✍️ كلمة حق يراد بها سلخ العبادة.. والفقير ليس إلا شاهد زور..
محمود الدباس ….
في زوايا الزمن المتواطئ مع العيون الضيّقة.. نسمع من يرفع راية الفقراء على أكتاف الحجاج.. ويرشق سكينة الأضحية بسؤال خبيث النوايا.. أليس الأفضل أن تطوفوا على الفقراء؟!.. ولا خلاف هنا على عظمة الطواف على الفقراء.. ولا على سمو إدخال السرور إلى بيوت المنكسرين.. بل إننا نوقن أن في ذلك من الأجر ما قد لا تدركه أعين المتظاهرين بالعبادة إن خلت قلوبهم من الرحمة.. لكن السؤال الكبير.. لماذا لا نسمع هذه الأصوات إلا حين تهب نسائم الشعائر الإسلامية؟!.. ولماذا لا تطرق هذه الدعوات أبواب الفنادق والملاهي والولائم؟!.. ولماذا يُستدعى الفقير كحجة في وجه العبادة.. بينما يُنسى كليًا عند لهو الأغنياء ومجون المتخمين؟!..
حين نقترب من موسم حج.. تتعالى الهمسات السامة.. ويُعاد سؤالهم الأثير: أليس الأولى أن تنفقوا مالكم على الفقراء؟!.. وحين ترتفع تكبيرات العيد قرب موعد الأضاحي.. تُعاد الاسطوانة ذاتها.. ألا يكفيهم ما هم فيه.. وتنحرون أنتم الشياه؟!.. حتى العمرة.. حتى نفحات زمزم.. حتى تقوى الأرواح.. لم تسلم من مقايضة مدفوعة النية.. تنطق بظاهر الرحمة.. وتحمل بين ضلوعها طعنة غدر..
أين كانت هذه الأصوات عندما ازدحمت طائرات السفر السياحي إلى جزر الأحلام؟!.. أين كانت عندما استبيحت الأموال في حفلات الزفاف التي تُبذر فيها الأرزاق أمام العدسات؟!.. لماذا لا يقولون “طوفوا على الفقراء” بدل إقامة حفلات طلاق تنافِس الأعراس؟!.. لماذا لا يوجهون اللوم لمن يشرب زجاجة خمر بأضعاف ما يحتاجه بيت فقير؟!.. لماذا يصمتون حين تُصرف آلاف الدنانير على تجديد أثاث بيت فاخر لم يُمس؟!..
لأن الأمر ببساطة.. ليس من باب الغيرة على الفقير.. بل من باب الكيد للعبادة.. ولأن الطعن لا يطال مظاهر الترف والإسراف بقدر ما يطال مظاهر القرب من الله.. فكأن هناك من لا يطيق أن يرى المسلم يُظهر عبادته علناً.. ويغتسل من دنياه في حضرة الشعائر.. وكأنهم يودون لو حاصروه بين تهمة النفاق أو تهمة التقصير في حق البشر.. ليصرفوه عن حق الله عليه..
والأدهى.. أن بعض هذه الدعوات تأتي من أبناء جلدتنا.. أولئك الذين تلبسوا بعباءة العقلانية المزعومة.. فأصبحوا يزنون الإيمان بميزان المصلحة.. ويقررون ما يُقبل من الدين وما يُرفض حسب أهوائهم..
أيها العابثون بقدسية الشعائر.. اعلموا أن الفقر لا يُستدعى لمحاكمة العبادة.. وأن الطواف على الفقراء لا يتناقض مع الطواف حول الكعبة.. بل من ذاق حلاوة القرب من الله.. عاد إلى العبد برفق ورحمة وسخاء.. فلا تجعلوا من الفقير سيفًا تشهرونه على رؤوس العابدين.. ولا تحوّلوه إلى أداة لهدم ما لم تقدروا على فهمه أو الإيمان به..
إن كانت في قلوبكم رحمة حقيقية.. فطوفوا أنتم على الفقراء في كل حين.. لكن لا تُزايدوا على من طاف بين الصفا والمروة.. ولا تحسدوا من قدّم أضحية لله وهو لم ينسَ صدقة السر ولا كفالة اليتيم..
فقد تكون الشعيرة هي السبب في يقظته.. وقد تكون دمعة التوبة التي سقطت في الحرم.. أثقل عند الله من كل فلس يُنفق رياءً أو جدلاً..
فالطواف على الفقراء عبادة.. نعم.. لكن الطواف حول بيت الله.. ركن.. لا يطعن فيه إلا جاهل.. أو حاقد.. أو كليهما معاً..
محمود الدباس – أبو الليث..
😇🙏🌷