نواف سلام بين الخطاب السيادي والعجز التنفيذي : ماذا بعد …؟
غنى الشريف …..
في ظل التصعيد الإسرائيلي المتواصل على الجنوب اللبناني، ومع كل غارة تُزهق أرواحًا أو تُهجّر عائلات، يبرز سؤال أساسي أمام اللبنانيين: هل تملك الدولة اللبنانية، برئاسة حكومة نواف سلام، القدرة الفعلية على حماية مواطنيها وردع هذه الاعتداءات …؟
منذ تسلمه مهامه، تبنى نواف سلام خطابًا واضحًا في التمسك بسيادة لبنان ورفض الانتهاكات الإسرائيلية. لكن، مع كل بيان حكومي جديد، يتأكد أن هذا الخطاب، رغم قوته الرمزية، يفتقر إلى أدوات الردع والتنفيذ، بل يبدو عاجزًا أمام قوة الواقع الميداني.
من الدبلوماسية إلى العجز السياسي :
نواف سلام الدبلوماسي الأممي السابق، يدرك جيدًا أبعاد القرارات الدولية مثل 1701 و 1559، لكنه حتى الآن لم ينجح في تحويل هذه المرجعيات إلى مواقف تنفيذية تضع إسرائيل أمام مساءلة أو ضغط دولي فعلي.
الأكتفاء بالشكوى إلى مجلس الأمن لم يعد مقنعًا لشعب يتعرض للتهجير والقصف اليومي.
كما أن إحجام الحكومة عن تقديم مبادرات قانونية دولية، أو تحرك سياسي كبير يوازي حجم الأزمة، يُضعف صدقية الدولة أمام شعبها وأمام العالم.
أزمة السلاح : خطاب بلا بديل
نواف سلام يُجاهر بدعمه لحصرية السلاح بيد الدولة، وهو موقف سيادي نقيّ، لكنه حتى الآن ( لم يطرح خريطة طريق واضحة ولا بديلًا أمنيًا حقيقيًا عن سلاح حزب الله ) فهل الجيش اللبناني مؤهل وحده لمواجهة إسرائيل …؟ وهل لدى الحكومة خطة لتعزيز قدراته …؟
ما لم يتوفر هذا البديل، فإن موقف سلام، رغم نُبله، يبقى مجرّد تمنٍّ يفتقر إلى الأدوات التنفيذية،ويضعف أمام جمهور يعتقد أن “المقاومة” هي الضامن الوحيد لحماية الأرض.
غياب المبادرة السياسية :
ربما ما يُحسب على نواف سلام اليوم هو افتقاده لروح المبادرة الجريئة.فقد كان بوسعه أن يدعو إلى مؤتمر وطني حول إستراتيجية الدفاع، أو أن يطلب دعوة أممية لتحييد لبنان، أو حتى أن يزور الجنوب ليبعث برسالة رمزية قوية بأن الدولة حاضرة حيث يُقصف الناس.
الخطاب السيادي، مهما كان رصينًا، لا يكفي إن لم يُترجم إلى فعل سياسي، وتحرك داخلي وخارجي، وخطة مواجهة شاملة.
هل نواف سلام فرصة ضائعة …؟
لا شك أن نواف سلام يملك مؤهلات أستثنائية على المستوى الأكاديمي والدولي، ويمثل صوتًا عقلانيًا ومعتدلًا في المشهد اللبناني، لكن ما لم يتحول هذا الصوت إلى مشروع متكامل لحماية لبنان، وإقناع اللبنانيين بأنه بديل فعلي عن ” المقاومة المسلحة “، فإنه سيُختزل في كونه مجرد صوت في العاصفة، لا ربانًا لسفينة تائهة.
لبنان لا يحتاج فقط إلى من يُدين العدوان، بل إلى من يُدير المواجهة بحكمة وقوة.
خاتمة القول :
إن ما يواجهه نواف سلام اليوم ليس مجرد تحدٍ دبلوماسي، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة ثقة شعبها وفرض سيادتها على أرضها. فإما أن يتحول هذا العهد إلى محطة تأسيسية لمرحلة جديدة من بناء الدولة القوية، القادرة على حماية مواطنيها، أو أن يمر كفرصة ضائعة أخرى في سجل الحكومات التي اكتفت بالكلام ووقفت عاجزة أمام أقدارها.
المرحلة تتطلب أكثر من المواقف، إنها تحتاج إلى قرارات، وخطط، وشجاعة سياسية، فهل يملك نواف سلام الجرأة للأنتقال من التنديد إلى القيادة …؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
غنى الشريف
لبنان – بيروت 2025/5/10