*فادي السمردلي يكتب:تهميش الشباب والكفاءات في الأحزاب(٣٦/٤)*

*بقلم فادي زواد السمردلي*  ….

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب(٣٦/٤)*
ماذا يعني تهميش الشباب والكفاءات داخل الأحزاب؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

يُعرَّف تهميش الشباب والكفاءات على أنه عملية إقصاء متعمدة أو غير مباشرة للفئات الشابة وأصحاب الكفاءات من المشاركة الفعالة في صناعة القرار داخل الأحزاب السياسية، حيث يتم استبعادهم لصالح النخب التقليدية التي تسيطر على المشهد السياسي منذ عقود وتظهر هذه الظاهرة بوضوح في الأحزاب التي تعتمد على القيادات القديمة، وتتحاشى تمكين الأجيال الجديدة، سواء كان ذلك بسبب الخوف من التغيير، أو بسبب المصالح الشخصية لبعض القيادات التي ترى في صعود الشباب تهديدًا لمواقعها.كما أن هذا التهميش لا يقتصر فقط على الفئات العمرية الشابة، بل يمتد ليشمل الأكاديميين وأصحاب الخبرات المهنية، الذين يُستبعدون بسبب عدم انتمائهم إلى الدوائر المغلقة للقيادة التقليدية داخل الحزب، مما يؤدي إلى فقدان الحزب لتنويع في الرؤى والأفكار، ويبقيه عالقًا في نماذج إدارية وسياسية قديمة لم تعد تتناسب مع تطورات العصر.

ويأخذ التهميش أشكالًا متعددة داخل الأحزاب، تبدأ من حرمان الشباب من تقلد مناصب قيادية أو حتى من المشاركة الفعالة في صناعة القرار، حيث تظل المناصب الحزبية المهمة محتكرة من قبل قيادات تقليدية تراكمت لديها السلطة لعقود طويلة وغالبًا ما تُستخدم معايير غير موضوعية لتبرير هذا الاستبعاد، مثل الادعاء بأن الشباب يفتقرون إلى الخبرة، أو أنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت للتأهيل، في حين أن الواقع يشير إلى أن المشكلة تكمن في غياب الإرادة لدى قادة الحزب لتمكينهم ولا يتوقف الأمر عند حرمان الشباب من التقدم في المناصب، بل يمتد ليشمل عدم الاستثمار في تأهيلهم، حيث تغيب البرامج الفعالة التي تتيح لهم تطوير مهاراتهم السياسية والإدارية، مما يُبقيهم في دائرة العمل الهامشي داخل الحزب، دون أن تُتاح لهم الفرصة لإثبات قدراتهم الفعلية وإضافة إلى ذلك، فإن الهيمنة المطلقة للشخصيات التقليدية تمنع التجديد الفكري داخل الحزب، حيث يصبح أي طرح جديد يقدمه الشباب أو الكفاءات الأكاديمية مرفوضًا أو غير مرحب به، خشية أن يؤدي إلى زعزعة الوضع القائم وهذا يؤدي إلى ركود فكري، حيث تبقى الأحزاب أسيرة لنفس الأساليب السياسية والإدارية، حتى وإن كانت هذه الأساليب غير فعالة في مواجهة التحديات المعاصرة.

ونتيجة لهذا التهميش، تفقد الأحزاب قدرتها على التطور، حيث تصبح عاجزة عن تجديد نفسها، مما يؤدي إلى تراجع مكانتها أمام الأحزاب الأكثر ديناميكية التي تستثمر في الشباب وتتيح لهم فرص القيادة الفعلية كما أن استمرار هذا الإقصاء يدفع الشباب إلى العزوف عن العمل السياسي، حيث يشعرون بأن انخراطهم في الأحزاب التقليدية لا جدوى منه، وأن مسارات الصعود مغلقة أمامهم، فيتجهون إما إلى الابتعاد عن السياسة كليًا، أو إلى البحث عن بدائل خارج الأطر الحزبية التقليدية، مثل الحركات الشبابية المستقلة أو المبادرات المدنية التي تتيح لهم مساحة أوسع للتعبير والمشاركة. كما أن هذا التهميش يؤدي إلى تعزيز الانشقاقات داخل الأحزاب، حيث يدرك العديد من الشباب والكفاءات أنهم غير مرحب بهم، فيسعون إلى الانضمام إلى أحزاب أكثر انفتاحًا، أو حتى إلى تأسيس تيارات سياسية جديدة تتبنى أفكارًا أكثر حداثة.

ولا تقتصر تداعيات هذه الظاهرة على الحزب فقط، بل تمتد إلى المشهد السياسي بأكمله، حيث يؤدي غياب الشباب والكفاءات عن العمل الحزبي إلى فقدان السياسة لحيويتها، ويجعلها تدور في حلقة مفرغة من إعادة إنتاج نفس القيادات ونفس الأفكار، مما يؤدي إلى انفصال الأحزاب عن الواقع الاجتماعي، وعدم قدرتها على استيعاب التحولات السريعة التي تشهدها المجتمعات. ومع مرور الوقت، تفقد هذه الأحزاب تأثيرها التدريجي، حيث تصبح غير قادرة على استقطاب أعضاء جدد، وتتحول إلى كيانات ضعيفة غير قادرة على المنافسة الفعالة.

ولمواجهة هذه الأزمة، لا بد من تبني إصلاحات جذرية داخل الأحزاب، تبدأ بإيجاد آليات حقيقية تضمن مشاركة الشباب والكفاءات في صنع القرار، من خلال تعديل الهياكل التنظيمية بحيث تكون أكثر مرونة وتسمح بتداول حقيقي للسلطة داخل الحزب. كما يجب الاستثمار في تدريب وتأهيل القيادات الشابة، ليس فقط من خلال البرامج النظرية، ولكن من خلال منحهم الفرص العملية لتولي مسؤوليات حقيقية داخل الحزب، وتمكينهم من شغل مناصب قيادية دون أن يكون ذلك مجرد إجراء شكلي وإضافة إلى ذلك، لا بد من تغيير الثقافة السياسية داخل الأحزاب، بحيث يتم النظر إلى التجديد كضرورة حيوية وليس كتهديد، وأن يُنظر إلى الشباب والكفاءات كعنصر قوة يمكنه المساهمة في تطور الحزب، وليس كمنافسين يجب إقصاؤهم للحفاظ على مصالح القيادات التقليدية.

إن استمرار تهميش الشباب والكفاءات لا يمثل مجرد مشكلة داخلية تخص الأحزاب، بل هو معضلة تؤثر على النظام السياسي برمته، حيث إن غياب التجديد والدماء الجديدة يؤدي إلى تراجع الأداء السياسي، ويفقد الأحزاب القدرة على لعب دور فعال في المجتمع لذا، فإن الإصلاح الحقيقي يتطلب إرادة سياسية حقيقية تتجاوز الشعارات، وتترجم إلى سياسات واضحة تضمن مشاركة حقيقية للشباب وأصحاب الكفاءات، حتى تتمكن الأحزاب من البقاء والتطور، بدلًا من أن تصبح مجرد كيانات جامدة محكومة بالتراجع والانحسار التدريجي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.