أزمة الحريديم تبلغ درجة الغليان.. نتنياهو في مساعي اللحظة الأخيرة لمنع تصويتهم مع حل الكنيست اليوم
شبكة الشرق الأوسط نيوز : يبذل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مساعي محمومة في الساعات الأخيرة لمنع حل ائتلافه الحاكم بسبب ما يعرف بـ أزمة اليهود الأرثوذكس (الحريديم) الغاضبين منه لعدم تشريع قانون يعفيهم من الخدمة العسكرية، رغم وعوده المتكررة.
ويواجه نتنياهو، اليوم الأربعاء، الامتحان الحقيقي الأول لبقاء حكومته، بعدما كان حاخامات حزبي الحريديم (حزب الحريديم الغربيين “يهودوت هتوراة”، وحزب الحريديم الشرقيين “شاس”) قد أعلنوا، قبل أيام، أنهم يطالبون السياسيين الخاضعين لإمرتهم بالتصويت مع مشروع قانون لحل البرلمان (الكنيست)، بحال طرح اليوم من قبل المعارضة، احتجاجًا على عدم تشريع “قانون التجنيد”، وهو فعليًا قانون يقضي بإعفائهم من الخدمة العسكرية، على مبدأ أنَّ تعلّم التوراة يساوي كقيمة الخدمة العسكرية، من ناحية حيويتها للحفاظ على بقاء الشعب اليهودي والهوية/الدولة اليهودية بما لا يقل عن القوة العسكرية.
يوسي ميلمان: المصادقة على مشروع قانون التجنيد هي التي ستُفضي إلى سقوط الحكومة
منذ انتخابات الكنيست الأول في يناير/كانون الثاني 1949، يستغل الحريديم (13% من السكان في إسرائيل، وزيادتهم الطبيعية هي الأعلى بين اليهود والعرب فيها) الصراع بين اليمين واليسار الصهيوني على السلطة، ويلعبون دور “بيضة القبان”، حيث شاركوا في حكومات “العمل” حتى الانقلاب الكبير عام 1977، ومن ثم شاركوا في حكومات “الليكود” بدءًا من العام المذكور. وفي كل الحالات، تتصدّر لائحة مطالبهم وشروطهم مطلب عدم المشاركة في الخدمة العسكرية الإجبارية.
وكان رئيس حكومة الاحتلال الأولى دافيد بن غوريون قد منحهم إعفاء شبه شامل، من خلال الموافقة على تجنيد عدد قليل فقط منهم، ولكن مع الأيام نجح الحريديم بواسطة الانتهازية السياسية بتحسين مواقعهم من هذه الناحية، خاصة بعد انقلاب 1977 وتشكيل مناحم بيغن أول حكومة لحزب “الليكود”، حيث صار الإعفاء جارفاً وشاملاً على أرض الواقع، ودون أن يلاحق الجيش من يمتنع عن الخدمة، بخلاف اليهود غير الحريديم.
وبسبب هذه القوة السياسية التي رفعت وأسقطت حكومات، سلّمت أوساط واسعة من الإسرائيليين باستنكاف الحريديم عن الخدمة العسكرية، بيد أن اندلاع الحرب المستمرة منذ 20 شهرًا بعد السابع من أكتوبر، وازدياد الأعباء والخسائر، زاد من غضب وعتب الإسرائيليين من اليمين واليسار على الحريديم.
نموت ولا نخدم
وتنقل صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصدر في حزب “يهدوت هتوراة” قوله إنه بحال لم يتم الاتفاق على قانون “تجنيد الحريديم” (إعفاء الحريديم عمليًا)، فإن نواب الحزب سيصوّتون مع مقترح المعارضة، اليوم الأربعاء، بحل الكنيست.
وجاء في الصحيفة العبرية “ياتيد نئمان” الناطقة بلسان “يهدوت هتوراة” أن كتلة الحزب في الكنيست ستصوّت اليوم مع مشروع قانون حل البرلمان، بحال طرح اليوم الأربعاء، ومثل هذا الموقف يضع حزب “شاس” في حالة تحدٍ ومزاودة عليه كمن يبدو وكأنه أقل حماسة في الدفاع عن الحريديم الذين يقول لسان حالهم “نموت ولا نخدم بالجيش”.
أما في حزب “شاس”، فينتظر السياسيون فيه القرار الأخير للمراجع الدينية (الحاخامات) أصحاب الكلمة الأخيرة، بيد أن قائده السياسي آرييه درعي، حليف نتنياهو منذ 2009، يعمل للحفاظ على الحكومة.
ويخشى الحريديم من تبعات الخدمة العسكرية على عالمهم الديني، ومن ذهاب شبابهم للجيش متدينين وعودتهم منها علمانيين، ولذا هم يواصلون العيش في دائرة منغلقة ومنعزلة، ويرفضون أيضًا تعليم أولادهم العلوم والإنكليزية حفاظًا على قيمهم اليهودية المحافظة. بيد أن هناك خلافات داخل معسكر الحريديم، إذ ترى أقلية منهم، خاصة بعد اندلاع الحرب الحالية، بضرورة التوصل لتسوية، والموافقة على خدمة عسكرية جزئيًا، وبشروط تحمي هوية شبابهم، محذرة من طمر الرأس كالنعامة، وعدم تجاهل انفتاح أوساط شبابية منهم على الحداثة، وبالتالي ضرورة مجاراتها بدلًا من رفضها بالكامل.
درجة الغليان
وترى جهات إعلامية إسرائيلية أن أزمة الحريديم بلغت درجة الغليان، فيما يقوم نتنياهو بجهد محموم كعادته لشراء الوقت، ومنع الانهيار من خلال محاولة إقناع حزبي الحريديم بإرجاء التصويت إلى جانب مشروع قانون حل الكنيست، الذي قد يُطرح اليوم للمصادقة التمهيدية، أسبوعاً بحثًا عن فرصة لإحراز تسوية معهم.
ويعمل مكتب نتنياهو على مستويين- قضائي وأمني- من أجل تخفيف معارضة الحريديم لنص توافقي لمشروع قانون تجنيد شبابهم. في هذا الإطار، التقى نتنياهو رئيس لجنة الخارجية والأمن، النائب عن “الليكود” يولي إدلشتاين، في محاولة لإقناعه بتلطيف مشروع قانون التجنيد الذي يطرحه الأخير، ويشمل عقوبات اقتصادية واجتماعية على من يرفض الخدمة العسكرية، ما يثير غضب الحريديم، الذين يعتبرون ذلك استهدافًا لهم.
مصدر في حزب “يهودت هتوراة”: إذا تراجع الحريديم عن تهديدهم اليوم سنتحوّل إلى نكتة
كما يحاول نتنياهو وأبواقه إشاعة أجواء من التصعيد الأمني في محاولة للضغط على الحريديم ودفعهم للتراجع عن تهديدهم، بسبب أن هناك مخاطر اندلاع حرب مع إيران، رغم أن ترامب قال له، في مكالمتهما أمس، إنه لا يوجد ضوء أخضر أمريكي لذلك.
في المقابل، ترى جهات أخرى في معسكر الحريديم أنه من الأفضل التضحية بسنة أو عدة شهور في الحكم والذهاب لانتخابات مبكرة بدلًا من قبول قانون تجنيد لا يعفيهم بالكامل من الخدمة، ما ينسف مكاسبهم التاريخية في هذا المجال، وسط مواصلة رهان مستقبلي على سياسة الابتزاز السياسي ولعب دور “بيضة القبان”.
وفي هذا المضمار، تنقل صحيفة “هآرتس” عن مصدر في “يهودت هتوراة” قوله إنه إذا تراجع الحريديم عن تهديدهم اليوم “سنتحوّل إلى نكتة”. ولذا، يرجّح محرر الشؤون الاقتصادية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الحريديم يتجهون فعلاً للتصويت ضد الحكومة
كرة ثلج
من جهة أخرى، يعتقد محلل الشؤون الاستخباراتية يوسي ميلمان، في مقال تنشره “هآرتس” اليوم، أن المصادقة على مشروع قانون التجنيد (قانون الإعفاء عمليًا) هي التي ستُفضي إلى سقوط الحكومة، بسبب الغضب والتفاعلات التي سيثيرها في الرأي العام، وفي بعض أوساط الائتلاف أيضًا، في ظل الحرب التي تستنزف الإسرائيليين كذلك.
ومع ذلك، يُشار إلى أنه، رغم المصادقة بالقراءة التمهيدية على حل الكنيست، ستبقى النافذة مفتوحة لمحاولات نتنياهو منع مواصلة التشريع ومنع سقوط الحكومة، لكنه سيخشى من تدحرج كرة الثلج، لا سيما أن هذا ينطوي على ضربة لهيبته وصورة حكومته، وهي فعليًا بداية النهاية.
ستبتّ المعارضة في موقفها النهائي، فهي مترددة في موضوع طرح مشروع قانون حل الكنيست اليوم، خوفًا من تفويت فرصة أخرى لستة شهور، طبقًا للقانون الإسرائيلي الذي لا يتيح طرح مشروع قانون جديد لحل البرلمان بحال فشلت محاولة كهذه.
وتشترط كتلة “يسرائيل بيتينو”، برئاسة أفيغدور ليبرمان، الموافقة على طرح مشروع قانون حل الكنيست، بإعلان رسمي وواضح أن “يهودت هتوراه” ستسانده.
المصدر : القدس العربي