*فادي السمردلي يكتب : غياب الديمقراطية الداخلية للأحزاب(٣٦/١٦)* *بقلم فادي زواد السمردلي*

فادي زواد السمردلي   ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب.(٣٦/١٦)”*

ماذا يعني غياب
الديمقراطية الداخلية للأحزاب ؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

غياب الديمقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية يعد من القضايا الجوهرية التي تساهم في تراجع دور الأحزاب السياسية في تشكيل الحياة العامة وتوجيهها ومن خلال فحص الجوانب المختلفة لهذه المشكلة، يتضح أن غياب الديمقراطية الداخلية يؤدي إلى مجموعة من التأثيرات السلبية التي تؤثر على قدرة الحزب على العمل بفعالية، وبالتالي على استجابته للتغيرات المجتمعية والسياسية فإن عملية احتكار القرار الحزبي من قبل مجموعة صغيرة أو شخصيات بعينها تجعل الحزب يعاني من عجز كبير في استيعاب التنوع الفكري والسياسي، كما أنه يمنع الأعضاء من الإسهام في تحديد سياسات الحزب وتوجهاته.

من أبرز مظاهر غياب الديمقراطية في الأحزاب هو احتكار السلطة والقرار الحزبي في أيدي قلة من الشخصيات وهذا الاحتكار يعزز من تهميش الأعضاء الآخرين الذين لا يستطيعون التأثير في صياغة القرار الحزبي. وعادة ما يحدث هذا عندما تسيطر مجموعة معينة على مفاصل الحزب وتفرض توجهاتها وأفكارها الخاصة دون إفساح المجال للتعددية والاختلاف وفي هذه الحالة، تصبح السلطة داخل الحزب متكاملة بين الأفراد الأقوياء، ويُستبعد باقي الأعضاء الذين يشعرون بأن آرائهم غير مهمة أو أن مشاركتهم في الحزب ليست أكثر من مجرد حضور شكلي وهذا الأمر يحرم الحزب من فائدة التنوع الفكري والتجديد المستمر الذي يعزز من قدرة الحزب على التواصل مع الجمهور وفهم تطلعاته.

السلطة المركزية التي تفرضها القلة من القيادات تتسبب أيضًا في إضعاف الروح الجماعية داخل الحزب، حيث يصبح الحزب في النهاية أشبه بهيكل هرمي تركز فيه السلطة بيد القمة، ما يعوق أية محاولات لتطوير آليات عمل قائمة على الشفافية والمشاركة الواسعة ونتيجة لذلك، يفقد الحزب القدرة على تبني قرارات جماعية تأخذ بعين الاعتبار المصالح والآراء المتنوعة داخل صفوفه، مما يقلل من حيوية الحزب وقدرته على التأثير الفعّال في القضايا العامة.

من الظواهر الأخرى المترتبة على غياب الديمقراطية داخل الأحزاب هو تجاهل الأصوات المعارضة أو المختلفَة فعندما يتم إسكات الآراء المناهضة أو المختلفة، يتبدد الحوار البناء داخل الحزب ويبدأ في التفكك وهذا الأمر يؤدي إلى عدم وجود مساحة للنقد البناء أو تطوير الفكر الحزبي وعادةً ما تتم تبرير هذه الممارسات من خلال التحفظ على وحدة الحزب أو تجنب الخلافات الداخلية، لكن في الواقع، يؤدي هذا الأسلوب إلى انهيار الحزب من الداخل إذ يصبح أكثر عزلة عن قاعدته الشعبية، ولا يستطيع أن يقدم حلولاً مبتكرة للتحديات التي يواجهها المجتمع.

إن استبعاد الأصوات المعارضة يعزز من حالة التوافق الوهمي داخل الحزب، لكن هذا التوافق السطحي لا يؤدي إلى أي تطور حقيقي أو فهم دقيق لمشاكل المجتمع كما أن هذه الثقافة تقود إلى تزايد حالة الجمود السياسي والفكري، إذ يصبح الحزب غير قادر على تحليل وتحريك القضايا الحاسمة والأهم من ذلك أن تجاهل هذه الأصوات يؤدي إلى عزوف العديد من الأعضاء، خاصة الشباب، عن المشاركة في الأنشطة الحزبية، لأنهم يشعرون أن أفكارهم لن تُؤخذ بعين الاعتبار وأن جهودهم لن تسهم في أي تغيير حقيقي.

الشكلية بدلاً من الشفافية
فتُعتبر الانتخابات الصورية داخل الحزب من أبرز الأدوات التي تستخدمها بعض القيادات للحفاظ على سلطتها وضمان استمراريتها وفي كثير من الأحزاب التي تعاني من غياب الديمقراطية، تتم تعيين القيادات بدلاً من انتخابهم بشكل شفاف ومفتوح وهذا يجعل الأعضاء يشعرون بالعجز عن التأثير في تشكيل القيادة الحزبية أو التوجهات المستقبلية للحزب ونتيجة لهذا النظام، يبدأ الأعضاء في النظر إلى الانتخابات الحزبية على أنها مجرد إجراء شكلي لا يعكس رغباتهم أو طموحاتهم، مما يحد من رغبتهم في المشاركة في الحياة الحزبية.

الأكثر ضررًا من ذلك هو تأثير هذا الوضع على الشباب، الذين عادة ما يكونون في مراحلهم السياسية الأكثر حماسًا وطموحًا فعندما يرون أن التعيين هو السائد بدلاً من الانتخابات الحرة، يفقدون الحافز للانضمام إلى الحزب والمساهمة في تطويره كما أن هذا الوضع يعمق من الفجوة بين الأجيال داخل الحزب، حيث تصبح القيادات القديمة متشبثة بمواقعها دون منح فرصة للأجيال الجديدة لإثبات كفاءتها والمساهمة في اتخاذ القرارات الحاسمة.

غياب الشفافية في اتخاذ القرارات الحاسمة يُعد من العوامل التي تساهم بشكل مباشر في تآكل الثقة داخل الحزب فعندما تُتخذ القرارات خلف الأبواب المغلقة، دون إطلاع الأعضاء على معايير وعمليات اتخاذ هذه القرارات، يتزايد الشعور بالإقصاء والظلم. ولا يقتصر الأمر على القرارات الكبرى التي تحدد توجهات الحزب، بل يشمل حتى التفاصيل اليومية التي تساهم في بناء البيئة الحزبية بشكل عام وعادة ما يتم اتخاذ هذه القرارات في غرف مغلقة بحيث لا تكون هناك فرصة للنقد أو للمراجعة، مما يعزز من الشعور بعدم العدالة ويقود إلى حالة من الاستياء العام بين الأعضاء.

النتائج المترتبة على هذه الممارسات تتمثل في ضعف ثقة الأعضاء في القيادة الحزبية فعندما يشعر الأعضاء أن الحزب لا يعبر عن آرائهم أو اهتماماتهم، يصبح من الصعب عليهم أن يبقوا ملتزمين بالعمل الحزبي. وعلاوة على ذلك، تؤدي هذه الأزمة إلى تزايد الانقسامات الداخلية داخل الحزب، حيث يصبح الأعضاء منقسميين إلى فئات متناحرة تفتقر إلى التنسيق والانسجام فهذه الانقسامات الداخلية تقلل من قدرة الحزب على التفاعل مع قضايا المجتمع وحل مشكلاته، وتضعفه أمام المنافسين السياسيين.

أحد التأثيرات الأكثر وضوحًا هو فقدان الحزب للقدرة على استقطاب الكفاءات السياسية الجديدة فعندما يُحرم الأفراد الموهوبون والمجدون من الفرص الحقيقية للتأثير والتعبير عن أفكارهم، ينشأ جمود سياسي داخل الحزب وهذا الجمود يجعل الحزب يتراجع في جذب الشباب الذين يملكون الطموحات السياسية والتطلعات المستقبلية وعندما لا يستطيع الحزب التكيف مع التحولات السياسية أو الاجتماعية، فإنه يخسر قدرته على التأثير في المشهد السياسي.

بالمختصر غياب الديمقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية يؤدي إلى العديد من النتائج السلبية التي تُضعف الحزب وتجعله عاجزًا عن التجديد والابتكار. من خلال احتكار القرار، تجاهل الأصوات المعارضة، الانتخابات الصورية، وغياب الشفافية، تترسخ حالة من الجمود داخل الحزب، ويعزز ذلك من فقدان الثقة بين الأعضاء. لذلك، من الضروري أن تعمل الأحزاب السياسية على تعزيز الديمقراطية الداخلية من خلال إشراك جميع الأعضاء في عملية اتخاذ القرار، تشجيع التنوع الفكري، وضمان الشفافية في جميع مستويات القيادة والإدارة.

قد يعجبك ايضا