلة لتحقيق مصالح الناس وبالنسبة لبعض ألأحزاب، الانتخابات ليست سوى محطة للحصول على السلطة، حيث يتم التركيز على تحقيق هذا الهدف دون النظر إلى الالتزامات التي قطعت على نفسها أثناء الحملات الانتخابية.
هذا السلوك ليس جديدًا ففي كثير من الأحيان، تتكرر هذه الظاهرة، حيث تُستخدم الانتخابات كأداة لإغراء الناخبين بالوعود الزائفة، دون وجود آليات حقيقية لضمان تنفيذها وينعكس ذلك بشكل خطير على العلاقة بين المواطن والسياسي، حيث يفقد المواطن الثقة تدريجيًا في العملية السياسية بأكملها وهذا الشعور بالإحباط يمكن أن يؤدي إلى العزوف عن المشاركة السياسية، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للديمقراطية.
بالإضافة إلى ذلك، يبرز هنا تساؤل آخر ماذا عن وعود ما بعد الانتخابات؟ ففي ظل غياب آليات رقابة صارمة ومساءلة واضحة، يصبح السياسيون أقل التزامًا بتنفيذ ما وعدوا به فالانشغال بالتحالفات السياسية والخلافات الداخلية للوصول الى رئاسة اللجان والمكاتب يطغى على أولويات المواطنين، مما يجعل الشعارات التي كانت تُرفع خلال الحملات الانتخابية مجرد كلمات جوفاء.
لحل هذه المشكلة، لا بد من اتخاذ خطوات جادة لضمان استمرارية العمل السياسي بعد الانتخابات بنفس الزخم الذي كان يسبقها.
أولًا، يجب على الأحزاب تطوير استراتيجيات طويلة الأمد تكون موجهة نحو خدمة المواطن، بدلًا من التركيز فقط على الفوز الانتخابي.
ثانيًا، ينبغي تعزيز دور المؤسسات الرقابية، سواء كانت حكومية أو تابعة للمجتمع المدني، لمتابعة التزام الأحزاب بتنفيذ وعودها.
ثالثًا، على وسائل الإعلام أن تؤدي دورًا محوريًا في تسليط الضوء على أداء السياسيين بعد الانتخابات، بحيث لا يُسمح لهم بالاختباء وراء المكاتب المغلقة.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على المواطن نفسه أن يكون أكثر وعيًا وحذرًا فالتصويت للأحزاب يجب أن يكون بناءً على برامجها وتاريخها ومصداقيتها وليس بناءً على وعود عاطفية أو شعارات براقة فعندما يصبح المواطن أكثر قدرة على محاسبة السياسيين والمطالبة بتنفيذ الوعود، ستضطر الأحزاب إلى تغيير سلوكها، والعمل بجدية لتحقيق تطلعات الشعب.
في النهاية، الديمقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع يُفتح كل بضع سنوات، بل هي عملية مستمرة من العمل والمساءلة فالأحزاب السياسية يجب أن تدرك أن وظيفتها لا تنتهي بمجرد تحقيق الفوز، بل تبدأ من تلك اللحظة فإذا استمرت ظاهرة “خلية نحل قبل الانتخابات، نمل بعدها”، فإن الديمقراطية ستظل سطحية، وستبقى الفجوة بين السياسيين والمواطنين تتسع يومًا بعد يوم فالمسؤولية مشتركة بين الجميع الأحزاب، المؤسسات، والمواطنين، لضمان أن تكون الانتخابات بداية فعلية للتغيير، وليست مجرد محطة موسمية للوعود الزائفة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.