البودكاست الأردني وعمر بن الخطاب

✍️ العميد المتقاعد هاشم المجالي………

ما أكثر ما تهفو قلوب العامة إلى سماع صوت المسؤول، ذلك الذي كان يومًا يجلس على عرش القرار، يخطط، وينفّذ، ويُعين، ويُقيل. فإذا ما ترك منصبه، تهافتت عليه المنابر الإعلامية، تسعى أن تقتطف من حديثه حكمةً، أو تعثر في كلامه على ندم أو عبرة. لكن، يا للأسف! ويا للحسرة!

لقد طالعتُ، كغيري من أبناء هذا الوطن، منابر إعلامية أجنبية (بود كاست )، ينطق فيها أصحاب المناصب بكلماتٍ يندى لها الجبين خجلًا، إذ يُقرّون بأخطائهم، ويعتذرون لأقوامهم، كأنما قلوبهم أرهقتها الذنوب، وأرواحهم سئمت من ثقل التبعات. فيخرج أحدهم يقول: “أخطأتُ يوم فعلت وأصدرت ذلك القرار او منعته ، وإنني اليوم أتحمّل وزر ما بدر مني، وإن اعتذاري هذا هو بعض ما أملك ولأجل أن اريح ضميري وابرئ صفحتي وأنني جاهز لأتحمل وزر مافعلت حتى لو كلفني ذلك حجز حريتي أو خسارة سمعتي وأملاكي .”

أما في بلادي، فالمشهد غير المشهد تماما، واللسان غير ذاك اللسان، والنية غير النية!
فالمسؤول الأردني ، إذا ما اعتلى منصة “البودكاست”، لبس عباءة عمر بن الخطاب، وتوشّح بعدل عمر بن عبد العزيز، وأخذ يحدث الناس عن العدل في عهده و الزهد، والتقوى، والأمانة، وكأنما كان في حياته خليفة راشديا من العصور الغابرة!

لكنه، والحق يُقال، ما كان إلا رجلًا من العامة قبل ان يغتصب ذلك المنصب بالنسب او الواسطة ، وكان يسكن في حيٍ شعبي، ويقود سيارةً بالكاد تبلغ قيمتها عشرة آلاف دينار ، ويقاسم البنك في ثلث راتبه شهريًا، ويشتري الخبز والخضار بالدَين أحيانًا. ولكن إذا ما تذوّق طعم المنصب، تغيّر الحال، واعتدل الميل، وتحولت الشقة إلى قصر، والسيارة إلى أسطول، وصار الذي استأجر المزرعة منه في الغور، يملكها، ويباهي بها!

ويا عجبًا! كيف تبدلت أحوال الأبناء والبنات!
فمن كانوا يتوسلون سيارات الأجرة، صاروا يتنقلون في مواكب من السائقين والخدم والمزارعين والطهاة، وكلهم من جيب الدولة التي تصرف رواتبها من الضرائب التي يدفعها المواطنون ، وليست من راتب الوالد الشريف العفيف الذي انتقل ليصير رئيسا لمجلس ادارة شركة وطنية تدفع عنه الضرائب المترتبة عليه ولا يساهم بأي اسهامات وطنية !

ثم يخرج علينا في البودكاست، يحدثنا عن العدل والورع والشفافية، ويُقسم أيمانًا غلاظًا أنه ما تغيّر ولا تبدّل، وأنه كان أمينًا على الوطن، وكأنما الوطن لم يكن له وطنًا، بل غنيمة تقتسم!

يا سادة، يا من وليتم أمرنا يومًا، فاتقوا الله فيما مضى، واتقوه اليوم فيما تقولون.
فإن الكلمات لا تطهر الذمم، ولا تبرئ القلوب، وإن الاعتراف بالذنب أكرم للمرء من التغنّي بالفضائل التي لم تُرَ!
وإن الرجل، كل الرجل، من إذا أخطأ، اعترف، وإذا خان، استغفر، وإذا تكلّم، صدق.

قد يعجبك ايضا