*فادي السمردلي يكتب: الانتهازية والتلون السياسي داخل الأحزاب(٣٦/٢)*
*بقلم فادي زواد السمردلي* …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
*مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب(٣٦/٢)*
ماذا يعني الانتهازية والتلون السياسي داخل الأحزاب؟
تمثل الانتهازية والتلون السياسي ظاهرتين خطيرتين تؤثران سلبًا على الأحزاب السياسية واستقرار الأنظمة الديمقراطية فالانتهازية تعني سعي الأحزاب أو قادتها لتحقيق مكاسب شخصية أو آنية دون اعتبار للمبادئ والقيم، بينما يشير التلون السياسي إلى تبديل المواقف والتحالفات بشكل مستمر وفقًا للمصلحة الذاتية، دون أي التزام ثابت برؤية سياسية واضحة فعندما تتغلغل هذه الظواهر داخل حزب ما، فإنها تؤدي إلى إضعاف هويته الفكرية وتحويله إلى كيان هش تحكمه المصالح الآنية بدلًا من المبادئ والبرامج المستقرة، مما ينعكس سلبًا على أدائه السياسي وعلاقته بالمجتمع.
من أبرز مظاهر الانتهازية والتلون السياسي تغيير الخطاب السياسي للحزب وفقًا للظروف، دون أي التزام بمبادئ ثابتة، مما يجعله يفقد مصداقيته أمام الجماهير كما يظهر ذلك في تشكيل تحالفات متناقضة برامجيا وأيديولوجيًا بهدف تحقيق مكاسب وقتية، دون إعتبار للتماسك الفكري أو الالتزام بالمصلحة العامة كذلك، تتجلى هذه الظاهرة في الانشقاقات المتكررة داخل الحزب أو انتقال الأعضاء بين الأحزاب بهدف الوصول إلى السلطة، دون أي دوافع فكرية حقيقية بالإضافة إلى ذلك، فإن تقديم وعود انتخابية غير واقعية ثم التخلي عنها بعد الفوز بالانتخابات يعكس بوضوح مدى انتهازية الحزب وقادته وعدم التزامه تجاه ناخبيه.
إذا أصبحت هذه الممارسات جزءًا من هيكل الحزب، فإن تأثيرها يكون مدمرًا على المدى الطويل فداخليًا، يؤدي ذلك إلى حالة من عدم الاستقرار، حيث يفقد الحزب القدرة على بناء كوادر سياسية ملتزمة، ويصبح الولاء قائمًا على المصالح الشخصية بدلًا من المبادئ، مما يؤدي إلى صراعات داخلية وانقسامات متكررة كما أن ضعف الالتزام بالمبادئ يجعل الحزب غير قادر على تقديم رؤية سياسية متماسكة، مما يضعف قدرته على إقناع الناخبين ببرامجه أما خارجيًا، فإن الحزب يفقد مصداقيته أمام الجمهور، حيث يصبح من الصعب على المواطنين الوثوق في وعوده أو سياساته، مما يؤدي إلى تراجع شعبيته وتأثيره.
أما إذا كان الحزب في موقع السلطة(حكومة) ، فإن هذه الظواهر تؤدي إلى تفاقم الفساد السياسي واستغلال مؤسسات الدولة لخدمة المصالح الحزبية بدلًا من خدمة المواطنين وفي هذه الحالة، تصبح القرارات الحكومية قصيرة المدى، وتركز على الحفاظ على النفوذ السياسي بدلًا من بناء سياسات تنموية مستدامة كما أن كثرة التحالفات المتقلبة والصفقات السياسية تجعل الحكومة غير مستقرة، مما يؤدي إلى ضعف الأداء الإداري وتراجع ثقة المواطنين بالنظام السياسي ككل.
على مستوى منظومة الحزب، يؤدي انتشار الانتهازية والتلون السياسي إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار الداخلي، حيث تصبح السياسة الداخلية لعبة مصالح تدار في الكواليس بدلًا من أن تكون ساحة للتنافس الفكري والبرامج التنموية ومع مرور الوقت، يؤدي ذلك إلى عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية، حيث يشعرون بأن الأحزاب لا تمثلهم، بل تسعى فقط لتحقيق مكاسب شخصية وفي بعض الحالات، قد يؤدي ذلك إلى احتجاجات شعبية ضد هذه الأحزاب، مما يهدد استقرار الدولة نفسها.
وفي النهاية، إذا استمرت هذه الممارسات داخل الحزب لفترة طويلة، فإنه يضعف تدريجيًا ويفقد دوره كفاعل سياسي، حيث يصبح غير قادر على إنتاج قيادات جديدة ذات كفاءة، ويقتصر نشاطه على إعادة إنتاج نفس النخب السياسية التي تفقد تدريجيًا أي قدرة على التواصل مع الشارع ونتيجة لذلك، قد يتلاشى الحزب سياسيًا، أو يصبح مجرد أداة شكلية لا تأثير لها في المشهد السياسي.
باختصار، فإن دخول الانتهازية والتلون السياسي إلى الأحزاب يجعلها كيانات ضعيفة غير قادرة على تقديم بدائل حقيقية للمجتمع، ويؤدي إلى زعزعة استقرار الدولة، وإضعاف ثقة المواطنين بالنظام السياسي وإذا تفاقمت هذه الظاهرة وتحولت إلى نمط عام يشمل جميع الأحزاب الفاعلة، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف الديمقراطية نفسها، وربما انهيارها بالكامل لذلك، فإن محاربة هذه الممارسات وتعزيز الالتزام بالمبادئ داخل الأحزاب هو ضرورة أساسية للحفاظ على استقرار الأنظمة السياسية وثقة المواطنين بها.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.